Monday, May 9, 2011

في الآتي بعد : "ما اتضح" ووضح

0-اتضح أننا لم نبالغ ، ولم نتجن ، ولم نبع وهماً للناس عندما قلنا أن المجموعات القائمة على أساس ديني أو مذهبي صرف لا تقل في تأثيرها وقوتها على جماعات "الدين السياسي" أياً كان الدين ، فتلك الجماعات تأثيرها أضعف مما نتصور في صياغة رأي عام بحكم أنها كيانات لها نظام دخول وخروج وقواعد ، على العكس من المجموعات المذهبية والدينية ، نظرة قريبة على العالم العربي ، والانقسام الطائفي في لبنان ، والعراق، كفيلة بتوضيح الفكرة..وبما أن الفكرة لم تتضح بما فيه الكفاية فإننا احتجنا كعادتنا أن نرى أمثلة عملية في مصر لنصدق تلك الحقيقة الرزلة..نعم.. يجب أن "تيجي الطوبة في المعطوبة" ونقول "أي" حتى نفيق..وكل مصيبة واحنا طيبين..

1-اتضح أنه توجد مؤسسات خيرية وخدمية تحت غطاء ديني ومذهبي ، إسلامي ومسيحي ، وتضطلع-كلمة رخمة وتقيلة- تلك المؤسسات بدور تقاعست أو تغافلت أو "طنشت" عنه الدولة.. -تلك المؤسسات..ربما كانت نوايا تلك المؤسسات حسنة في أول الأمر ، لكن مع تغير الظروف وصعود التطرف على الطرفين (ومحدش يقول لي عند طرف بعينه) بدأت تكون ما يشبه دويلة أو صوبة صغيرة لأتباع كل دين تتحلق حول دار عبادة ما تتحلق حولها –بالمرة..

2-اتضح أنه توجد مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات حقوقية هي الأخرى تحت غطاء ديني ومذهبي على الطرفين ، وبالرغم من ترديد تلك المؤسسات لشعارات مدنية ليبرالية براقة لذيذة عن التسامح والوحدة الوطنية والمش عارف إيه إلا أنها تلعب هي الأخرى لعبة تطئيف كل شيء وتستثمر في التوتر الطائفي ..

3-اتضح أن قلة قليلة جداً يمكن وصفه بالمؤسسات الدينية والتيارات المذهبية والدينية داخل المجتمع المصري –إسلامية ومسيحية على السواء- تتبنى دولة مدنية بحق وحقيق وتؤمن بأهمية أن يكون في مصر دولة ، والواقع-وعلشان ما نكذبش على بعض- أنه يمكن تقسيم هؤلاء إلى فئتين ، فئة صريحة جداً فيما تؤمن به ، وتنقسم لفريق كبير يريد دولة دينية بحسب مواصفات الدين الذي يؤمن به ويعلن ذلك بوضوح (وهذا حقه ونناقشه في ذلك إن اختلفنا معه)، وفريق صغير وضعيف يؤمن بدولة مدنية ويعلن ذلك بوضوح (وهذا حقه ونناقشه في ذلك إن اختلفنا معه) .. أما الفئة الثانية فتمارس التقية السياسية وتتبنى دولة دينية تحت شعارات مدنية ، وهؤلاء الذين نعتبرهم معتدلين.. بالرغم أنهم يشتغلون أنفسهم ويحاولون اشتغالنا.. وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله نجد من هؤلاء المعلنين والضمنيين من يتحدث في الميديا ولا "أجدع" سياسي رغم أن هذا ليس من صميم عمله ، ولا داعي للخوض في مثال صغير رأيته على شاشة "الصفوة" إبان حادث "صول" استضاف فيه "جمال عنايت" رجلي دين أحدهما مسلم والآخر مسيحي..كأنك تشاهد مناظرة سياسية بين قادة أحزاب أكثر ما هم رجال دين!

4-اتضح أن قلة قليلة جداً من تلك المؤسسات والتيارات تراجع أفكارها وتتناقش داخلياً حولها وبها حراك فكري والعياذ بالله ، أما الباقي سمع وطاعة واقلب..ومن هؤلاء من نعتبرهم معتدلين أيضاً..مؤهلات عليا وتفكير هووليجانز..

5-اتضح أن هناك ميلاً على الطرفين بدأ يزيد لأفكار متطرفة بشأن الدولة بشكل عام ، بدأت عن نفسي ألاحظ انتشاراً لأفكار تتحدث عن أن التصور الأمثل للدولة هو "دولة الخلافة" (اللي مش عارفين آلياتها وحتتعمل إزاي دلوقت ومين حيحكمها وبأي نظام و..و...) الحلم المشترك لدى الصوفيين والسلفيين بكل فصائلهم والتيار الشيعي على ضعفه في مصر ، فضلاً عن أفكار الزعامة الدينية وأحقية كل تيار من التيارات المذكورة في "زعامة الدين" ، وعن علاقة وحدة الأهلة بوحدة المسلمين وتحريم الأحزاب السياسية و... أما على الطرف الآخر فالصورة لا تختلف ، فهناك من يؤمن فعلاً بدور أكبر للكنيسة في السياسة ومؤسسات الدولة..وكم لعب المذكورون في البند الثالث دوراً كبيراً في صنع أدمغة أولئك وهؤلاء..

6-اتضح أن بيئة رجال الأعمال والمثقفين هي مجرد انعكاس طبيعي لبيئة الشارع بحسنها وقبحها ، وهناك رجال أعمال يتلفحون بالدين والطائفة لحماية مصالحهم ، ليتحولوا إلى تابو ، ويصبح انتقادهم أو تناول تصرفاتهم هو عداء معلن لهذا الدين أو ذاك ، رغم أنه طبقاً للدولة المدنية التي يحاول الجميع ومن ضمنهم هؤلاء إقناعنا بأنهم يؤمنون بها كل الناس سواسية أمام القانون بمن فيهم هم ، وهناك مجموعات من رجال الأعمال ، ومن الأحزاب السياسية ، الموجودة والجديدة ، من على استعداد للعب مع كل التيارات الدينية والمذهبية داخل المجتمع ، وخاصة بعد أن كونت تلك التيارات أحزاباً دينية صريحة ، أو دينية ضمنية ، وأصبحت هي الأخرى قوى سياسية تقوم بصفقات وتربيطات وتحالفات و..و...وأحلى وأظرف شيء أن تلك الأحزاب تتحدث طوال الوقت عن دولة مدنية ، وهي التي لم ترفض ، لا هي ولا رجال المال السياسي إياهم ، فكرة وجود حزب على أساس ديني من أساسه..

7-اتضح أنه هناك محاولات من قبل المذكورين في الفقرة السابقة لصنع زعامات دينية إسلامية ، أو لتحويل من هم في "مناصب دينية" –مثل شيخ الأزهر والمفتي -إلى قيادات ومرجعيات ، تلبية لحاجة فكرية زرعها متطرفون بأننا كمسلمين سنة يتامى وبلا قائد ولا موجه ولا قيادة ، وتحت زعم أن تلك القيادات هي التي ستقوم بضبط الإيقاع وستردع التطرف وستنشر الاعتدال إلى آخر قائمة الكلام الفارغ إياه ، حق يراد به باطل ، لأن هؤلاء العلماء الأجلاء يمكنهم القيام بهذا الدور كأفراد ليس لهم سلطة دينية على أي مسلم ، أما محاولات جعل أشخاص ومؤسسات هؤلاء مرجعيات تلزمنا بالسمع والطاعة أراها في قمة الخطورة ، تماماً تشبه تفكيك توازن نظام بيئي طبيعي ، فالإسلام عموماً ليس فيه شخص أو مؤسسة تدعي زعامتها الدينية على المسلمين ، خاصية من خصائص الـsystem.. وعندما تأتي على system مستقر ومتوازن لتغير من تركيبه وطريقة عمله تعم الفوضى ، خصوصاً عندما تكون لكل قيادة تحيزاتها السياسية والفكرية والدينية، لعبة قديمة لعبها من قبلهم "محمد علي" ، ولعبها من احتل مصر من بعده ، ولعبتها نظم سابقة (كل الكلام دة في مصر) ، ولا داعي للتذكير بتجارب موجعة ومأساوية لفكر الزعامة الدينية في لبنان والعراق ودول أخرى..

ولا أستبعد أن يقوم هؤلاء بنفس اللعبة على الجانب المسيحي..بطرق أخرى.. مستندين على أن الكنيسة تلعب دوراً في السياسة والحياة الاجتماعية في دول أوروبية مدنية عريقة كألمانيا مثلاً .. رغم أنه حتى داخل تلك الدول هناك تيار مدني قوي يرفض أن تتخطى المؤسسة الدينية حداً تدخل به في قلب السياسة.. وما يثار عن جدل عن دور الكنيسة في السياسة ليس قاصراً على هناك بل هنا أيضاً ، كما أن هناك جدلاً على علاقة الدين بالسياسة في الإسلام..

..حبايبنا الحلوين من رجال الأعمال إياهم والأحزاب إياها لا يكلون ولا يملون من عمل أي شيء من أجل مصالحهم حتى ولو لعبوا على الأوتار سالفة الذكر في الفقرتين السابقتين... وسمعني سلام ولعها ولعها..و"التوليع" يولد الحاجة لتحالفات وتجمعات تتصارع فيما بينها كالديوك ، ويمكن وسط ذلك الصراع لـ"إياهم" فعل ما كانوا يهاجمون من أجله النظام السابق، فالمباراة انتهت بمجرد الإطاحة بـ"مبارك" ، هكذا حاولوا إقناعنا..

وفي كل مصيبة تتضح أشياء جديدة أقسى من التي كانت قبلها ، ومن التي كتبتها ، ومن التي كتبها غيري ، وممن سيكتبها بعدنا..

ويل لحارة آفتها النسيان..

No comments: