Saturday, January 10, 2009

أول القصيدة

لا يهم استقلال المؤسسة الدينية "الرسمية" في مصر نفراً كثيراً من "الموصقَّافين" ، ولا يهتم هذا النفر بأي دور يلعبه الأزهر ، أو تلعبه دار الإفتاء في مواجهة التمذهب المتطرف.. ولهذا فقد ظهرت حالة من اللامبالاة في مواجهة تصريح أقل ما يقال عنه أنه "غريب" لفضيلة مفتي الديار المصرية..

صدمنا فضيلة المفتي بتصريح فاجأ الكثيرين - وفاجأني بشكل شخصي- عن أن دار الإفتاء ستستقل مادياً وإدارياً عن وزارة العدل .. وهذه أول مرة أعرف ويعرف فيها قسم كبير من الشعب المصري أن دار الإفتاء "كانت" تتبع وزارة العدل رغم أن مفتي الديار يعينه رئيس الجمهورية مباشرةً طبقاً للدستور والقانون .. وليست الصدمة في هذه المعلومة التي لم يخبرنا أحد بها من قبل .. ولكنها ببساطة تكمن في استمرار "تبعية دار الإفتاء لوزارة العدل من الناحية السياسية"!

الجملة الموضوعة بين القوسين لغز كبير يستعصي على الفهم بالنسبة لعقلي المتواضع.. ماذا يعني أن تكون دار الإفتاء مستقلة مالياً وإدارياً وفي نفس الوقت تابعة سياسياً؟ وهذا يفتح الباب على مصراعيه لسؤال سيسئل في يوم أو آخر بطريقة أو بأخرى ، بتجرد وموضوعية وبعيداً عن هراء الشلل المذهبية وجماعات الإسلام السياسي في هذا الشأن : هل الإفتاء في مصر "سياسي"؟ وهل من المنكر والمستَنكَر أن يكون الإفتاء "سياسياً" بشكل عام، أم أن تسييس الإفتاء في اتجاهٍ "ما" عار وشنار وتسييسه في الاتجاه الآخر "زي العسل على قلبي هواك"؟ أسئلة أتركها لكم ملقياً بالكرة في ملعبكم ، أعجب ذلك جوقة "كارهي التساؤل" أم لم يعجبهم..

فقط ما لاحظته أن فضيلة مفتي الديار ضرب عصفورين بحجر واحد ، عصفور "التشكيك" في استقلال دار الإفتاء بالقول أن دار الإفتاء مستقلة مالياً وإدارياً، وعصفور الاستقلال نفسه بالقول أن دار الإفتاء تتبع وزارة العدل سياسيا!

وكما ضرب هذا التصريح عصفورين بحـجر واحد ، فنفس الحجر ضرب آخر أمل في التفاؤل بهذا العام ، الذي أتوقعه على يد كبار الشخصيات المتمذهبة في مصر عاماً حافلاً بالتسلية والمرح والكوميديا ناصعة السواد.. وكم ذا بمصر من مضحكات .. ولكنه ضحك حتى الموت..

Tuesday, January 6, 2009

بِش و تِس

"أحمدك يا رب.. بقى عندنا بش وتس".. مع الاعتذار للفنان الكبير "محمد صبحي"..

لدينا والحمد لله من يرون أن الخروج على - ومن ثم التظاهر ضد -"الحاكم" "الظالم" "فريضة"- طب حطوا معايير عامة ومجردة لـ"ظلم الحاكم" بما إن الفتاوى بطبيعتها عامة ومجردة- ومن يرون أن المظاهرات "حرام"!

لندخل أكثر داخل فتوى "تحريم التظاهر" .. لم يجد العالم الجليل سبباً مقنعاً لـ"تحريم" التظاهر إلا لأنه "يلهي عن ذكر الله" .. هذا الأساس الذي لو طبق بحذافيره لأغلقت القنوات الدينية التي تقدم دروسها في توقيت ما بين الأذان والإقامة بل وبعد الإقامة أيضاً!

موقف مغلف في صورة فتوى.. كما أن للآخرين "مواقفهم" التي يوشكون أن يحولوها إلى فتاوى..

ما هي الجريمة التي كان سيرتكبها أي من أولئك وهؤلاء لو أبعد كل هذا عن الدين؟ لو أنه أعلن موقفه صراحةً وعلى الملأ دون أن يفتي بفرضية أو بتحريم؟ مش عارف..

عن نفسي ، وسبق أن قلت هذا الكلام ومستعد لتكراره، لست من محبي التظاهر كوسيلة للتعبير ، وبالذات لو على الطريقة المستخدمة في بلادنا ، وأرفض وبكل شدة جعل بيوت الله ساحات للمظاهرات السياسية والدعاية المذهبية ، هذا موقفي وأنا حر فيه ، كما أن مؤيدي التظاهر والمتحمسين له لهم مواقفهم وهم أحرار فيها ، لكن ما الخطأ في أن نكتفي بمواقفنا تلك بما هي دون الاستتار بالحرمة والحل ، ودون أن نزيد ارتباك الشخص العادي حين يأتي إلى شيخ الجامع ليسأله : هل المظاهرات فريضة أم حرام؟

ذو صلة: المؤنس المواسي في فهم السيرك السياسي .. للتذكير فقط..
* كل الشكر للزميل "أحمد شقير" على خبر فتوى الشيخ "صالح اللحيدان" ورابطه..

Friday, January 2, 2009

السبب .. الأوحد!

روى البيهقي عن أبي ذر قال: "قلت يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: الإيمان بالله، قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملاً، قال: يرضخ مما رزقه الله. قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرا، لا يجد ما يرضخ به؟ قال: يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: يصنع لأخرق - وهو الجاهل الذي لا صنعة له يتكسب منها - قلت: أرأيت إن كان أخرق، لا يستطيع أن يصنع شيئا؟ قال: يعين مظلوما، قلت: أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مظلوما؟ قال: ما تريد أن تترك في صاحبك من خير ليمسك أذاه عن الناس، فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟ قال: ما من مؤمن يطلب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة".

هذا الحديث سمعته في خطبة للجمعة ، ولم أسمعه في شريط أو على قناة دينية.. فهذه الأمور لا تهم كثيراً ممن يتحدثون هنا وهناك.. ممن لا يلقون بالاً لحقيقة هامة : أن العبادات ليست وحدها كل شيء .. وأن الله سيحاسبنا جميعاً عن أشياء أخرى بالإضافة إلى العبادات..

ما سمعته من هؤلاء منذ أن بدأت مأساة غزة أحد أمرين ، الأول هو "التقصير" في العبادات ، ويستشهد بعضهم بحديث الرماة في غزوة أحد ، والثاني عبارات عامة "عايمة" عن عدم طاعتنا لله وتخلينا عن شرعه واجتناب نواهيه ، كيف؟ لن تحصل على إجابة ، إلا -طبعاً- على النحو "الأول"!

يحدثوننا كما لو كنا نعيش في حانات كبيرة ، وكما لو كان كل الناس يلعبون البوكر ويشربون الجوني ووكر .. وينسون أن مساجد(هم) ، والمساجد عموماً تمتلئ في كل الصلوات -بما فيها الفجر- بالمصلين ، وأن دروسهم يحضرها جيش عرمرم من الناس تغلق من أجلهم الداخلية الشوارع المجاورة ، وأن عشرات الملايين يشاهدونهم على فضائياتهم.. ورغم ذلك فالحالة بين الناس بعضها البعض كما نعرف..

هل هذا يكفي؟ واظب على أداء الفرائض واسرق غيرك وخض في عرضه؟ حج في كل عام واتجر في المخدرات؟ قم الليل ولا تقم بأي عمل نافع لمجتمعك إن اجتمعت لك وفرة في المال؟ واظب على الدروس وأرشد الناس وفي الوقت نفسه إن اختلفوا معك في الرأي "خدهم جوزين إقلام"؟

هم يتكلمون في تلك الأمور "بدون نِفس" كما لو كانوا مجبرين على قولها ، أو سمعوا من انتقدهم لتجاهلها فتكلموا ، عكس أشياء يُختَلَف في حكمها كالنقاب مثلاً.. تجد اللهجة غير اللهجة والحماسة "غير شكل"..

هؤلاء يحملوننا المسئولية عما حدث في غزة لأننا لا نصلي الفجر في جماعة ولا ترتدي نساؤنا النقاب ، وآخرون سيحملوننا المسئولية ما حدث في غزة لأننا لا نحتفل بموالد الأولياء ، وآخرون سيبحثون عن تفاسير أخرى ، وسيجدون من يصدقهم ويهاجم من ينتقدهم في كل الحالات ، ما أسهل الحلول السهلة ، وعلى رأي خطيب مسجدنا فيما معناه أن الناس في زماننا يفضلون العبادة "الشخصية" على العبادة "الجماعية" ..النوافل على فرائض أخرى تتعلق بالعالم المحيط!

طالما نفضل الحلول السهلة ، ونتمسك بمن يذكرنا بالحلول السهلة .. يبقى انسوا ... انسووا...