وبما أننا في ذكرى مولد سيدي الحراك السياسي ..وجدتها فرصة لأستكمل ما ذكرته في التدوينة السابقة عن تغير علاقة الدين بالسياسة في العالم العربي والإسلامي واضعاً خطاً تحت ما يحدث في مصر بالتحديد..
تعرفون أن سي "البتاع"-الذي يسميه الحزبوطنيون فقط "الحراك"-السياسي جاء على وقع واقع جديد في السياسة الداخلية المصرية.. صراع بين قطبين كبيرين .. الأول هو الحزبوطني ورجال أعماله .. والثاني هو المال السياسي ..رجال الأعمال الطموحون الذين يخوضون حرب مصالح مع الفريق الأول.. حرب تستعمل فيها كل الأسلحة ..بدءاً من موارد الدولة التي هي في معظمها أموال دافعي الضرائب ، مروراً بالإعلام هنا وهناك ، وطبعاً الدين..
صحيح أن الحزبوطني هو الأطول يداً على "المؤسسة الدينية الرسمية" ممثلةً في الأزهر (رغم اختراقه صوفياً وشيعياً وسلفياً) إلا أن هذا لم يكفِ .. يرى البعض أن الحزبوطني نفسه هو الذي أطلق المد السلفي بما له من جماهيرية وحضور لدى الناس ، وبما فيه من تصورات "مهادنة" للحكام تدعو لطاعتهم العمياء وتعتبرهم "أمراء المؤمنين" كما في الفتوى الأخيرة التي سبق الحديث عنها هنا ، وبالموازاة أطلقت المد الصوفي أيضاً لتشابهه مع السلفيين في عدة نقاط رغم العداء الشديد بينهما..
على الجانب الآخر وجد المال السياسي ضالته ليس فقط في قيادات مذهبية أخرى ولكن في "مفكرين إسلاميين" من أمثال "جمال البنا" ورفاقه يبحثون عن "غطاء ديني" لعملية "التغيير"* وهو هدف مشترك لهؤلاء جميعاً -لا تسأل عن مصلحتنا يا أخ علي- حتى يصبح للجماعات المذهبية تأثيرها ويصير الريموت كنترول في يد كبار الحيتان .. ورغم أن الكبار في تيار المال السياسي يعرفون جيداً حقيقة أفكار المفكرين والمتمذهبين المتحالفين معهم وأنها تتصادم تماماً مع التصور "الليبرالي" و "التنويري" الذي يروج له التيار إلا أن "السياسة تحكم"..
مباراة في كرة الغوغائية بين التيارين معاً.. التيار الأول يَلدُد في الخصومة مع الآخرين ، كل الآخرين ، طالما يخالفونهم في الرأي .. وربما يصل ذلك إلى درجة التكفير.. ع الفاضي وع المليان.. أما الثاني فيعتبر كل العلماء والشيوخ الذين لا يوافقونهم الرأي هم علماء السلطة الساعين لمصالحهم الشخصية وابتعاد مصر عن دورها "المقاوم" لـ"القوى الامبريالية الاستعمارية" التي تستهدف إضعاف "الأمة"..شعارات الاستقرار في مواجهة شعارات العزة والكرامة.. "طاعة الحاكم" في مواجهة "الجهاد" و"المقاومة" و"تغيير الاستبداد"..وزغرطي ياللي مانتيش غرمانة..
ماذا عن جماعات الإسلام السياسي؟ لا أعتقد أن لها نفس القوة والنفوذ الذي تمعن ميديا الحزبوطني والمال السياسي في تضخيمه.. ولا أعتقد أن الطرفين المتحاربين ، ولا نحن كآحاد الناس ، سنكون سعداء بوصولهم للسلطة الذي لن يتحقق (تذكروا تجربة حماس بما عليها قبل أن يكون لها)..خاصةً وأنها لم تنضج بعد لفكرة قيادة دولة وتعاني من تصادم ما بين أيديولوجياتها من ناحية وما بين ما يمليه "حكم بلد" من مسئوليات..ما يهمني تأكيده هنا أن تأثير جماعات الإسلام السياسي- مهما تعاظم-ضعيف مقارنة بتأثير شيوخ السلفية والصوفية الذين أتباعهم بعشرات الملايين ، ولديهم قنوات فضائية ومطبوعات وأقدر على الوصول للناس و"اللعب" في الشارع الذي هو أحد "ميادين" المعركة بين الحزبوطني والمال السياسي.. تذكروا مظاهرات الدانمارك الأولى!
نحن أمام حرب على أدمغتنا ، وعواطفنا ، وربما جيوبنا.. كانت هذه السطور محاولة متواضعة جداً لفهمها الذي أعرف جيداً أنه قد يختلف بشدة مع فهمكم.. لكن ..دعونا كما هي العادة في "الدين والديناميت" أن نفكر معاً.. علنا نصل لشيء..
*والفرق رهيب ما بين "التغيير" و "الإصلاح" السياسي الذي لا يخدم مصالحهم إن تحقق في رأيي.. لأنه عندما "تغير" فإنك تغير أشخاصاً.. أما عندما "تصلح"- لو كان دة في نية اللي بيقوله بحق وحقيق- فأنت تغير آلية وطريقة عمل النظام نفسه بغض النظر عن تغيير الأشخاص..والله أعلم..
*والفرق رهيب ما بين "التغيير" و "الإصلاح" السياسي الذي لا يخدم مصالحهم إن تحقق في رأيي.. لأنه عندما "تغير" فإنك تغير أشخاصاً.. أما عندما "تصلح"- لو كان دة في نية اللي بيقوله بحق وحقيق- فأنت تغير آلية وطريقة عمل النظام نفسه بغض النظر عن تغيير الأشخاص..والله أعلم..
No comments:
Post a Comment