Saturday, September 27, 2008

في "شرف" فتح الباب

أمران ذكراني بثالث: الأول هو فتوى قرأتها عند زميلي العزيز "ابن عبد العزيز" في معرض تدوينته "تنقية الشريعة من الفتاوى المريعة" تخص اللحية ..والثاني هو فتوى ، أو "قول" لفضيلة المفتي (بما أن العالم الجليل يأخذ تلك المسألة بحساسية) بصحة صلاة المرتشي.. والثالث هو "شرف فتح الباب".. ومن الثالث سأدخل على الأوليين!

"شرف فتح الباب" يكاد يكون شخصية حقيقية وإن لم تشر إلى شخص بعينه.. كلنا نعيش وسط أشخاص على نفس تلك الشاكلة.. صحيح أن اختيار "محمد جلال عبد القوي" لأن يكون "شرف فتح الباب" بهذا الشكل استفز الكثيرين خاصةً من "الملتزمين" (وتعريف كلمة "ملتزم" مطاط للغاية وعايز له تدوينة لوحده) .. لكن من الصعب أن ننكر أن "فيه منه موجود" وبهذا الشكل ومنا من اصطدم بنماذج مشابهة في دراسته ، أو عمله ، أو حياته بشكل عام..

شرف فتح الباب
"شرف" المتدين قرر تقديم أول تنازل للشيطان .. وبعد التنازل الأول - عادةً - تبدأ باقي التنازلات الأخرى.. وبغض النظر عن السبب "التلفيقي جداً" الذي جعل هذا الرجل يقدم على تصرف يناقض ورعه وتقواه فإن الشيطان أقنعه بمبرر بسيط جداً: لم تعطني الشركة الموشكة على الخصخصة مكافأة أربع وثلاثين عاماً من الخدمة .. إذن فهذا المبلغ من "حقي"..

وبما أننا شعب متدين بالفطرة -كما يقال عنا ونقول عن أنفسنا- وجد هذا "الشرف" أول الأمر من يردعه في صورة زوجته التي ترفض في "إباء" و"شمم" أن يدخل البيت مليم واحد حرام.. ويصل الأمر بها إلى طلب الطلاق منه..

في أول الأمر ، وقبل أن يُقبَض على السيد "شرف فتح الباب" كان الرجل يحاول أن يصلي جاهداً ، ولم يستطِع ، لكن أيام السجن أبقت على تمسكه بالقناعة الشيطانية تلك حتى بعد مفارقة أسوار السجن.. وفور أن تنشأ قصة حب بين "شرف" ومحامية الشركة تتغير -بمائة وثمانين درجة على الأقل- قناعة زوجته وتستحل المبلغ الحرام إذا كان الغرض منه الإنفاق على أولادها!

ما مضى من حلقات المسلسل نكأ جرحاً عميقاً.. هو مفهومنا نحن للحلال والحرام ، فلدى العديد من الناس -ومنهم "ملتزمون"- قناعات قد تنبع من داخل رغبتنا نحن في المال الحرام المغري "لو كان حلال أدينا بنشربه .. لو كان حرام أدينا بنحرقه" .. "حلال حرام أهي فلوس والسلام".. أو يتيحها لك المناخ العام والتأثير الإعلامي "اسرق الحكومة عادي همة شوية حرامية" .. "ما كل الناس بتسرق.. اشمعنى انت اللي حتعمل فيها عم الشريف"(1)..الخ..

وبما أن هذا التصرف ليس حراماً في رأيك فدع القلق واترك حياتك تسير على علاتها.. واصل صلاتك وقف وراء أئمة (ومطربي) التراويح والتهجد وابك ما استطعت ثم عد لممارسة رشاويك وسرقاتك عادي خالص.. الأمر الذي يحيلنا إلى "قول" فضيلة المفتي بصحة صلاة "المرتشي" "إجرائياً".. (طالما استوفت شروطها) وما قاله بضرورة أن يتوب هؤلاء إلى الله وأنه لا ينبغي أن نغلق أبواب الرحمة في وجوههم (لغاية دلوقت الكلام معقول) لكن فضيلته لم يخاطب من يستعمل الصلاة كـ"جُنَّة" وساتر يمارس خلفه ما يشاء(2)..

والمضحك أن هناك تصرفات خرجت من دائرة المحرمات لتحل محلها تصرفات أخرى .. هنا تأتي الفتوى التي أشار إليها "ابن عبد العزيز" في خصوص "اللحية".. وفي رابط تدوينته المشار إليها لاحظوا لهجة السيد صاحب الفتوى.. والتي يستحيل أن نسمعها تقريباً إذا ما تعلق الأمر بمواضيع أخرى نحسبها هينة وهي عند الله عظيمة..

هل أصبح مفهوم الحلال والحرام عندنا -ونحن "الشعب المتدين" -هكذا؟ هل ذهبت التفرقة بين المال الحلال والمال الحرام إلى المتحف في الوقت الذي نتزاحم فيه على الذهاب إلى صلوات التراويح والتهجد؟
(1) ويحلو للبعض الاستدلال بأثر منسوب للصحابي الجليل "عمر بن الخطاب" الذي عاقب صاحب مزرعة لأنه لم يعطِ عاملاً فيه أجره فدفعه للسرقة.. وهو المبرر الجاهز لتبرير بعض أنواع السرقات.. أثر أشك وبقوة في صحته خاصةً وأن الصحابي الجليل "عمر بن الخطاب" تعرض لحملات تشويه وسباب لم يسلم منها بعد مرور قرون على استشهاده..وبالمناسبة لم يعجبني بالمرة تبرير "محمد جلال عبد القوي" لما فعله السيد "شرف فتح الباب" ووصفه إياه بأنه من "ضحايا" الخصخصة!
(2) الحديث نفسه محل تدوينة قادمة قريبة بإذن الله..

1 comment:

Ahmed Shokeir said...

عزيزي

قلم جاف .. بالفعل هذه التدوينة من زاوية أخرى عن المسلسل وهي فكرة الحلال والحرام ... فنحن نصطدم يوميا بمن يملأ الصورة تدين وإيمان ونكتشف إستحلاله للحرام البين دون ان يغمض له جفن وكأن الشكل الديني الخارجي يعطيه الحرية لتحليل الحرام

والحرام هنا ليس فقط في الرشوة او السرقة ولكنه في أمور اخرى كثيرة