Sunday, May 21, 2006

مولانا الديجيتال!

-في السعودية يتحدثون عن خطبة الجمعة الديجيتال ، وما أن أفتى أحد رجال الدين هناك بتحريم إلقاء خطبة الجمعة نقلاً عن اللابتوب (كما نقلت بعض وسائل الإعلام) حتى قامت الدنيا هنا ولم تقعد ..وربما كان لي رأي مؤيد لمنتقدي تلك الفتوى حتى قرأت ، بإمعان شديد ، التحقيق الذي أعده موقع عشرينات عن الموضوع من قلب الواقعة سالفة الذكر، وليس من العيب أن أغير رأيي طالما قناعتي الفكرية تغيرت نحو هذه المسألة..

بالمناسبة ، ملف عشرينات لم يتضمن فتوى بالمعنى المذكور في الخبر الشائع ، لكن لنفرض وهذا غير مستبعد أن أحد رجال الدين في السعودية أو خارجها قد أفتى بتحريم استخدام اللابتوب في خطب الجمعة تحريماً قطعياً ، وقامت عليه الدنيا كما قامت على الخبر..

أنا ضد أي فتوى ترفض التكنولوجيا من الباب للطاق ، لكن في المقابل أرى أن تلك الحملة الرافضة للفتوى (وأنا ضد الفتوى نفسها من حيث هي) أقرب إلى الهتاف منها إلى وجهة النظر..المبنية على قناعة وبراهين ومنطق ..

هناك خطآن لابد أن نعترف بهما في تناولنا لمثل تلك المسائل ، الأول هو أن كل شيء إما حلال مطلق وإما حرام مطلق ، وما ليس حراماً فهو حلال وما ليس حلالاً فهو حرام.. الحلال والحرام هما طرفا مسطرة بينهما أمور كثيرة .. والثاني هو أننا نعطي للفتوى وهي رأي فقهي غير ملزم في حد ذاتها أكبر من حقها ، فلدينا فتاوى في كل كل شيء .. ومن المخزي أنه حتى التصويت في الانتخابات من عدمه أصبح بفتوى كما حدث بكل أسف في مصر والعراق..

أنا لا أسأل في هذه الحالة هل استخدام اللابتوب حلال أم حرام في خطبة الجمعة.. اللابتوب هو تكنولوجيا .. والتكنولوجيا مستجد .. والمستجد يجب أن تكون له ضرورة وإلا صار ضرباً من ضروب العبث.. أنا أرتدي ساعة يد في يدي اليسرى لضرورة أنني أريد معرفة الوقت ولا أرتديها عياقة أو كبديل للأنسيال مثلاً!..

إحساسي الشخصي كمسلم عادي لا يملك المعرفة الفقهية الجبارة التي يمتلكها المشايخ ومن يسمون أنفسهم بالمفكرين الإسلاميين أنه لا شيء فقهياً على أي خطيب يستعمل اللابتوب ، لكني أرى أن استخدام اللابتوب في الخطابة "مالوش لازمة" ولا توجد ضرورة حقيقية تستدعيه حتى اللحظة..

في عهد النبوة لم تكن هناك قواعد وأصول للخطابة كممارسة ، لكنها استجدت ، وفرضت الحاجة نفسها في ظروف معينة لإعمال تلك الأصول .. وبقيت على هذا الحال.. استجد الميكروفون .. وفرضت الحاجة نفسها بازدحام المساجد وزيادة عدد المصلين .. وأصبح الميكروفون بديهياً .. لكن الجديد أنه استجدت تكنولوجيا لم تظهر بعد الحاجة لها ، فعليها أن تنتظر على الرف إلى أن تفرضها الحاجة ، وحين تفرضها الحاجة لن نحتاج لفتوى تقرها أو لا تقرها طالما أنها ليست في معصية ولا تخالف نصاً صريحاً ثابت القطعية ..وعليه أنا مع الخطيب الآلي الديجيتال- وليس النقل من اللابتوب- طالما كانت وراء استخدامه ضرورة ملحة..

ليس كل من انتقد منتقدي الفتوى مع الفتوى وأصحابها إذن.. مرة أخرى : الحلال والحرام يحددهما الشرع ، أما الصواب والخطأ والمناسب وغير المناسب فنحددها جميعاً نحن ، وعليه فأتمنى ببساطة شديدة من منتقدي الفتوى تلك بمجرد النظر ألا يقعوا في خطأ صاحبها ، وأن يعرضوا المسألة على العقل أولاً..وإذا كان أصحاب الفتاوى البوكيمونية لا يجيدون التعامل مع المستجد ، فعلينا أن نعمل عقولنا .. دون أن "نعمل عقلنا بعقلهم"!

مادة مرفقة:

12 comments:

change destiny said...

أنا مع بلقيس

لكن دة ميمنعش كوني معترضة على التعقيد الزائد لكل جديد

حائر في دنيا الله said...

بغض النظر عن حلال ولا حرام
المفروض لما الامام يصعد المنبر يكون محضر كويس مش يقف يقرا من ورقة وخلاص
المفروض يبقى فاهم وعارف هوا بيقول إيه لا يمسك ورقة ولا يمسك لاب توب ولا بعد كده حد يحط بلوتوث في ودنه ويستنى حد يمليه

قلم جاف said...

حائر في دنيا الله :
تعاملنا مع التكنولوجيا أصلاً كله غلط في غلط .. فيه ناس مش عارفة الحاجة بتستخدم في إيه وجايباها لزوم التناكة وخلاص..و90% من اللي شايلين محمول أساساً مش محتاجينه ولا بيتطلبه شغلهم ولا استايل حياتهم..
أنا شخصياً بأجد صعوبة في قبول الإمام اللي بيقرا من ورقة ، فما بالك اللي بيقرا من لاب توب..
نفسي نبطل تقاليع بقا..

قبل الطوفان said...

تفكر بعمق وتتأمل ما يدور حولك

ِفكرة الإمام الديجيتال أو مفتي اللاب توب أحدث صيحة في ثقافة تهتز الأرض من تحت قدميها.. لأنها ببساطة تعاني الانقطاع المعرفي ولا تستعين في الغالب الأعم بالتكنولوجياإلا لأغراض استهلاكية وبأسلوب مظهري

قرأت عددا من مقالاتك السابقة.. أعجبني عرضك لآرائك بذكاء واحترام للنفس وعقول الآخرين

قلم جاف said...

شكراً يا أستاذ ياسر وربنا يوفقنا ونفكر أكثر وأشجع أكبر عدد ممكن من الناس على التفكير في اللي حواليهم بشكل عام..
فكروا تصحوا يا جماعة الخير..

قلم جاف said...

يسمع من بقك ربنا يا فلان يا خويا :-)

المواطن المصري العبيط said...

أنا مش شايف الموضوع فيه مشكلة على الاطلاق، ايه الفارق بين شيخ ماسك في ايده ورقة بيراجع منها وكاتب فيها أحاديث وآيات قرآنية علشان ما ينساش - جل من لا يسهو، وبين انه فاتح جنبه لاب توب موجود عليه نفس الكلام

وبصراحة أنا مش قادر أصدق أن فيه ناس لسه بتفكر في الكلام ده، زي ما فكروا في موضوع الأذان الموحد في القاهرة، أنا مش شايف انها فكرة وحشة، ولكن تعقيدات الجهل ونمطية المجتمع ترفض دائما أي جديد دون ابداء مبررات هذا الرفض، وان وجدت هذه المبررات فانها تكون في سياق الحلال والحرام

مش عارف حلال وحرام ايه اللي بيتكلموا عليه ده

على العموم البوست جميل وعنوانه تحفه، احسنت

قلم جاف said...

شكراً لزيارتك يا عزيزي المواطن ، وإن كنت أختلف معك في مسألة الآذان الموحد والتي أراها تقليعة وحل سطحي لمشكلة يمكن حلها لو كانت وزارة الأوقاف أكثر جدية..
وعن وزارة الأوقاف وما يحدث في مساجد وزارة الأوقاف ويعرفه كل المصريون باستثناء وزارة الأوقاف بما أنه لا صوت يعلو فوق صوت وزير الأوقاف وكتب وزير الأوقاف.. مدعوماً بوقائع ومشاهدات ، فهذا موضوع تدوينة قادمة بإذن الله إن عشنا وكان لنا عمر..

قلم جاف said...

وعلى ذكر التكنولوجيا شفت وزير التعليم وهو بيتكلم كلام مثير للشفقة مليء بالرطانة الحنجورية هو والدكتور رأفت رضوان رئيس هيئة محو الأمية ، كلام محوره استخدام التكنولوجيا في التعليم .. استخدام التكنولوجيا في التعليم بدون إعداد العنصر البشري ولا الاهتمام بالعنصر البشري هو بمثابة وضع للعربة فوق الحصان ،واستمرارية للعقلية المتخلفة التي تتعامل مع التكنولوجيا كعياقة ، ولا تستفيد منها في شيء مهما أنفقت عليها من أموال طائلة..
تذكروا عبارة أرنولد توينبي : الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستخدم الآلة!

بي اس : العبارة دي بقا متأكد منها ، وما سقطتش مني سهوا زي عبارة الإمام الشافعي :-)

arabic man said...

كل التكنولوجيا وضعت لتسهيل حياتنا وليس للتباهي
أنا معك كثيرون لا يفقهون بالتكنولوجيا أو لا يحتاجون من بعض وسائلها ومع هذا بيستخدموها للتباهي بس

شغف said...

عظيم

الحمد لله ، لسه فيه ناس بتفهم في البلد دي

عقبال ما تبقى ظاهرة عامة

Leonardo said...

بيتهيألى المسأله مش مسألة تكنولوجيا أكتر منها مسألة إن الخطيب بقى موظّف ..
المفترض إن الخطيب ده يكون عالم ومتبحّر فى الدين وبعدين يبقى موهوب فى الإلقاء ودارس جيد للغه العربيه الفصحى
وبكل تأكيد يكون حافظ الآيات والأحاديش اللى ناوى يستشهد بيها فى خطبته , ومعنى كده إنه يكون بيحضّر الخطبه ويذاكرلها
يذاكرلها بقى فى كشكول أو على لابتوب مش فارقه
بس كونه يستخدم الأدوات دى فى بيته حاجه وإنه يخطب بيها دى مسأله تانيه
افرض الكمبيوتر هنّج أو جاله فيروس ؟!!
يبقى أجازه الجمعه دى م الخطبه ياجماعه , وتبرعوا إخوانى المصلين لشراء أنتى فيروس محترم ؟!!!

كان فى الجامع اللى بنصلّى فيه خطيب بيقرأ من ورقه وكان بيقلب الخطبه كلها فى عشر دقايق أو ربع ساعه بالكتير لحد ماجه فى يوم نسى الورقه تقريبا أو حاجه فالخطبه ماخادتش منه خمس دقايق على بعض قال فيهم أى كلام ده غير إنه كان - صدّق أو لاتُصدّق - عنده رهاب من مواجهة الجماهير !!!!!!
آه والله العظيم كان بيبقى متلخبط جدا ومكسوف وهو على المنبر !

بالطريقه دى ممكن الخطبه تتبعت لنا فى إيميل بقى بعد كده , وبدل مانروح نسمع الخطبه فى الجامع ندخل شات رووم الموديراتور بتاعها من الأوقاف !