Saturday, August 27, 2011

دعاية مجانية للعالمانية - جمعة "في حب أنفسهم"

جمعة "في حب مصر".. أفضل دعاية يمكن أن يحصل عليها الفكر العالماني.. وبجدارة..

في تلك الجمعة ، تحالفت الأحزاب التي تسمي نفسها "أحزاباً ليبرالية" في حالة من حالات النفاق السياسي مع "حركات" صوفية في تلك المظاهرة أو ذلك الاعتصام أياً ما كان ، ثم تحول ذلك التحالف إلى "تنسيق حزبي" أو تحالف حزبي بعدها بأيام فيما عرف باسم "الكتلة المصرية".. الظريف في الموضوع أن الطرق حاولت أن تقنعنا ، بأحزابها وتشكيلاتها ، أنها تريد دولة مدنية ، وأنها ستخوض الانتخابات تحت شعار "الدولة المدنية"!


أي هراء هذا؟


أي حزب تكونه أي مجموعة مذهبية ، أو دينية ، هو حزب ديني ، حقيقة لا تحتمل السفسطة ، حزب ديني طائفي مثله مثل أحزاب السلفيين ، والأحزاب التي يسعى الشيعة لتشكيلها ، والكيانات المماثلة في دول عربية أخرى ، قائم على أساس الدين ، وعلى أساس الانتماء لنفس الفصيل المذهبي أو الديني ، بس ، وبرنامجه ديني مهما حاول إخفاء ذلك من أجل عيون لجنة أحزاب أو مصوت ينتمي لتيار أو طائفة مختلفة ، وفي تراث تلك المجموعات كلها وبلا استثناء ما يعادي أصلاً فكرة "الدولة المدنية" أو "الدولة غير الدينية" بمعنى الدولة التي "لا" يحكمها رجال الدين ولا يشاركون في حكمها بشكل أو بآخر.. إن لم يكن هناك حديث عن دولة الخلافة المركزية التي كانت قائمة في مرحلة تاريخية ما تحت ظروف مختلفة شكلاً وموضوعاً عن اليوم.. وبالتالي لا يمكن أن نتخيل ، ونصدق ، أن تضم تلك الأحزاب ،سلفية كانت أو صوفية ، أناساً من انتماءات دينية أخرى أو من أديان أخرى في صفوفها!


وأي حزب سياسي في العالم له هدف من اثنين لا ثالث لهما ، الوصول للسلطة ، سواء كان لهذا الحزب مشروع سياسي "واضح" ، ولا حتى ما لهوش ، أو التأثير في "عملية الوصول للسلطة" ، كما يحدث مع الأحزاب الدينية المتطرفة الصغيرة في "إسرائيل".. والهدف الثاني هو الأقرب بالنسبة ليس فقط للحالة الصوفية-السياسية ، بل حتى للسلفيين على كثرتهم.. وهو ما يفتح الباب لصفقات وتوازنات سياسية دينية بين الأحزاب التي ستصل إلى السلطة (معارضة تقليدية أو مال سياسي) وبين تلك المجموعات الدينية على حساب "مدنية الدولة" التي تحولت إلى أغنية نسمعها بين فواصل البرامج ، نفس نظام التوازنات الذي كان قائماً أيام المخلوع ، "تديني شرعية دينية أديك امتيازات".. والباقي معروف..


ما دامت المسألة حب مصر ودولة مدنية ، لماذا كون الصوفيون وغير الصوفيين أحزاباً هي أحزاب دينية مهما حاولت إظهار غير ذلك؟ ولماذا لم ترفع الطرق الصوفية -باعتبارها كياناً منظماً معلناً- عن أتباعها أي قيد على الدخول في أي حزب سياسي أياً كان ، بما أن حب مصر لا يمر -حصرياً- من باب حزب الطريقة أو حزب الجماعة ، بما أن الانتماء الديني المذهبي شيء ، والانتماء الوطني شيء مختلف؟


لكن ما حدث هو أن الشيخ "أبو العزائم" جمع بالأمر المباشر بموجب "سلطته" أتباعه وأمرهم بالنزول إلى الشارع ، في حين أن الشيخ "القصبي" شيخ مشايخ الطرق هدد من شاركوا في "تقاوي المليونية" بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة" بما فيها "الفصل".. أي أنه في كلا الحالتين بموجب "سلطة" دينية تم حشد جمع من الناس للنزول في مظاهرة ، أو لمنعهم من النزول في مظاهرة ، وقريباً سيتم حشدهم للتصويت مع أو ضد فلان ، ولا يزال هؤلاء يزعمون أنهم يتحدثون عن مدنية الدولة التي يشاركون في بنائها بالتصويت الديني..على أساس أن الناس "لن" تفكر في برنامج اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي واضح تختار على أساسه بين حزب "س" أو "ص"..


وكأنه لا يكفي أن تتحدث أحزاب "دينية" بمنطق وصولي متناقض ما بين قيم الدين وسفالات السياسة ، حتى نفاجأ بتصريح غريب ومستفز للغاية يهاجم فيه "أبو العزائم" من لم يشارك في "المليونية" بحجة مشاهدته لمباراة كرة قدم ، باعتبار أن حب الدين مرتبط - حصرياً برضه- بالنزول إلى الشارع ، كما لو كان من لم ينزل إلى الشارع في تلك الجمعة لا يحب الدين، وكما لو كان - مثلاً- من لم ينزل للشارع في جمعة 29/7 لا يحب الدين..هوة إيه دة؟


بهذا المنطق ، بهذه التصرفات ، حين يكون الناس مخيرين في اختيار من يكذب عليهم في البرلمان ، فسيفضلون من يكذب عليهم باسم الدولة ، على من يكذب عليهم باسم الدين..والله أعلم..

No comments: