Thursday, April 16, 2009

في المسألة البهائية - جزء أول

0-السطور القادمة قد تكون صادمة ، لكنها تبقى مجرد محاولة أكثر لفهم قصة "الأقليات الدينية والمذهبية" في بلادنا .. مجرد محاولة قد تخرج منها برد فعل عنيف تجاه شخصي المتواضع ، وقد تخرج منها ببعض الأسئلة المشروعة..

1-أولاً.. يبقى ما حدث في "الشورانية" مرفوضاً بكل المقاييس ، ولا طائل من المزايدة على رفض شيء هو بالأصل مرفوض ، ويبقى البهائيون أقلية بالمقياس العددي والتأثيري داخل المجتمع المصري (مجموع تعدادهم على مستوى العالم ستة ملايين ، مجموع تعداد المسلمين في القاهرة أكثر من ستة ملايين).. وأرفض التفسيرات "الذكية" التي ستخرج طبعاً لتقول أنني أبرر ما حدث للبهائيين بكونهم أقلية..

ولكن..

2-ولكن دعونا لا ننسى مجموعة أخرى من الحقائق .. أولاها أن الأقليات الدينية والمذهبية عادةً ما يتم استغلالها أو توريطها في صفقات من قبل بعض الدول للضغط على بعض الأنظمة والحكومات .. كما تفعل أمريكا وإيران معنا في ملفات البهائيين والشيعة على الترتيب ، وكما تفعل أمريكا والغرب مع الصين في حالة سكان إقليم التبت (والذي لا يخلُ صراعهم مع حكومة بيجينج من بعد ديني).. وثانيها أن الأمر ينطبق أيضاً على الداخل حيث يلعب النظام والمعارضة بورقة الأقليات كل للضغط على المعسكر المضاد .. وإحراجه أمام الخارج الذي "يبتزه" بتلك الورقة.. وهو ما أرى أنه حدث حرفياً في حالة البهائيين..

فالمال السياسي في صراعه مع الحزبوطني قام باللعب بورقة البهائيين ، الذين كانت لهم مشكلة - بل مشاكل- مع النظم المصرية المتلاحقة ، ولما رأى معسكر المال السياسي نفسه متكافئاً في القوة مع الحزبوطني ، وشجعته الثقة على إحراج الحزب الحاكم قام باللعب بورقة البهائيين عن طريق الإعلام ، سواء عن طريق الصحف -"صوت الأمة" وأخواتها- أو الفضائيات "دريم".. ولم يكن السيد "وائل الإبراشي" سوى مجرد أداة- ومنذ متى كان غير ذلك- ساعدته على أداء دوره طبيعة بعض القيادات البهائية التي ظهرت.. ولكي يكون الشو محبوكاً و "حراقاً" أتيحت لتلك الشخصيات الظهور على شاشة الفضائيات وهي الأوسع انتشاراً من كافة وسائل الميديا الأخرى..

3-حقيقة ثانية.. تصرفات قادة أي مجموعة تعكس بنسبة ما اختيارات المجموعة نفسها ، ولا يوجد أكثر من الأمثلة في العالم العربي الذي يعج بأقليات دينية ومذهبية في كل دولة تقريباً.. وهذا يقودنا إلى حقيقة خامسة .. وهي أن لكل أقلية خيار من اثنين.. إما المجموعة .. وإما الاستقواء بالخارج للضغط على النظام لنيل مكاسب ما ..

خيار المجموعة هو الأصعب ، وهو الأصح .. وكان يتطلب من قيادات الأقلية البهائية وأفرادها بذل بعض الجهد .. وإن كان هذا الجهد سيكون مضاعفاً بحكم المشاكل بين "البهائية" والأديان السماوية الثلاث وهو أمر "يصعب" تخطيه -هم مؤمنون بديانتهم ونحن مؤمنون بديننا ولن يستطيع أحدنا إقناع الآخر بتغيير دينه- وبحكم سوء حظ البهائيين الذين اصطدموا بالنظام منذ العهد الناصري حين أغلقت محافلهم ، ثم شبكة البهائيين التي تم ضبطها في أواسط الثمانينات حيث ذروة توحش التطرف الديني والمذهبي في مصر ، و"ما يقال عن" علاقتهم بإسرائيل (والتي تسببت في إغلاق محافلهم منذ الستينيات وحتى الآن)..

خطأ كبير في نظري يمكن أن تقع فيه أي مجموعة أياً كان حجمها ودرجة ثقلها أن تتوقع أنها ستستفيد من أي نوع من الصفقات ، إن من يفتح لك الباب من أجل مصلحته هو أول من سيلقي بك من الشباك بعدما تقضى تلك المصلحة.. والخطأ الأكبر هو أن تعتقد أي مجموعة مهما كان حجمها أن التعايش المشترك هو مسئولية الطرف الآخر ..هذا سيوقعنا في ما يشبه "معضلة السجين" أو ما يشبه "التعازم" في الثقافة المصرية (اتفضل - لا إنت الأول - لا ميصحش - والله انت الأول - عليا الطلاق ...الخ) لدى كل طرف دور يلعبه .. وللأسف فإن الصوت العالي جداً لقيادات البهائيين وللناشطين المؤيدين لهم أنساهم أن للأقلية نفسها دور تلعبه ، أم أننا نتذكر هذا الدور فقط عندما نتحدث عن الأقليات المسلمة خارج العالم الإسلامي وننساه هنا*؟
لا قيمة لأي جهد تبذله أي جهة للتعايش المشترك مع الأخرى دون أن تتحرك تلك الأخيرة.. نستكمل في التدوينة القادمة بإذن الله..
*ولا تناقض بين ذلك وبين ما كتب المدون سابقاً في سلسلة "هاللو هولندا" أو ما سيكتبه لاحقاً..

4 comments:

عمرو عزت said...

لم أفهم ما هو أو من هم "المال السياسي".

ولا أفهم كيف نعاتب البهائيين على "خيار المجموعة" الذي تركوه، بينما هم في المحاكم من أجل بطاقة شخصية تثبت انتمائهم إلى هذا البلد!
وما هو الجديد الذي فعله أي بهائي مؤخرا سوى أنه انزعج من عدم تجديد بطاقته الشخصية المكتوب فيها ديانته بينما كانت تصدر سابقا في زمن حل المحافل و"زمن التنظيمات المشبوهة"!

ولا أفهم تلك المشكلة بين البهائية والأديان السماوية "التي يصعب تخطيها"، بينما يمكن أن نقول بالمثل أن الخلاف حول ألوهية المسيح بين الإسلام والمسيحية "صعب تخطيها"، وما علاقة ذلك أصلا باستخراج بطاقة شخصية؟

بشكل عملي وفي إشكالية البطاقة الشخصية، ما الذي تراه ويمكن أن يفعله البهائي لكي يتجه لما أسميته "خيار المجموعة" وما هو الذي فعله لكي يستقوي بالخارج؟

قلم جاف said...

عمور:

المال السياسي هو حقيقة نتعمد تجاهلها..

في كل مجتمع وفي كل فترة يكون أصحاب المال قوة ، وحجمها ومدى تأثيرها يتفاوت بحسب قوة الدولة وبحسب أوضاعهم وبحسب الظروف داخلياً وخارجياً..

المال السياسي المصري مسمى يمكن إطلاقه على مجموعة من رجال الأعمال استطاعت تكوين نفوذ قوي جداً خلال أواخر العهد الساداتي وأوائل المباركي واستطاعت تكوين ثروات هائلة خلال تلك الفترة ..

انقسم المال السياسي إلى جناحين .. جناح تقابلت مصالحه مع النظام (عز - أبو العينين - طلعت مصطفى - إبراهيم كامل) وجناح آخر تضاربت مصالحه مع الحزب والحكومة والنظام لأسباب متفرقة ، لخوف النظام - في رأيهم - من نموهم وزيادة نفوذهم ، أو لكون رجال الأعمال الذين استقووا بالنظام (=الأسماء المذكورة وغيرها) يشكلون خطراً على نفوذهم..

استثمر هؤلاء رءوس أموال طائلة في الميديا وحاولوا تكوين خطاب سياسي مواز لخطاب النظام ، ويخوضون حرباً سياسية وإعلامية ضد النظام بطريقة الوكالة ، بتحريض مجموعات فئوية ، والتعاون مع مجموعات مذهبية أخرى لبعض منها علاقات بالخارج .. أو تستغل من قبل بعض الدول للضغط على النظام المصري..

وروزنامة تحالفات هؤلاء مذهلة ، وتضم قائمة من الأضداد لا يمكن تصورها إلا في المعسكر المضاد .. فالمال السياسي له علاقات جيدة بحركات الإسلام السياسي (الإخوان) ، والطرق الصوفية ، والبهائيين ، وبعض "الحسانيين"، وحتى فصائل اليسار التي كانت تعتبر كل صاحب مال لص وحرامي .. بل إن من رجال أعمال المال السياسي من هاجمه صحفيون من تيارات مختلفة بحجة الفساد ثم تحالفوا معهم.. عادي!

وخطاب هؤلاء لا يختلف كثيراً عن الحزبوطني ، كلاهما يتصنع الليبرالية وتشكل الديمقراطية الحقيقية بكل مشتملاتها خطراً داهماً على مصالحه..

المال السياسي هو القوة الأكبر خطراً على النظام بحسبة بسيطة حتى من التيارات الدينية .. والأكبر خطراً علينا حيث أنها تريد تغييراً شارعياً بلا منهج .. تماماً كبعض القوميين "لتتحرر الشعوب من قيود الأنظمة .. لينزلوا إلى الشوارع ..عاااااا..الخ"..

يتبع..

قلم جاف said...

بقية:

أهم مشكلة بين البهائية والإسلام ببساطة أن البهائية تفترض نبياً آخر بعد الرسول (ص) أنزل عليه كتاب بعد القرآن الكريم.. وهذا كافٍ بذاته.. ولها حسب علمي تضاربات مع المسيحية واليهودية.. بالتأكيد هذه المشاكل لها دور في صعوبة تقبل أغلبية منتمية لدين أو دينين آخر(ين) للبهائيين..لنكن واقعيين..

ولكن القصة بين المسلمين والمسيحيين تختلف تماماً.. على ضخامة وأهمية الفرق العقيدي الضخم ..

مطلب البهائيين في بيان خانة الدين في البطاقة الشخصية مشروع ، وكنت سآتي على ذكره في الجزء الثاني الذي أعده حالياً ، بل إن طلبهم في وجود محافل لهم هو أيضاً مشروع.. وددت لو انتظرت قليلاً لأوضح وجهة نظري بشكل أدق..

لكن نوع الخطاب نفسه ولهجته يثير الاستفهام.. فكرة "التعايش" و "التجاور" التي نسمعها في خطاب المستنيرين من المسيحيين ليست حاضرة في هذا الخطاب ..

هناك فرق بين "نحن نريد حقوقنا لكي نكون جزءاً من نسيج الوطن" و بين "نحن نريد حقوقنا".. أصبح الخطاب مثله مثل أي خطاب فئوي آخر إن لم يتدنَ إلى ما وصل في خطابات أخرى لبعض الجماعات الفئوية كسائقي اللوريات مثلاً "نحن نريد حقوقنا وإياكش تولع"!

كان من الممكن أن يوصد البهائيون الباب في وجه قوة سياسية لا تريد إلا مصالحها ، وكانت لتكون أول عدو لهم إن كانت الظروف غير الظروف.. أو يرفضون خدمات الغرب الذي يلعب معهم نفس لعبة "الحريات" بينما يتجاهل إعداماتهم في "إيران"..

الخطوة الإيجابية الوحيدة التي فعلوها كانت اللجوء إلى القضاء ومؤسسة القانون ، وأفسدوها بأسلوب الخطاب..

بدون دبلوماسية .. أن تعاني الأغلبية من مشكلة في فهم فكرة التعايش فهذا أمر معروف .. لكن الأقليات "الأضعف" لا تريد أن تعي أنها تخطئ أيضاً مثل الأغلبية ، ولو كان الوضع معكوساً كان ليحدث ما سيحدث..

عمرو عزت said...

علاقة المال بالسياسة معروفة بالطبع ولا يمكن تخيل تجاهلها. ولكن كنت أسأل عمن تقصد تحديدا، من هم أصحاب المال السياسي الذين دخلوا على الخط في قضية البهائيين ؟

لا زلت تستند في تحليلك إلى أحكام لا تدعمها بمعلومات أو اقتباسات أو ما تقصده بخطاب البهائيين. سواء عن علاقة "البهائيين" بأطراف من الخارج أو أصحاب المال السياسي أو خطابهم الذي يخلو من فكرة التعايش وإن كنت متعجب جدا من هذه الفكرة. فكل المتحدثين باسمهم كانوا دوما في حالة دفاع ومطالبة بما هو أدنى من الحد الأدنى من الحقوق.
واسمح لي أن أتحفظ على تحليلك المبني على أن الخطاب الذي يقول "أريد حقوقي" يكون بالضرورة غير مبال بـ"تماسك نسيج الوطن" لأنه لم يقل "أريد حقوقي مع الحفاظ على نسيج الوطن".
وبشكل عملي مرة أخرى، لا أتصور أن نطالب شخص يطالب بتجديد البطاقة الشخصيةأن يعلن أنه يريد تجديد البطاقة الشخصية بشرط الحفاظ على نسيج الوطن !

في انتظار بقية مقالك وأتمنى أن توضح كلامك أكثر وتوثق له.