Wednesday, August 24, 2011

السؤال الثالث : الأزهر السياسي

استهلال: نحن مجتمع "الصح" و "الغلط" ، "الحلال" و "الحرام" ، لا نعرف الحلول الوسط ، أي شيء لدينا إما أبيض أو أسود.. ولا نعترف أبداً بأي درجات تسكن بين اللونين .. وبالتالي عندما نتناول ، جميعاً ، أي موضوع نسأل : هل ذلك الموضوع "حلال" "حلو" " صح" ...الخ ، أم "حرام" ، "خطأ" ، "كخ" ...الخ.. ولم نفكر - كثيراً - في أن نسأل السؤال الثالث : لماذا؟

كمحاولة للفهم لا أكثر ، كما يقول شعار تلك المدونة ، من حين لآخر توقعوا تدوينة نطرح فيها السؤال الثالث .. في مواضيع قد يكون من غير المناسب طرحه فيها لظروف تتعلق بالمناخ العام أو باعتبارات أخرى ، لكنها تبقى محاولة للفهم..

كضربة بداية ، دعونا نتكلم بصراحة عن "وثيقة الأزهر"..وبدون زعل..

عوملت الوثيقة بمنطق "يا أبيض يا اسود".. هناك من انتقد ، وهاجم ، وتحفظ ، وهناك من أيد ، ورحب ، وهلل .. لكن قل من تساءل عن السبب : لماذا قرر الأزهر أصلاً وضع وثيقة يتم الاسترشاد بها لعمل دستور؟ ألا يعد ذلك سعياً للعب دور سياسي؟ هذه الوثيقة التي تعتبرها ما يسمى بـ"القوى السياسية والوطنية والثقافية" - اكليشيه استعمل واستهلك كثيراً في العهد المباركي- وثيقة "استرشادية" لعمل الدستور الجديد .. ليصل الأمر بحزب "المصريين الأحرار" - الذي يزعم أنه يريد دولة "مدنية" وليست "دينية" - بالمطالبة بتطبيق الوثيقة التي أعدها الأزهر .. الجهة "الدينية"..إلزامية إلزامية .. لا استرشادية ولا استشارية!

يحاول مصدر بالمؤسسة الأزهرية إرسال "تطمينات" لمن يستغربون أن تقوم جهة "دينية" بعمل وثيقة يطالب بعض أنصار الدولة المدنية باعتبارها أساساً للدستور الجديد ، ويؤكد الكلام شيخ الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" نفسه، بالقول بأن :


"الأزهرالشريف لايفرض رأياً خلال هذا اللقاء ولا يعد نفسه طرفاً فى العمل السياسي وإنما يؤكد دائماً على دوره الوطني وعلى كونه بيتاً للأمة ولا ينحاز لفريق ولا يتدخل فى شأن من شؤون السياسة الحزبية وأن أبوابه كانت ولاتزال مفتوحة أمام الجميع ليلتقوا فى رحابه على الحفاظ على مبادئ الحرية والديمقراطية والمواطنة وترسيخ أصول الشريعة الإسلامية والحرص على وحدة النسيج الوطني والبعد عن أسباب النزاع والفرقة"..

أخشى أن يكون الأزهر قد وقع في الفخ بالفعل ، وبأن ما قاله العالم الجليل جاء متأخراً ، وربما يكتشف ذلك في توقيت تجد فيه المؤسسة الأزهرية العريقة بكل تاريخها نفسها في قلب مزايدات وسجالات سياسية شديدة السخف تبعدها كل البعد عن الدور الذي "لم" تعد تلعبه..

في تحليلي المتواضع ، الذي يحتمل الخطأ أكثر من الصواب ، وأتمنى عن نفسي أن يكون خطأ ، أن قوى سياسية "ما" يتلفع بعضها بالمال وجدت نفسها في مواجهة مع أحزاب "ذات طابع ديني" ، فكان عليها أن تواجه الدين بالدين ، وأن تصنع دوراً "مرجعياً" لمؤسسة دينية تتوافق عليها شرائح من المجتمع المصري من أجل إضفاء "مسحة دينية" على شعارات تلك الأحزاب والقوى التي تسعى لتسويق نفسها وسط مجتمع "متدين" ، رغم ما تدعيه تلك الأحزاب من أن "الدين في الجامع والكنيسة ومالهوش علاقة بالسياسة"..

هذا هو السيناريو "الطيب".. أما السيناريو الشرير فيتلخص في أن تتحول المؤسستان الدينيتان -لإنه لو واحدة دخلت التانيةحتدخل - إلى "مصدر شرعية" لتلك القوى ، كما كان النظام المباركي يخطب ودهما ، ومن أجل الشرعية تعقد مع المؤسستين صفقات قد تنتقص وبشكل كبير جداً من مصداقية شعارات "الدولة المدنية" البراقة ، فرضية يعززها هذا المقال لكاتب حسب معلوماتي - وصححوني إن أخطأت- عضو ناشط في حملة تأييد "البرادعي" يتحدث فيه عن "تهميش" للمؤسسة الأزهرية ، والحديث عن التهميش بهذه الطريقة ، حتى ولو جاء غمزاً ، قد يعني أن هناك أموراً قد يتم تداولها "ع الترابيزة" من أجل إخراج المؤسسة من "حيز التهميش".. وبالتأكيد عندما يتم الإلحاح على الدور الأزهري و"مرجعيته" - في بلد لا يعرف فكرة المرجعية منذ دخول الإسلام إلى أرضه- جنباً إلى جنب مع التهميش ، قد يدفع ذلك أعضاء المؤسسة للشعور بأن مؤسستهم أقوى من ذلك ، وتستحق أن تكون لاعباً في اللعبة السياسية وجزءاً منها - كما حدث مع المؤسسة الشرطية بدءاً من "زكي بدر"- وبالتالي إلى المطالبة بمزيد من الحقوق ، ثم الامتيازات..

سيقول البعض : "وانت مالك؟ انت ليك اللي في الوثيقة" ، وعن نفسي أعرض ما جاء فيها ، وأرد بالقول بأنه "كلام جميل ، وكلام معقول ، ما أقدرش أقول حاجة عنه" إلا أنه يمكن أن يتم التوصل إليه في أي مكان آخر ، في صالون ثقافي ، في منتدى ثقافي (بما أن صناع الوثيقة مثقفون ومفكرون من جميع الاتجاهات).. ولا يحتاج لـ"شرعية دينية" أو إلى ختم ديني لكي نقتنع به..كما أنه لا جديد في أن الإسلام لا يعرف الدولة "الدينية" ، والتي تساءل المدون في وقت "سابق" ودون أدنى إجابة..لا من منظريها ولا من غير منظريها..

للأزهر دور تعليمي وتثقيفي وتنويري لا يجب أن يلوث بالدخول في مستنقع السياسة ، بل إن أحد أسباب تراجع الأزهر التي "لم" يذكرها الدكتور "النجار" هو أن الناس دائماً ما كانت تربط بينه وبين النظام السابق ، وتتهمه بلعب "دور سياسي" لصالحه..

والله أعلم..
ذو صلة: حوار لوكيل الأزهر الأسبق الشيخ "محمود عاشور" على جريدة "الأخبار" عدد 25/8/2011.. وأنقله من موقع "مصرس" ..

2 comments:

د/دودى said...

حاسه للاسف ان الازهر شاف الاخوان و السلفيين و الصوفيه كمان اخدوا من تورته السلطه كتير و عاموا على وش الفته من خيرها ...فقرر ان يدخل اللعبه يعنى ملوش نفس

الدين مش حكر على حد لا دول و لا دول و لا دول ...و ربنا يريحنا منهم كلهم

قلم جاف said...

أي مؤسسة في العالم بتبقى قدامها مغريات الفساد ..

لكن نفوس أعضاء المؤسسات دي هية اللي بتحدد إن كانت مؤسساتهم دي حتفسد ولا لأ..

نظرة في مواقف رجال الدين أيام الحملة الفرنسية وبعدها وفي بداية عصر "محمد علي" تغني عن مزيد بيان..