Tuesday, February 7, 2012

المسألة ليست "الإسلاميين وأنا".. بل “الإسلاميين" و "أي حد"

في بداية حياتي كنت ككثيرين ممن نُشِّئوا على اسطوانات وقوالب جاهزة عن الصورة السمحة والجميلة للإسلاميين، سلفيهم وصوفيهم ، من كونهم أناساً طيبين (وفي حالهم) ليس لهم ذنب إلا أن النظم السابقة المتعاقبة كانت تتعقبهم وتلاحقهم أمنياً ، وعن الدور الهام والخطير المحجوز للأزهر ، و..و..حتى تهاوت كل تلك الأسطوانات ودُشدِشَت الواحدة تلو الأخرى على وقع تجارب وصدمات متتابعة لم يخرج منها كاتب هذه السطور دون أن يتعلم منها شيئاً ، بل أشياء ، أهمها على الإطلاق أنه "محدش بيتعلم ببلاش"..

1-بدايةً.. اكتشفت أن الإسلاميين ، في معظم المعظم ، يسعون لأن يكونوا مختلفين عن باقي المسلمين الآخرين داخل المجتمع ، إما بالشكل ، الملبس ، اللغة ، كما لو كانوا مجموعة وسط مجموع ، ترى نفسها جزيرة منعزلة رغم أن الأرض تحيطها من الجوانب الثماني ، شكل لا أنكر أن الدراما ابتذلته أيما ابتذال لكنه يبقى موجوداً على الأرض..

2-لكني وجدت لاحقاً ، مع التجارب ، أن هذا الاختلاف بدأ في التحول إلى تمايز لا تميز ، ينطلق من فكرة "أنا أحسن منك" قبل أن تتطور إلى "أنا أحسن منك ومن اللي خلفوك"، ولكل طريقته في إبراز خيريته وأفضليته على مجتمع ليس من عبدة الشيطان.. السلفي مثلاً يتحدث عن المنهج الذي لم نر منه إلا الشكل فقط ، ذقن طويلة وجلباب قصير ودمتم ، في البداية تمييز "إيجابي" بكلمة "ملتزم" ، ولا أفهم ما الذي يميز مسلم "غير سلفي" يواظب على الصلاة ويصوم النوافل ولا يغش ولا يأكل من حرام عن نظيره السلفي ، بعد ذلك يذكرك أنه قد أخذ علمه عمن هم قريبون جغرافياً و"فكرياً" من مهبط الوحي ، ويرى الصوفي نقطة تمايزه في شيوخه ، المنتسبين في بعضهم إلى آل البيت ، ويرى أنه لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم ، أما الأزهريون فيعيشون على نياشين "أحمد مظهر" في الأيدي الناعمة ، ويرون أنه لا إسلام إلا إسلامهم ، ويعتبرون الاستنارة والاعتدال وغيرها توكيلات لا يملك غيرهم حقها ، أما المفكرين "الإسلاميين" فحكايتهم حكاية وروايتهم رواية ، فيلعبون نفس اللعبة "دوبل" ، لعبة "أنا المفكر" برص أحلى مجموعة من المصطلحات الحنجورية اللذيذة التي لا تعرف كيف يمكن أن تتواجد بجانب بعضها في مكان واحد ، كما يفعل "محمد عمارة" ، ومنها لعبة "أنا الإسلامي" بأسلمة كل شيء في السياسة والفكر وإطلاق مصطلحات عليها تختلف في معناها تماماً عن المعنى الحالي ، واستدعاء مصطلحات من الماضي لا علاقة لها بأي حاضر مثل "البيعة" و "أهل الحل والعقد" و.. و.. ، ويصل به الهذيان كما في مثال "جمال البنا" إلى مستوى ضرب كل الأفكار في الخلاط لتحصل على نسخة من "نور الشريف" في الربع ساعة الأخير من فيلم "قلب الليل" المأخوذ عن نص لـ"نجيب محفوظ".. “النظرية الإنسانية المتكاملة" الذي لم يفهمها أي مخلوق شاهد الفيلم أو قرأ الرواية أو غيره!

باختصار فإن الكل يرى أن له واسطة مع الله لا يتمتع بها الأغبياء الآخرون الذين من بينهم أنا وأنت وأهلينا أجمعين..

3-يصعب على الإسلاميين ، في معظم معظم معظم المعظم ، أن يتعايش مع أي آخر ولو كان مسلماً ، وأن يعمل مع أي آخر حتى ولو كان إسلامياً مثله ، هم لا يرون في مجملهم صورة الفريق ، وأنهم عضو فيه كغيرهم ، بل هم يرون أن "أسلوبهم في تغيير المجتمع" لا يتحقق أبداً إلا بوصولهم إلى سدة الحكم أو بالتأثير في السياسة ، سواء في السياسة النظامية (برلمان ومجالس نيابية وخلافه)، أو في السياسة "الواقعية" على الأرض ، لهذا السبب خاض هؤلاء "نضالهم" بكافة الطرق ، منهم من رفع السلاح ، كـ"الجماعة الإسلامية" ، ومنهم من "كافح" سياسياً -كجماعات الإسلام السياسي – أو اجتماعياً (وياريته نفع) كالسلفيين والصوفيين ، ومنهم من لم يفضل الصدام المباشر مع النظم السابقة بل فضل عمل صفقات وتحالفات معها (أيضاً كالسلفيين والصوفيين) ، وعندما سقط النظام قبل عام توزعوا كل في تحالفاته وبما يماشي مصلحته ، حتى الأزهر لعب في السياسة وقرر أن يكون لاعباً سياسياً يصدر ما يشاء من وثائق سياسية واجتماعية واقتصادية وربما كروية في مقابل أن يكون صاحب توكيل الإسلام والمتحدث الرسمي باسمه كما قالت على الفضائية المصرية شخصة أخجل من وصفها بالمثقفة...

ولأجل التمكين ينسقي العليق ، لأجل التمكين أتظاهر في الشارع مع آخرين أرفض ما يتظاهرون له فقط من أجل "أبو الفتوح" أو "أبو إسماعيل"، وطول ما خلفية المرشح للرئاسة إسلامية إسلامية يبقى فلة ومية مية وأحسن من فراخ الجمعية ولو كان زعيم الحرامية، ولأجل التمكين أتحول من ديكتاتوري سلطوي إلى ثوري مع مرتبة ولحاف الشرف ، وأضع يدي في يد (من أعتبرهم من وجهة نظر تياري الإسلامي جداً) العلوش الأوغاد المتظاهرين في الشارع لا من أجل الصالح ولكن من أجل المصلحة ، ولأجل التمكين أصاحب المال السياسي الحرامي الذي أعرف (كما يعرف كل المصريين) أنه كان أكثر جداً واجتهاداً وأمانةً وذمةً وضميراً في سرقته من الناسك في تعبده ، ولأجل التمكين أرشح نفسي في نظام أقول بيني وبين أتباعي أنه حرام ، وأصرح هنا وهناك بأن الدولة في الإسلام مدنية مدنية مدنية مع إيماني وإيمان مَن معي بأن الدولة في الإسلام خلافة لا خلاف عليها.. وسينسى الناس بسرعة عملاً بالعبارة التاريخية لـ"وردة" : يووووه هوة فيه حد النهاردة بيفتكر..

ومعلهش.. ومع احترامي لكل ما يقولونه عن اضطهاد وتعذيب وخلافه، لا أنكر بالتأكيد أن النظام السابق والنظم السابقة ككل لم تكن تحب أي من يخالفها في أي شيء ، ولم تكن لتستلطفه أو تستخف دمه ، بل وكانت تقف ضده بكل الطرق اللا أخلاقية منها قبل الأخلاقية ، ولكن من هؤلاء من كانت أفكاره متطرفة فعلاً .. بشكل يصطدم بفطرة الناس لا بما اعتادوا عليه ، ومنهم من رفع السلاح في وجه مجتمعه الذي لم تكن بينه وبينهم أي خصومة ، ثم عاد ذلك البعض الذي يمن علينا بالسجن والاعتقال والمطاردة والمصادرة بـ"مراجعات" وضعوها في قلب السجون مرغمين بعد أن "اتهد حيلهم" وانقطعت مصادر تمويلهم وتقادمت بهم السن وزحف إليهم المرض..

4-ودي الكبيرة : برغم مشاركتهم في الثورة ، وفي المعارضة بكافة أشكالها ، اكتشفت أن هؤلاء هم آخر من يقوم بأي ثورة من أي نوع!

لم يكن لهؤلاء- هذه المرة أعمم تماماً- أي موقف من أي شكل من أشكال الفساد ، فساد النظام أو فساد المال السياسي الفاقع المسخسخ ، ولا حتى الفساد الاجتماعي الذين كانت لهم تعريفات له "تشل" ، لم يطرح هؤلاء إلا بدائل وأفكار بالغة السطحية لعلاج مشاكل مجتمعية مزمنة كالفقر والجهل والتخلف والمرض وسوء توزيع الثروة ، ولم يكن لهؤلاء أي مواقف من قياداتهم وفسادها ، بما يتطابق مع مثالياتهم ، ولم ينتقدوا قبل الثورة ممالأة بعضهم لـ"مبارك" وتربحهم من "المباركية".. واستفحل الوضع وازداد سوءاً بعد الثورة ، فلم يحرروا عقولهم ويسيروا مع الحق أياً كانت وجهته ، بل ظلوا على نفس المقولة المستصوفة العفنة "من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه" جاعلين من أنفسهم أسوأ رمز لعبودية الفرد وتقديسه التي لا تستقيم مع أي ثورة أو أي نية لتغيير أو لإصلاح أو لأي هباب، شيخ الطريقة لا يخطئ ، الشيخ العلامة الحافظ لا يخطئ ، المرشد لا يخطئ ، شيخ الأزهر لا يخطئ ، ولا حل للبلد إلا مرشح رئاسي "ذو خلفية إسلامية" لم يبقَ بعدها سوى إقناعنا بأنه مذكور في القرآن الكريم.. تتناقش مع بعض أنصار هذا المرشح أو ذاك فترى تعصباً يحرضك على أن تكون معه متطرفاً ، بل وقليل الأدب في أحيان كثيرة جداً..ولا ينافسهم في هذا المجال بصراحة شديدة إلا "البرادعجية" وعتاة الناصريين..ويتعامل كل هؤلاء معك كأنك تسب "السيد البدوي" في طنطا بجوار ضريحه يوم المولد وسط أنصاره ، لمجرد أنك تسأل مثلاً عن برنامج اقتصادي ، أو تسول لك نفسك الأمارة بالسوء انتقاد موقف له..ثم يستغرب هؤلاء وغيرهم من عنف أسلوب بعض الناس معهم كما لو لم يرتكبوا خطأً..وربما يدعو لك أكثرهم أدباً بالهداية والشفاء العاجل..

5-مع الإسلاميين تأكد أنك "حتلبس في الحيطة" .. حاورهم المرء أو تحاور معهم.. فلا هم يعرضون أفكارهم بشكل شفاف وواضح وقابل للفهم ،ولا هم يحترمون اختلاف أفكاره عنهم ولا أفكاره ولا هو شخصياً ولا "اللي يتشددوله".. وتجاربي مع هؤلاء كثيرة كمدون ، ذات مرة انتقدت قناة "الناس" الفضائية لأنها تعاملت بشكل غير أخلاقي مع أناس عملوا فيها ، وكانت النتيجة معروفة ، ولم يخل نقاش حر هدفه المعرفة عن الاقتصاد الإسلامي من فاصل من المهاترات واتهامي بالجهل لمجرد طرحي تساؤلات بغرض المعرفة كما لو كان الذي يسأل عن شيء يعرفه.. بل وصلت إلى حارة سد لم أعرف معها كيف أختلف مع بعضهم فعلاً أو كيف أوصل لهم خلافي في الرأي دون أن يتطور الموضوع لشيء آخر..

ختاماً ، أقول "الله يسهل لهم" كما تعلمتها من القاهريين .. فالمرحلة الآن مرحلة السادة الإسلاميين على اختلاف أطيافهم وفانلاتهم المذهبية والسياسية، وهم مطلوبون لدرجة أن أحزاب عصابات المال السياسي تستقطبهم وتتحالف معهم وتضم بعضهم لصفوفها (سلامات يا دولة يا مدنية) ، وأصبحوا جزءاً من الثورة لمصالح تخصهم ، من أجل سواد عيون المرشح الإسلامي سواء "أبو إسماعيل" أو "أبو الفتوح" ولا حتى "أبو تريكة".. دين وثورة وكله شغال ، و"بيلعبوها صح الصح".. ربما عندما يتغير المناخ ونفيق على كابوس أكبر بعد أن تنتهي المشاجرة بين الإسلاميين والمال السياسي وربما اليسار على "التمكين" ونجد أنه لم تحل أي مشكلة من المشاكل الحقيقية التي أيد من أجلها عامة الناس الثورة ووقفوا مع ناشطين لم يقفوا بجوارهم في أي يوم إلا من أجل سواد عيون سي التمكين (كل واحد بقى وتمكينه) تتضح الصورة ، ويظهر الغث من السمين.. وساعتها..

2 comments:

Minto said...

صراحة بعض افعالهم غبية لدرجة الصبيانية كالسيد الذي صدح بالاذان في جلسة البرلمان ..

تحياتي لقلمك وفكرك
مينتو
سلام

قلم جاف said...

ممارسو السياسة المصريون بشكل عام أغبياء ، ويحصلون على نقاط بفضل غباء منافسيهم..

غباء "ممدوح إسماعيل" الذي رفع الآذان هو الوجه الآخر لأداء نواب عدلوا في القسم لـ"تحقيق أهداف الثورة".. ماشي .. احنا انتخبناك ليه تفتكر؟

غباء "أبو حامد" يقابل غباء بعض نواب "الحرية والعدالة" ، وغباء "الكتلة" يقابل غباء "السلفيين".. وغباء "البرادعي" وأنصاره يقابله غباء "أبو الفتوح" و "أبو إسماعيل" وأنصارهما..

هذا هو الفرق بين السياسي المصري والسياسي اللبناني ، السياسي اللبناني يتمتع بدهاء ويستطيع العيش بدون أخلاق ، عكس السياسي المصري الذي لا يعرف أين موقع "المخ" في "الجتة"!