هذه السطور كغيرها هنا في "الدين والديناميت" ، دعوة للتفكير بصوت عال قبل أن نكتم التساؤلات المشروعة بداخلنا فتنفجر وتفجرنا..
هناك سؤال سألناه ، ونسأله ، وسوف نسأله ، أياً كانت أعمارنا ومستوياتنا التعليمية والثقافية ودرجة تديننا .. أصدق مين؟
شيخ الجامع الفلاني قال أن مسألة ما حرام ، في الوقت الذي يفتي فيه شخص في الفضائيات بجوازها قائلاً أن الذين أفتوا بحرمتها هم جهال.. وتجد على فضائية أخرى أكاديمياً أزهرياً من يفتي برأي شيخ الجامع ويستغرب رأي شيخ القناة الفضائية الأخرى .. لاعناً الفضائيات وسنينها السودة التي جعلت أمثال شيخ الفضائية الأولى يستفردون بالناس استفراد أبو تريكة بمرمى الخصوم!.. وتكمل الحدوتة بأن تقرأ على النت في موقع ما رأياً مخالفاً لكل ما سبق!
نحن في العام 2006 ، هناك عشرات المصادر التي يحصل الناس منها على المعلومة الدينية ، فغير الكتب هناك المجلات الدينية ، هناك وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية ، هناك إنترنت..
النتيجة المنطقية للوفرة في المعلومة الدينية هي زيادة الوعي والفهم .. وهذا هو ما لم يحدث .. فكلنا تقريباً بمن فيهم كاتب هذه السطور يعيش حالة من الحول الديني والبلبلة نلحظها كلما عرضت أي مسألة أياً كانت درجة بساطتها للنقاش..
العيب ليس في تكنولوجيا المطابع ولا الفضائيات ولا إنترنت .. بل هو في البشر الذين يستخدمون كل تلك التقنيات ..واستخدامنا للتقنية يخلط بين الترف والفشخرة الكذابة والجهل .. والأخطر هو التحزب والتعصب.. كل حزب ديني (أقصد أي فئة دينية أو مذهب يتصرف أتباعه كأنهم في حزب سياسي) له مشايخه ، ونفوذه في الفضائيات ، ومجلاته ، ومطبوعاته ، وكاسيتاته .. كل حزب بما لديهم فرحون ..
وعندما "تبحلق" في المشهد ستصل لخلاصة عجيبة ، وهي أن معظم ثقافتنا الدينية ثقافة سماعية ، فرغم وجود كتب تملأ مكتبة الكونجرس في الفقه ، إلا أن الشيوخ ، والأزهريين منهم على سبيل المثال ، قد تلقوا ما فيها سماعياً من مشايخهم لينقلوها لنا على منابر الجمعة وفي الفضائيات وعلى صفحات الجرائد والمجلات.. وبما أن الكتب القديمة على كثرتها تحتاج لجهد جهيد في التبسيط حتى يستطيع أي عقل هضمها ، وبما أننا شعوب كارهة للقراءة لأسباب يخرجنا ذكرها عن الموضوع ، فالأسهل لنا أن نسمع ، نسمع من الخطيب (الشيخ الفلاني في خطبة الجمعة قال إن كذا جائز) ، أو من الفضائيات ووسائل الإعلام غير المقروءة (الشيخ الفلاني على قناة س قال إن كذا حرام) ، أو من الشرائط (الدكتور فلان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر قال إن الاتنين اللي فاتوا ما بيفهموش حاجة)!
وهذا يدفعنا للسؤال : من يقول الكلام الذي نسمعه؟
إما شخص تلقى تعليماً دينياً تقليدياً ينحاز وبشدة للأفكار القديمة أياً كانت درجة تشدد بعضها وبعدها عن مستجدات العصر ، وإما شخص مع التجديد السطحي الغبي الذي يتطرق إلى النص بنية هدمه ويتمادى في "التفتيق" في النصوص الصريحة وتنكشف معيلته بمجرد توجيه أتفه سؤال إليه، ويرى في اجتهاداته الحق المطلق ومن يعترض فهو متطرف متشدد قامع للفكر ...الخ ، وإما شخص تلعب به فانلته الدينية في كل اتجاه ، وينتهز أي فرصة للدعاية لفانلته ، حتى ولو دفعه ذلك للعب بالفتوى لعب.. وإما معتدلين وهم قلة يخاطبون العقل ويعملون النص (سواء أكان من القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة) بفهم لشكل النص ومضمونه وروحه..وللمرونة التي أتاح بها الدين نفسه إدارة شئون الدنيا دون الانتظار للفتاوى .. وهؤلاء قليلون لأنه لا يوجد معتدل يعلق على صدره يافطة مكتوب عليها "معتدل" ، كما لا يوجد متطرف يعلق على صدره يافطة مكتوب عليها "متطرف"!
أضف لذلك كله بعض الظروف الخارجية المعاكسة ، مثل عدم استقلال المؤسسة الدينية الرسمية (وهذا يفسر عدم ثقة الناس بالأزهر ومشايخه) ، ظهور جماعات متطرفة لها أفكار متشددة توصف بالفقه المستورد ، محاولات بعض المذاهب والأحزاب الدينية التسيس والتغطية على أفكارها المثيرة للجدل ، وأخيراً صحوة الصراع على الزعامة الدينية في العالم الإسلامي ما بين الإسلام الشيعي والسني والصوفي..
في ظل تلك الظروف يبقى هناك حل بسيط ..وقديم : اعقلها وتوكل..
كيف نعقلها في تلك المشكلة؟ هذا ما أنتظر إجابتكم عنه..
9 comments:
جميل يا قلم
اختلاف الفقهاء رحمة يا جميل والاختيار لك
بمعنى طول الوقت فيه احكام متعددة واراء مختلفة والاختيار للانسان ومن هنا استفت قلبك وان افتوك
لان القضية الاساسية هي الاحساس بالمسؤولية الفردية ايضا
وكمثال ارجع لملخص كتابي مفاهيم الجمال رؤيا اسلامية وهو موجود كمقال في شهر يناير اظن
وهتلاقي ان الفتاوي بشأن السماع متعددة وايضا بخصوص التصوير و غيرها من القضايا
ولك كامل الحرية في الاختيار من بينها
وربنا يوفقنا جميعا ويكتب لنا الخير يا رب
قول آمين يا قلم
أنا كان نفسي تتكلم في الموضوع ده!!! بص يا شريف
الحكاية ببساطة أن الناس من الاخر مسلمين بالاسم...اسأل كده اي واحد يعني ايه "توحيد" مش هيعرف أو هتكون اجابته ناقصة
و دي حاجة اساسية ...أمال لو سألته في الفروع هيعمل ايه
أنا مش حاسة ان المشكلة مشكلة العلماء اللي مغرقين الفضئيات اد ما هي مشكلة العامة اللي هاريين نفسهم تليفونات علي الصغيرة و المليانة..دول حتي بيتصلوا مخصوص يسألوا علي معاني الأحلام!!
أنت معاك حق ان اللي بيحصل ده يخلي الناس مشوشة بس في حل بسيط و سهل و هو انك متسمعش لأي واحد...شوف عالم أرائه معتدلة و لا يخشي في الحق لومة لائم و خد كلامه بثقة لغاية لما تثقف نفسك و تعرف تطلع المسائل من الكتب
هوا في الاول و في الاخر الموضوع مش مستاهل السيرك ده كله...اللي فطرته سليمة بيتجه ناحية الحق من نفسه حتي لو ضد هواه
السؤال هنا: هل احنا فعلا عايزين الحق و لا عايزين دين تفصيل؟
أقول لك الحق ولا ابن عمه :
فيه ناس كتيرة عايزة دين تفصيل..
فاكرة مسلسل عفاريت السيالة لما عبلة كامل كانت عايزة تجيب شيخ يفتي لها فتوى على الكيف تؤكد أن ابنها مغاوري أخ للشخصية التي قامت بها زينة (مش فاكرها).. أو العكس..
حلك للمشكل إلى حد ما عملي .. وإن كان تقييمنا للعالم إنه لا يخشى في الله لومة لائم بيفضل نسبي .. اللي بأشوفه كويس غير اللي بتشوفيه وغير اللي ناس تانية شايفاه .. وهكذا..
exactly!!!
عشان كده كل واحد هيسأل (بضم الياء) ليه خد بالفتوي الفلانية و ليه وثق في العالم الفلاني
معلش يا عم شريف انا جيت متأخر شوية
الموضوع ده فعلا مهم جدا و السؤال ده بنسأله لنفسنا طول الوقت
و انا متفق تماما فى الاراء مع اسامة و still breathing
المسألة فعلا فى الاول و النهاية مسألة فطرة..نفس الفطرة السليمة اللى هديتك لان الاسلام هو الدين الحق هى اللى المفروض تحكم به على ما تسمعه من العلماء مع التركيز على نقطتين
اولا
مافيناش من استعباط..مش كل و احد عايز رأى او فتوى معينة يفسر الكلام على مزاجه او يدور على كلام على مزاجه
ثانيا
اعمال العقل فى كل ما نسمعه..فلا يوجد احد يأخذ منه ولا يرد
قلم، انت فتحت موضوع.. صدااااع
انا مش بحس ان اختلاف العلماء رحمة دلوقتى.. دى مشانق بتتعلق، وخناقات ع الهوا
ولا اقدر اقول كمان ان فى فطرة سليمة اوى نعتمد عليها، بمعنى ان تربيتنا وخلفيتنا واللى شربناه واتعلمناه من صغرنا هيخلينا نميل على حاجة ونسيب حاجة، مهما كانت نيتنا سليمة، الا ان عوامل كتير اوى هتدخل فى الموضوع
انا عن نفسى بعتمد على نيتى لله، وعلى مخى- اللى اكيد على قدى :)- بقيت مع الوقت لما اقتنع بفتوى بعقلى ارتاح حتى لو كانت فى فتوى تانية مضادة ليها
بس بردو الموضوع مش سهل، والواحد مش بينسى انه ممكن مرة يقلق ويفكر انا بعمل صح وللا غلط
انا ليا واحدة صحبتى بتاخد الفتوى اللى تعجبها وتقول الشيخ يبقى يشيل ذنبى لو غلطانه
:))
نيجي لصلب الكلام اللي قاله هشام ، عجبتني قوي النقطتين الأخرانيين في مداخلته .. الصراحة دي اللي بنفتقدها واحنا بنستنى عمال على بطال فتوى بتريح (على غرار كلمة آه بتريح)..
أما بنت مصرية ، فقالت كل ما يعتمل داخل عقول أغلبنا وأنا منهم..خصوصاً مسألة تلوث الفطرة اللي بنعيشها اليومين دول .. وإزاي بتلعب خلفياتنا وتربيتنا ومصالحنا دور خطير فيها..
عارفين زمان في الحساب وبعد كدة في الهندسة مصطلح "حل آخر"..
فيه حل آخر سألت فيه شيخ قبل كتابة السطور دي بشوية صغيرين..
إذا فيه شيخين تضاربوا في الرأي .. اطلب الدليل من القرآن الكريم والسنة ..
الدين زي القانون ، وليصحح لي القانونيون إن أخطأت ، فيه مصادر رئيسية أقوى حجية ومصادر غير رئيسية ..منطوق أو مفهوم أو روح النص هو المصدر ، بعد كدة تيجي آراء الفقهاء وأصحاب المذاهب المختلفة..
وفيه قاعدة مشتركة بين الدين والقانون هي أن لا اجتهاد مع وجود النص الصريح ، يعني مايبقاش منصوص على حرمة الخمر بنص صريح قاطع جامع مانع في القرآن وتقول لي الفقيه الفلاني قال جائز..
معرفش الشيخ يقول لك على دليل مقنع .. دي بقى مشكلته!
Post a Comment