أعرف أن السطور القادمة عنيفة ، وقد تُفْهَم بشكل خاطئ.. ولكن الأمر يتطلب بعض الصراحة ولو كانت "عنيفة" و "دجَّة" كما يقول إخواننا الشوام..
ما أنا متأكد تماماً من "دجاجته" - من "دِّج" سالفة البيان- هو مقال المستشار السابق "طارق البشري" الذي نشره السبت 27 سبتمبر/رمضان 2008/1429 على رئيسية "الدستور" والذي يتهم فيه الأغلبية السنية بممارسة "الفاشية" ضد الشيعة في معرض هجوم الشيخ "يوسف القرضاوي" على "التبشير" الشيعي في العالم العربي.. عزفاً على نفس النغمة التي عزفتها من قبل "مرجعيات" وشخصيات شيعية وحتى بعض "المفكرين" من "غير" الشيعة أمثال الدكتور "محمد سليم العوا"..وهؤلاء يرون أن ما يحدث "ليس" "تبشيراً" وإنما هو "انبهار" و"إعجاب" بنموذج "إسقاط الشاه" و"المقاومة" في ظل ما يتعرض له متبعو المذهب الشيعي من اضطهاد..
كلام فارغ..ولنكن صرحاء:
1-الأوطان يا سادتي الكرام مبنية على التعايش.. و"العادي" في الأشياء أن تبنى الدول على تعددية من حيث مستوى الثروة ، والتعليم ، والدين ،والمذهب داخل الدين الواحد.. وبالتالي لن يسعد المجموع إذا كان لدى بعض أفراده ما هو ضد هذا التعايش وضد ما استقر عليه ذلك المجموع على اختلاف انتماءات وديانات ومذاهب أعضائه..
لذلك عندما تفكر أي مجموعة من مجموعات "الإسلام السياسي" أيَّاً كان مذهبها -على سبيل المثال- في بناء نموذج سياسي "مضاد" لشكل الدولة فإنها تؤلب عليها الدولة ونظامها السياسي ، وعندما يكون هذا النموذج السياسي إقصائياً مضاداً للمجموع أو متضارباً معه فلن تقابل تلك المجموعة بترحاب كبير على الأقل ممن يتضارب النموذج سالف البيان معه..أذكر بأن المثال السابق عن "مجموعات" "الإسلام السياسي" التي هي لها نظام دخول وخروج وعضوية .. فما بالكم بالتيارات المذهبية الأكثر تواجداً بين الناس والتي يولد كثير منهم بها..
وهذه هي مشكلة العديد من التيارات المذهبية التي تعيش كأقليات داخل العالم الإسلامي وخارجه أيضاً..حتى وإن سلمنا بوجود اضطهاد.. فعبء وجود حساسيات بل وحزازيات من قبل باقي أفراد المجتمع ضد أتباع هذا الاتجاه أو ذاك يقع جزء منه على هؤلاء الأتباع بسبب تصوراتهم المتضاربة مع ما استقر به المجتمع وارتضاه للتعايش بين أبنائه.. وكلما كانت تلك التصورات أكثر تطرفاً وتضارباً كلما كبر نصيبهم من المسئولية..
2-ومشكلة الشيعة مشكلتان.. الأولى أن الخلاف السني الشيعي هو بالأصل خلاف سياسي بامتياز ، قبل أن يكون خلافاً مذهبياً دينياً ، والثانية هي ارتباط المذهب الشيعي بالسياسة عموماً وبدولة بعينها (نموذج دولة الدين-التي يحكمها أو يشارك في صنع سياستها رجال الدين)هي إيران بشكل خاص.. ومشكلة إيران نفسها هي أنها قوة إقليمية لها مشروعها السياسي الذي لا يتضارب فقط مع "النظم"- الفزاعة التي تستخدمها الميديا الموالية لإيران- ولكن مع الناس.. من الممكن أن يتعاطف الكثيرون مع "حسن نصر الله" ومع "الملالي" لكن عندما تصل الأمور لأن يُحكَم هؤلاء الكثيرون بنموذج سياسي على الطريقة الإيرانية فسيرفضون رفضاً قاطعاً.. ليس فقط بسبب التضارب المذهبي ولكن حتى بسبب "تديين الدولة" واختزال الدين في شخص الدولة فقط..
3-وطبعاً ستتضاعف المشاكل مع المجموع عندما تبدأ "الدعوة" للمذهب داخل بلد يعتنق مذهباً آخر ، ويتفق أهله على اختلاف أديانهم ومذاهبهم على رفض الدعوة للمذهب أو للدين داخل مجتمع الدولة الواحدة حفظاً لتماسك الدولة..
يحدثنا المستشار السابق "طارق البشري" عن "الوحدة" والتكاتف ونبذ الخلافات.. وهو في رأيي حديث "مائع" خطابي آخر حاجة.. الوحدة لا تبدأ من نبذ الخلافات بل من نبذ السلوك الخلافي نفسه.. كما أننا مطالبون بمراجعة العديد مما نشأنا عليه فيما يخص علاقة الإسلام بالعصر والخروج من حالة الجمود والفصل العاقل بين شئون الدين والدنيا هم الآخرون بحاجة لمراجعة علاقة الدين بالسياسة لديهم .. ليس تجملاً ولا نفاقاً.. ولكن إن كانوا ، وإن كنا ، نريد تعايشاً بحق وحقيق.. بما أن التعايش هو طريق الوحدة التي يخطب فيها سيادة المفكر-وغيره- ليل نهار دون أن يخبرنا هو - أو غيره- بشكل عملي وعقلاني كيف تتحقق.. حتى لا نكون كمن يحاول تشغيل جهاز كهربائي بدون توصيله بمصدر التيار الكهربائي..
م الآخر :"وحدة" بمفهوم خطابي سمج بدون معالجة ثقافة استعداء المجموع ستخلق حساسيات داخل المجتمع ضد أي مجموعة (بلاش كلمة أقلية) تتبنى تلك الثقافة.. وهو ما يعني مزيداً من الديناميت.. دمتم بألف خير..