Thursday, March 22, 2012

مرضى التمكين

لماذا أشعر أن كثيراً من الأضداد في حياتنا متشابهون كنقط الماء؟ لماذا أشعر أنهم كلهم يقودوننا لنفس السكة ونفس الطريق ، حتى وإن اختلفت المصطلحات أو تباينت العبارات أو تفاوتت طرق توصيل المعلومة؟

لماذا أشعر أن الليبرالي الذي يريد نظاماً رئاسياً مطلقاً دون وضع أي وزن للأحزاب السياسية في المجتمع يوصلني لنفس السكة التي يوصلني إليها متشدد يقول بأن الأحزاب السياسية حرام؟ لماذا أشعر أن هناك متاجرة باسم الثورة بنفس الطريقة التي تتم بها المتاجرة باسم الدين؟ لماذا أشعر أن الأتاتوركي (ولدينا منهم ، كفانا إنكاراً واستعباطاً) يريد تنميط الناس باسم الدنيا بنفس الطريقة التي يريد بها بعض الإسلاميين تنميطهم باسم الدين؟ حتى فكرة التمكين موجودة لدى الطرفين ، وبشكل صارخ وزاعق ، ستتوه بالتأكيد وسط المصطلحات كما تهت سابقاً ، ولكنك "قد" تصل إلى نفس النتيجة..

الفرق الوحيد بين الإسلاميين وغيرهم ، مع تمسكي التام بكل ما قلته قبل فترة عن الإسلاميين بالتحديد ، أن فكرة التمكين موجودة لديهم بشكل معلن وشديد الوضوح ، حتى وإن حاول بعضهم إخفاءه ، أما بعض الليبراليين الأكارم فلديهم نفس النظرية ، لكنهم ينكرونها تماماً ، يقومون بدهلزتك وتتويهك في كل شارح وحارة وزخنوقة ، مع إمطارك بشعارات من عينة الآخر والتعاون مع الآخر والتسامح والمش عارف إيه ، لتنتهي إلى أنك ستفاجأ بتمكين ، مثل التمكين عند الإسلاميين ، ودمتم..

فكرة التمكين كما أراها هي إما أن تكون الكابتن يا مفيش لعب ، أن تفرض نموذجك بنسبة 100% على الدولة بأكملها بمن فيها ، سياسةً واقتصاداً وإعلاماً وكله الحقيقة ، واللذيذ كما سبق أنه لدى الليبراليين (النسخة المصرية) (1) تمكين ، أي أنه لدى من يتحدث عن الآخر فكر يلغي الآخر..ليس لدى أولئك أو هؤلاء أي نية أو استعداد للعمل مع أي آخر ، لا الإسلاميون يرحبون بالعمل مع اليسار ، ولا اليسار يرحب بالعمل مع الإسلاميين ، ولا الليبراليون يرحبون بالعمل مع الاشتراكيين ولا الإسلاميين ،فطبقاً للنظرية ، لا حل للمجتمع إلا باتباع النموذج بنسبة 100% دون زيادة ولا نقصان ، package بكامل مشتملاتها ، حزمة لا تحتمل إلى جانبها أي مركبات يتم تحميلها من أي مصادر أخرى..ثم تسمع كلام البعض عن "ضرورة مشاركة الجميع في صنع الدستور" وعندما تفاجأ بالحقيقة تدخل في نوبة ضحك هستيرية بعدها تشعر ببعض الحرارة على قفاك.. عدم اللمؤاخذة..

لا يوجد نموذج واحد لديه كل الحلول بنسبة مائة في المائة ، يفترض أن يوجد نوع من التكامل أساسه الاختلاف والتباين الذي فطرنا الله عز وجل عليه ، الخبرات موزعة على الناس -رزق يا سادتي الأكارم - بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين فما بالكم بالفانلة السياسية ، ما دام هؤلاء أو أولئك يريدون المصلحة العامة فليعملوا معاً فحسب ، دون أن يلغي أو يكفر أو يُجَهِّل أو يُكَنِّب أي منهم الآخر ، هناك مشتركات يمكن الاتفاق عليها ، وهناك تباينات يمكن التسامح فيها ، لكن ما أراه وما قد تراه أقرب إلى لعب الشوارع منه إلى بناء دولة..

ختاماً ، وقبل أن أسمع "إيه يا عم؟ كل الناس غلط وسيادتك اللي صح" أقول بأنني أرى -وقد يكون ذلك خطأً- أن الله عز وجل خلق أموراً كثيرةً في الدنيا كالمسطرة ، كما أن للمسطرة طرفان فإن بينهما العديد من النقط ، يمكن لأي إنسان أن يقف في أي منها ، ليست كل المساطر أطراف يا سادة.. والله أعلى وأعلم..
* تذكرت الراحل الكبير "أحمد بهجت" في كتاب له - "أهل اليسار يا ليل" - وهو يتحدث عن الشيوعي المصري الأكثر تعصباً من "لينين" و "تروتسكي".. كان الرجل محقاً في كلامه لأبعد حد ، خاصةً وأن كلامه يستقر على كثيرين من انتماءات أخرى.. رحمه الله رحمةً واسعة..

No comments: