Thursday, May 10, 2012

في المشروع "الإسلامي" : أزمة لحن ، لا أزمة توزيع

"لماذا لا يوجد بين الإسلاميين شاعر مثل عبد الرحمن الأبنودى أو أحمد فؤاد نجم.. لماذا لا يوجد بين الإسلاميين امرأة مثل نوال السعداوى؟"..

استغرب كيف شئت ، لكن الأمانة تقتضي أن أقول لك أن هذه التساؤلات ليست من عندياتي ، ولكنها من داعية سلفي شهير هو الشيخ "عبد السلام البسيوني".. تساؤلات من حقك وحقي أن نسألها ولو من باب العلم بالشيء.. ربما لأنها ستقودنا إلى تساؤلات أخطر ، مع خطورة تلك التساؤلات في ذاتها..

هناك في بلادنا مشاريع كثيرة ما بين الليبرالي واليساري والناصري والاشتراكي وبالتأكيد المشروع "الإسلامي" ، نسبةً إلى "الإسلاميين" أكثر منه إلى الإسلام كدين وكمنهج بناء مجتمع عن طريق الفرد .. هذا المشروع الذي تعرضنا لخدعة كبيرة جداً من الكتاب الأتاتورك وكتبة صحف المال السياسي عندما حاول هؤلاء قصره في عقولنا على جماعات الإسلام السياسي ، وهذا هراء مركز ، وإلا كيف نجحت تيارات مذهبية عدة كالشيعة في البحرين والكويت ولبنان والعراق والصوفيين والسلفيين في مصر في أن تكون جزءاً من "المشروع" وتتحدث باسمه؟ كيف نجح السلفيون في مصر تحديداً في أن يكون لهم حزب سياسي كبير في فترة زمنية قصيرة للغاية رغم أن مواقف معظم قياداتهم باستثناء مدرسة الإسكندرية كان يعتبر أن من السياسة ترك السياسة ، ليعودوا - إذ فجأة - ليقدموا أنفسهم على أنهم حملة لواء المشروع؟

لنتفق مبدئياً أن اللحن واحد ، فكرة وجود مشروع و"ثوابته" التراثية منها دولة خلافة إسلامية كبرى عابرة للدول وتطبيق للشريعة و..و... هي ثابتة بين الكل ، سواء تيارات الإسلام السياسي كالإخوان والجماعة الإسلامية أو التيارات المذهبية كالتيار الصوفي والمدارس السلفية المصرية جمعاء ، سواء من مارس منها السياسة تحت لواء أحزاب سياسية - كـ"النور" و "الأصالة" وغيرهما- أو لم يمارس (حتى الآن)..وأن اللحن "قديم" وليس وليد فترة السبعينيات التي شهدت فترة ظهور شخصيات محسوبة على "الإسلاميين" في الجامعات يتصدر معظمها العمل السياسي "الإسلامي" حالياً وبينهم مرشحون للرئاسة وأعضاء في البرلمان.. وكل الاختلافات بين هؤلاء هو في التوزيع .. لا أكثر..

المشروع إذن ليس هو الدين ، هو مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ لأناس يرون أن مهمة الدين أن يحكم أولاً وبعدها من الممكن أن نفكر في إصلاح الدولة ثم الفرد ، عملاً بعبارة سبق نقدها وانتقادها "الناس على دين ملوكهم" ، ومع تغير الظروف وضخامة الدعاية كل في تياره تم تسكين فكرة المشروع في عقولنا على أنه جزء لا يتجزأ من الدين (1)،عن نفسي أرى أنه ليس من مهمة الدين أن يحكم ولكن أن يصلح (بكسر اللام) الأفراد ليكون لدينا مجتمع صالح ، وأصحاب "المشروع" أو نظرية المشروع رأوا في الدين وما له من أهمية في حياة الناس فرصة لحكم الناس دينياً و/أو سياسياً.. بالتالي فإن المشروع - لا الدين - يجب أن يعرض على العقل ويحاسب شأنه شأن كل المشاريع السياسية الأخرى..

الداعية "السلفي" تساءل ، هو وغيره ، عن غياب الإسلاميين عن الأدب ، أو بمعنى أصح عن عدم تقديم الإسلاميين ليس لمدرسة أدبية متكاملة بل عن غيابهم بالكامل عن الساحة الأدبية والفنية.. ومن حق غيرهما أن يسأل عما قدمه هؤلاء ليس للآداب والفنون والإعلام فقط بل للاقتصاد والعلوم في مجتمعاتهم وتحديداً في مصر.. ما هي الإسهامة الأبرز التي قدمها الإسلاميون للحياة في مصر بشكل عام؟ تقريباً ولا حاجة..

أحد مشاكل الإسلاميين عموماً ، أنهم ينظرون لمجتمعهم المحيط من أعلى لأسقل ، هم يرون أنفسهم أكثر طهراً ونقاءً وتديناً وأقرب لله من الغير ، وبالتالي يتعامل هؤلاء ، وبصراحة = كغيرهم ، مع الناس كناصحين ، مرشدين ، فاهمين ، ومبعوثين لانتشال الناس من الردغة التي يعيشون فيها إلى مستواهم هم ، وبالتالي صعب أن يعمل هؤلاء مع من يرون أنهم "دونهم" في أي مجال كان.. وأن يبتعد هؤلاء تماماً عن باقي المجتمع الذي يعيش في الضياع في الضياع من وجهة نظرهم مع الاعتذار لـ"هوبة".. وألا يشاركوا في أي أنشطة جماهيرية أو أي نشاط يهتم به الناس وألا يتواجدوا فيه بل ويعملون على التقليل من أهميته قدر المستطاع حتى ولو بسلاح الفتوى.. وقد يضيف البعض إلى هذا التفسير الموروث الصوفي المتغلغل لدينا عن التقليل بأي شكل من الأشكال من قيمة الحياة الدنيا وعدم الالتفات لها ، موروث تحول إلى واقع في وجدان أجيال كثيرة من المصريين بمن فيهم من قرروا اعتناق أيديولوجيات لا تتماشى مع الصوفية الحركية في مصر ، كالسلفية والسلفية الجهادية.. بالتالي هم يفكرون على طريقة تنسب لـ"رابعة العدوية" في التصومع والابتعاد عن الناس ، زادوا عليها أن كانت لهم تجمعاتهم وصوباتهم الزجاجية التي تميزهم عن باقي المجتمع الوحش.. صوبات لا يشترط أن تعني مكاناً أو حياً بعينه ، لكن حتى في تعاملهم مع عامة الناس الوحشين اللي مش عارفين أي حاجة..

وكعادة كل من يعرف أكثر ، قرر هؤلاء وهم يقدمون أوراق مشروعهم للناس ، أن يعملوا على أسلمة كل شيء بما فيها ما لم ينزل فيه نص ، اقتصاد إسلامي ، أدب إسلامي ، فن إسلامي ، كمقدمة للخلافة الإسلامية التي رأوا بوادرها أولاً في إيران ثم في تركيا (رغم أن النموذجين لا يعكسان أياً من قيم الإسلام بالمرة(2)).. وهذا على العكس من النسخ "الوحشة" للاقتصاد والأدب والفنون التي يعتقدون أنها سـ"تنصلح" من تلقاء نفسها دون المشاركة فيها بشكل إيجابي..

كلهم ، مع أني لا أحب عادة اللجوء للتعميم ، يرون أن الحكم يأتي أولاً وبعده كل شيء على مهله.. عندما يبدأ التمكين يبدأ كل شيء ، رغم أن التمكين يفترض أن يسبقه مشاركة وحضور ، عن اقتناع ، لا من باب "حسنة وأنا سيدك" ، وهو ما لم يفعلوه ولا نية لديهم لفعله..

إذن ما هي النتيجة؟ مشروع بعيد كل البعد عن اهتمامات الناس ، يتحدث بلغة ليست لغتهم ، ويتبنى هموماً ليست همومهم ، لا يعنى بهم كبشر ، ويستخف بأولوياتهم ، يهرب إلى الماضي وقصص المنابر تارة ، وإلى القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى تارة ، ويدغدغ عواطفهم بعبارات معسولة عن الماضي التليد ودولة الخلافة والحاكم العادل و..و..و... أمر طبيعي لأن المشروع لم يقم على رعايته أشخاص عاديين من عامة الناس يشعرون بما يشعر به الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والمعيشية ، بل لأنه مشروع فوقي جاء ممن يرون أنفسهم أفضل من باقي الذباب الذي يشاركهم المعيشة في نفس البلد ويقبلون بهم فقط من باب "فشقة بيك يا رمضان"..

إذن المشروع بحالته ، بطريقة تفكير أصحابه وتنظيرهم له ، هو العجز بعينه ، ومن المحزن والمخزي أن نقرن شيئاً فاشلاً بهذا الشكل بالإسلام الذي هو أكبر من أن يكون برنامج حزب أو جماعة أو طريقة ، ومن أن يكون المقشة السحرية لـ"أردوغان" أو "نجاد" أو "طالبان" أو أقرانهم هنا أو هناك.. لهذا السبب لم أرشح أي مرشح إسلامي ، ونادم على تصويتي لـ"الوسط" في الانتخابات البرلمانية، لا فرق عندي الآن بين "الوسط" و "الحرية والعدالة" و"النور" و"الأصالة" ، ولا بين "أبو إسماعيل" و"أبو الفتوح" و "مرسي" و"العوا".. ولهذا السبب أيضاً تبتعد شرائح كبيرة من الناس عن السياسة لأن الإسلاميين ليسوا الوحيدين الذين يفكرون بتلك الطريقة ، لكل تمكينه ، و"أشياؤه" التي يريد أن يفرضها علينا.. تعددت التوزيعات ، واللحن واحد..وياريته كان عدل..
(1) كما تم ترسيخ معتقد أن للأزهر دور ما ويجب أن يعود إليه.. اللي يعرف الدور دة بوضوح يقول لي..
(2) كلا النموذجين في رأيي عنصري يحاول إعادة أمجاده القومية باسم الدين ، رغم أن كل منهما علاقته التاريخية بمحيطه الجغرافي - اللي هو احنا - أسوأ من الآخر.. سواء مذابح الصفويين أو فترة الحكم العثماني التي أضاءت "الآستانة" وأظلمت العالم الإسلامي بأكمله..
تحديث: الفقرة قبل الأخيرة وبعض التعديلات في الأخيرة..

2 comments:

Adham Khairy said...

عزيزي عبدالله,
المشكلة في رأيي بتعدي كمان موضوع الأدب والإبداع, المشكلة مشكلة علم. ازاي انت متخيل إن يبقى في مبدعين في الكتابة لو محدش بيعرف يقرأ ويكتب؟ إزاي تبقى أول آية نزلت في القرآن بتقول "اقرأ" واحنا من اكثر الشعوب اللي مش بتقرأ أساساً؟ فين توجيه "الإسلاميين" دول للناس انها تتعلم وتقرأ؟ فكك من الكتاب والمبدعين, فين العلماء والباحثين؟ فين المتعلمين؟ سؤال بس, هو التأثير اللي احنا سبناه في أوروبا أيام العصر الذهبي للحكم الإسلامي, ده جه من إن احنا فتحنا أوروبا ولا من إن الأوروبيين انبهروا من الحضارة والعلم اللي عندنا؟ هل انبهروا بانصرافنا للصلاة والدعاء؟ هل انبهروا بقوة إيماننا؟ لأ طبعاً!
بأقول للـ "إسلاميين" بتوعنا دول, اعرفوا الأول أسباب قوة الحضارة الإسلامية سابقاً وأعيدوا بناء هذه الأسباب.

قلم جاف said...

ومين يسمع يا أدهم؟

لقد أسمعت إذ ناديت حياً ، ولكن لا حياة لمن تنادي..

ولو ناراً نفخت بها أضاءت.. ولكن أنت تنفخ في رماد..