Sunday, June 5, 2011

الآتي بعد : قلق عام

0-تعمد المدون عدم تناول الشأن المسيحي ، فمعلوماتي الدينية كمسلم عن الديانة المسيحية أقل من أن أكتب عنها ، ولكل دين خصوصيته التي هي محل احترام عملاً بقول الله تعالى "لكم دينكم ولي دين".. وبالتالي لا أتناول العلاقة الدينية بين رجال الدين المسيحي وبين المسيحيين على العكس مما أفعل كمسلم مع المذاهب والفرق الإسلامية التي يحاول رجالها البحث عن زعامة لا وجود لها في الإسلام من قريب أو من بعيد..

لكن هناك فرق شاسع بين العلاقة الدينية بين رجل الدين في أي دين وأتباع ذلك الدين من ناحية ، والعلاقة "السياسية" بين رجل الدين في أي دين وأتباع نفس الدين..لا علاقة لأي أحد بالتبعية الدينية من قبل معتقني دين ما لرجال الدين بنفس الدين (في الأديان التي تسمح بذلك) ..لكن لا تبعية سياسية لأي مخلوق لأي مخلوق كان ، بمعنى أن الناس حرة تماماً أيا كان دينها في أن تصوت لمن تريد ، وأن تختار النهج السياسي الذي تريده وتلتحق بالأحزاب السياسية التي ترى نفسها فيها دون استئذان أو وصاية..فينا من زعل لحد دلوقت؟

1-لنعترف جميعاً بأنه كانت للمؤسسة الدينية المسيحية علاقة بالسياسة ، كما كان للأزهر ، ولكن بشكل مختلف ، بحكم خصوصية المؤسستين وأشياء أخرى ، بعض المحللين يتحدثون عن صفقة ما كانت بين الكنيسة وبين النظام السابق بمنح مزيد من مساحة الخدمات التي تقوم بها الدولة ، و/أو دوراً سياسياً في اختيار مرشحين وأعضاء يتم تعيينهم ضمن النسبة التي كان يعينها رأس النظام السابق من أجل "إحداث توازن" في مقابل ضمان الولاء السياسي للنظام باسم الدين ، وهي الصفقة التي اختلت بموجب سيناريو التوريث ، تماماً كما اختلت صفقات أخرى قام بها نفس النظام مع المؤسسات الدينية والمجموعات المذهبية الإسلامية..

2-خطورة أن تستغل أي مؤسسة دينية - أياً كان الدين وأتحدث عن قاعدة عامة وليس إمساكاً للعصا من المنتصف- نفوذها ، أو دلالها الديني على المنتمين لدينها تتمثل- في أبسط صورها- في مزيد من العزلة عن باقي أفراد وسكان الوطن ، صحيح أنه - في حالتنا تلك - كان هناك بعض التمرد بدليل أننا رأينا أعضاءً على قلتهم في أحزاب سياسية من المسيحيين ، وبعضهم في أحزاب تتبنى تصوراً مدنياً للدولة (كأحزاب اليسار مع اختلافي الشديد معها) أو أحزاب ليبرالية (مثل "الوفد") ، لكن يبقى لذلك الدلال (لمن لا تعجبه كلمة "نفوذ") دوره في عزل المسيحيين عن المسلمين ، وهي العزلة التي دفع الوطن بكل من فيه ثمنها غالياً..

3-المثير أكثر للقلق والرعب أن تنتقل العدوى أيضاً إلى التيارات المذهبية الإسلامية التي لا تخلُ أفكارها من تطرف ، ولا تخلُ من محاولات تقليد دون وعي الاختلاف بين دين ودين ونموذج ونموذج ، من الموسيقى المبنية على الصوت البشري (والمعروف تاريخياً أن أصلها كنسي ، لكن البعض قرر أسلمتها في إطار عشوائية إطلاق لقب "إسلامي" على أي شيء كـ"الفكر الإسلامي" مثلاً) وحتى فكرة الزعامة وأنه يجب أن يكون للمسلمين زعيم يتحدث باسمهم ،أياً كان مسماه - شيخ الأزهر أو شيوخ الطرق أو شيوخ التيارات السلفية ("شوفوا محدش بيقدر يعمل حاجة للمسيحيين علشان ليهم بابا ، أما احنا بقى فبناخد على قفانا علشان مالناش زعيم") ، رغم أن تلك الفكرة ليست معروفة ولا مقبولة لدى عموم المسلمين، ولتنتقل الزعامة المكذوبة من الدين إلى السياسة بالمرة ، ليقوموا باحتجاز أتباعهم واحتجازنا في صوبات زجاجية ، ليصبح الوطن كله مجموعة من الصوبات الزجاجية ، صوبات للمسلمين وأخرى للمسيحيين..

والأخطر من ذلك في رأيي المتواضع هو أن تتحول المؤسسات الدينية كلها بهذه الطريقة إلى جزء من توليفة يريدها تيار المال السياسي الصاعد بسرعة الصاروخ ، الذي قرر دخول لعبة السياسة من بابها بطريقته ، ويسعى لدولة مدنية من الخارج يلتف عليها بتوزيعة قوى وعلاقات بين النخبة الرأسمالية الحاكمة -إن لا قدر الله وصل الناس دول للحكم- وبين المؤسستين الدينيتين المسيحية (=الكنيسة) والإسلامية (=الأزهر الذي يحاول المال السياسي أن يضخم دوره ويصنع منه "مرجعية" دينية) ، توزيعة تضمن له شرعية دينية مقبولة لدى المسلمين والمسيحيين على السواء يحكم بها وبالمرة تقوم بالتغطية على فقره السياسي والاقتصادي وإفلاسه في إيجاد حلول لمشاكل اجتماعية خلفها النظام السابق..

4-عندما تترك الكنيسة للمسيحيين حرية الانتماء لأي حزب سياسي ، وحرية التصويت دون أخذ رأي أي مرجعية دينية (وهو ما لم نسمع عن غيره في الحقبة الليبرالية المصرية التي صنعها مسلمون ومسيحيون على السواء) ، وعندما تكف المجموعات الدينية الإسلامية يديها عن توجيه المنتمين إليها سياسياً لمرشح أو تيار ، وعندما يمارس الأزهر دوره الفكري دون اللعب في السياسة ربما يقل ذلك القلق العام ، الذي لن نستشعر حجمه إلا بعد أول كارثة قادمة..

ذو صلة: خبر أتمنى من أعماقي ألا يكون صحيحاً ، مع أنه لا توجد دلائل على غير ذلك..
*مهدى للزميلين "رامز شرقاوي" و"ابن عبد العزيز"..

1 comment:

بنت القمر said...

عجبتنيالتدوينة