فقد جاء الإسلام بثورة عظمى فى تاريخ الإنسانية ودعا إلى الحرية والعدل والمساواة قبل الثورة الفرنسية بقرون طويلة وبفضل هذه القيم العظيمة .إستطاع الإسلام أن يبدع حضارة حقيقية شغلت ثلثى العالم القديم من أوروبا إلى الصين وقدمت إنجازات كبرى فى مجالات العلم والفكر والفن .
السابق هو جزء مما كتبه "علاء الأسواني" صاحب "يعقوبيان" و"شيكاغو" في الدستور يوم 13/8/2008.. والمقال مليء بنقاط أختلف معها بشدة .. هذه منها..
أطلب فقط ممن يقرأون هذه التدوينة أن يقرءوها بهدوء .. ولآخر سطر.. ربما يثير عنوان التدوينة نفسه غضب الكثيرين ولهم الحق.. أطمع فقط في سعة صدوركم..
عندما نتحدث عن الإسلام نتحدث عن العقيدة والعبادات والمعاملات.. كلها قدمت إطاراً أخلاقياً متميزاً لعلاقة الإنسان بربه ، وبنفسه ، وبالآخرين سواء ممن كانوا على دينه أو على غير دينه.. وإن طبقت هذه المعايير فإن الفرد سيعيش بشكل أفضل وبالتالي المجموعة..
ما وصلنا أن تلك المعايير قد طبقت بامتياز في مرحلة النبوة ، وفي السنوات القليلة بعد انتقال الرسول الكريم (ص) إلى الرفيق الأعلى ، ثم سرعان ما تبدلت الأمور تماماً على كل الأصعدة في الفترة التي ظهرت فيه "الحضارة الإسلامية"..في العهدين الأموي والعباسي تحديداً..
نأتي إلى "الحضارة" ..
اختلفنا في تعريف كلمة "الحضارة" .. التيار السلفي والسلفي الجهادي يلخص الحضارة فقط في الجانب الحربي فقط .. والبعض من المستثقفين يلخصها في الإنتاج الثقافي فقط.. وكلاهما تلخيصان خاطئان وظالمان إلى أبعد حد ممكن .. لتجاهلهما الفاضح لما جاء من أجله الإسلام: الفرد.. البني آدم..
حتى في سنوات "النهضة" العسكرية ، و"النهضة" الثقافية .. لم يصلنا أن عامة الشعب قد استفادوا.. ما وصلنا فقط هو أخبار العلماء والحكام والقادة -وهم بالتأكيد الأكثر تأثيراً في مجرى الأمور في تلك المرحلة من التاريخ- أما العامة فكانوا شبه منعزلين عن ذلك كله.. لم يكن ذلك قاصراً على الحضارة الإسلامية وحدها بل كل حضارات العالم القديم بلا استثناء..
لا علاقة واضحة بين "النهضة" العسكرية و"النهضة" الثقافية من جهة وبين الإسلام وقيمه من الأخرى.. فلفترات طويلة سادت العالم وتسوده حضارات كونت جيوشاً قوية ومنظمة وكبيرة التعداد ، وأبنية عملاقة وضخمة ونتاج تقني وفلسفي غزير..ورغم ذلك فقد كانت مسرحاً للظلم والفساد ولكل ما هو ضد ما أتى به الإسلام من قيم.. وحتى في "الحضارة الإسلامية" بمفهومنا نحن.. ولذلك أستغرب أن يتحدث أي داعية عن العصر الذهبي للإسلام مشيراً إلى الخلافة العباسية مثلاً ، وأنه بفضل تمسك المسلمين بقيم الإسلام امتلكوا أسباب "العزة" و"الكرامة" في حين أن ذلك العصر قد شهد العكس على طول الخط ، وأن الحانات كانت منتشرة تماماً مثل انتشار حلقات الزهاد ، وهي كلها أشياء عكس ما يتحدث عنه هذا الداعية أو ذاك المفكر أو سعادة البيه أو أياً ما كان..
إسهام الإسلام الأهم جاء بتقديم ما كان ينقص تلك الحضارات من جانب أخلاقي يحميها ويطيل من فترة صلاحيتها..إطار قوامه العدالة والتسامح والنبل .. وبكل أسف لم تستفد منه كل الدول والدويلات التي تلت مرحلة الخلفاء الراشدين.. لو استفادت به على سبيل المثال الخلافتان الأموية والعباسية على ما حققته من توسع عسكري ونجاح تقني واستفاد الناس من آثاره لكان للأمور كلها شأن آخر..انعكس علينا نحن..
مرة أخرى.. أطمع في هدوئكم وسعة صدركم.. نستكمل بعد قليل بإذن العلي القدير..
2 comments:
أختلف معك في ثلاث نقاط:
1 - "ما وصلنا أن تلك المعايير قد طبقت بامتياز في مرحلة النبوة ، وفي السنوات القليلة بعد انتقال الرسول الكريم (ص) إلى الرفيق الأعلى ، ثم سرعان ما تبدلت الأمور تماماً على كل الأصعدة في الفترة التي ظهرت فيه "الحضارة الإسلامية"..في العهدين الأموي والعباسي تحديداً"
لم تتبدل الأمور تماماً. بالطبع ظهرت تجاوزات قلت أو كثرت و لكن هذه التجاوزات كانت حكراًً بدرجة كبيرة علي الطبقة الحاكمة، الشعب لم ينحدر لنفس الدرجة، و حتي علي مستوي الحكام فلو حاولنا أخذ (متوسط) للتجاوزات التي تمت في العصور الإسلامية لوجدنا أنها أقل بكثير من تجاوزات الحكام علي مر الزمان في أي مكان.
2-"لم يصلنا أن عامة الشعب قد استفادوا"
ما الإستفادة المقصودة هنا؟ هل هي إستفادة مادية و إجتماعية أم دينية و ثقافية؟
إنت كانت الأولي فسأقارن بين وضع الشعب في أوروبا و بين العصور الإسلامية
تروي كتب التاريخ عن إنتشار الأوبئة في أوروبا في الماضي. في أحد المرات أباد أحد الأوبئة ثلث سكان أوروبا و في مرة أخري نصف سكان أوروبا حتي أن الموتي لم يكونوا يجدون من يدفنهم لأن اللحادين قد ماتوا بدوره! الطريف أن هذه الأوبئة كانت من نوعية التيفوس و الإسقربوط. الأول ينتقل بالقمل و الثاني علاجه أن تشرب عصير ليمونة واحدة!
لم يسمع أحد عن أن الأوبئة إنتشرت ذات مرة في الدول الإٍسلامية لإرتفاع المستوي الإجتماعي و النظافة الشخصية و توافر الغذاء، بل لم يسمع في كتاب من كتب التاريخ أن مسلماً واحداً قد مات بالإسقربوط لأنه مرض ينجم عن نقص حاد في فيتامين سي، و هو فيتامين متوافر في الكثير من الفواكه و الخضروات. حين قام البابا يدعو شعوب أوروبا للقيام بالحملات الصليبية قال "إن بلاد الشرق تفيض لبنا و عسلاً". هذا هو ما يمكن أن يقنع الرعاع والجوعي بالإشتراك في الحرب.
إن تحدثنا عن الإستفادة الثقافية فهناك عديد من الروايات التي تدل علي إرتفاع المستوي الثقافي للشعب. علي سبيل المثلا لا الحصر، الخليل إبن أحمد حين خطرت بباله فكرة البحور الشعرية حدث الناس عنها في المسجد بعد صلاة العصر و خرج الناس و قد أتقنوها و صارت حديث البلاد و ليس حديث المجالس الثقافية.
هناك العديد من الأمثلة المشابهة التي لا يتسع المجال لذكرها و لكن الرخاء المادي و الثقافي كان يظلل البلاد ككل و لم يكن حكراً علي الطبقة العليا فقط.
3 - "أن الحانات كانت منتشرة تماماً مثل انتشار حلقات الزها"
من الذي قال هذا؟ هذه أحدي النقاط التي تم فيها الكثير من التزوير للتاريخ الإسلامي. للأسف التاريخ الإسلامي لم يكن مدقق، لأن المسلمين لم ينظروا له علي أنه إحدي نقاط البناء الثقافي للأمة بل هو روايات للتسلية. بعض علماء الحديث الذين كانوا يدققون في سند الحديث و متنه و رواته حين يرون واقعة تاريخية كانوا يقولون "حدثنا فلان بكذا". هم يعرفون أهمية الأحاديث الشريفة و لكنهم لم يروا أهمية للتاريخ سوي التسلية. كتاب الأغاني للأصفهاني هو أحد المصادر الرئيسية للصورة الشائعة في أذهان الناس عن اللهو السائد في العصر العباسي و هو كتاب يسميه علماء التاريخ المدققين " النهر المسموم" لكثرة الروايات المغلوطة فيه، و هو كتاب كان يهدف في المقام الأول للتسلية و ليس للتأريخ كما إستخدمه الناس.
يمكنك قراءة المزيد عن تزوير التاريخ الإسلامي في كتاب الدكتور يوسف القرضاوي (تاريخنا المفتري عليه)
كل عام أنت بخير.. واسمح لي أختلف معك في نفس ذات النقاط التي اختلفت فيها معي :)
1-للرد على النقطة الأولى أستعيد بشكل مختصر الخطاب الغالب على السلفيين في مثل تلك المسألة:
عندما تمسك المسلمون بما كان عليه السلف الصالح أصبحوا أعز أمة في الأرض وكونوا دولة تتسع من الصين إلى الأندلس
عاش السلف الصالح والتابعين في فترة الرسالة وما بعد الرسالة بقرنين أو ثلاثة وصححني إن أخطأت.. فيما وصلت الدولة الإسلامية لأوج مجدها بالمعايير التقليدية في العصر العباسي أي بعدها بقرون .. في ظل ظروف مختلفة كل الاختلاف ..
طبعاً من الصعب جداً القول بأن الناس في ذلك الوقت كانوا على نفس الورع والزهد والتقوى الذي يفترضها النموذج السلفي وكان موجوداً فعلاً في فترة السلف الصالح!
2-وأيضاً 3-
كنت واضحاً في القول "لم يصلنا..."..
وأربطه بقولك أنت "للأسف التاريخ الإسلامي لم يكن مدققاً"..
رغم كثرة كتب التاريخ التي أرخت لتلك المراحل وضخامتها إلا أنها ركزت في المقام الأول على الأحداث الكبرى السياسية والثقافية فقط ولم تكترث أصلاً بآحاد الناس أمثالي وأمثالك.. حتى على مستوى الحوادث الكبرى هناك نقاط التباس وتناقض غريبة بين المؤرخين.. وإن كان من الحوادث الكبرى -المتفق طبعاً على حدوثها والمختلف في تفاصيلها- وليس من كتاب الأغاني يمكن استنباط واستنتاج أشياء كثيرة عن الحياة في تلك الفترة..خاصةً في أسباب الثورات وحركات التمرد والتي لعب عليها البعض بكل انتهازية.. تذكر القرامطة..
مع احترامي لمثل الخليل بن أحمد إلا أنه من الصعب القول مثلاً بأن آحاد الناس الذين هم صلب الموضوع يتناقشون فيما بينهم في الفلسفة وعلم الكلام على سبيل المثال.. والغريب أن بعض الناس ومن بينهم الأتاتورك يفترضون عكس ذلك!
نأتي للنتاج المادي..
لم تكن في أوروبا ثمة حضارة من أصله.. مجرد أنقاض للدولة الرومانية ودويلات صغيرة هنا وهناك.. بموارد فقيرة للغاية (صنع ذلك مركب نقص كبير قادهم لاحتلال ما تقع عليه عيونهم من أراض عبر العالم) وفقدان للطموح التوسعي الذي يؤمن ثروة اقتصادية أكبر (إلى أن قاد ملوك أوروبا الحملات الصليبية للتغطية على فشلهم الداخلي).. بالتالي نحن نقارن بين الخلافة ، أو لنقل على مقربة من الحروب الصليبية : الخلافات (باعتبار وجود أكثر من دولة بما فيها الخلافة العباسية في العصر العباسي الثاني) ومعظمها دول بمقومات اقتصادية وعسكرية شبه مكتملة بدول أوروبا التي تعلمت عسكرياً منا الشيء الكثير..
باختصار نحن أمام عدة أصناف من الناس يحدثوننا هذه الأيام.. صنف يدعو لمذهبه بأن يقتطع من التاريخ ما يريد ويركبه كوبي وبيست على خلاف الوقائع التاريخية ليصور لنا التاريخ الإسلامي على أنه مارش عسكري والسلام.. وصنف آخر لا يرى أن الإسلام قد جاء بأدنى كمية من الخير وأنه سبب تخلفنا .. وأولئك وهؤلاء نجحوا وبامتياز في تسطيح مفاهيمنا عن التاريخ لدرجة مثيرة للغضب..
ما أقوله باختصار أن النجاح الحضاري الذي حققته الخلافات الإسلامية كان نجاحاً دنيوياً أكثر منه أي شيء آخر.. يعطي الله الجميع بغض النظر عن علاقتهم به كما استفدنا ذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.. ولو حمته قيم العدالة الاجتماعية التي جاء بها الإسلام لصار الوضع أفضل ألف مرة..
الناس أهم من الكتب والمباني والعروش والكروش.. ولكن تقول لمين؟
Post a Comment