Sunday, December 3, 2006

لحظة غضب

لم أكن أريد الكتابة عن أي موضوع آخر حتى تأخذ التدوينة السابقة حقها من النقاش .. لكن الأحداث تفرض نفسها .. وموضوع هذه التدوينة "ما يستناش" مهما حاولت تأجيله..

نشرت الأهرام خبراً أنقله عن "في البلد" عن مصلٍ حاول الاعتداء على إمام مسجد الإمام الحسين بالقاهرة..

دون الخوض في التفاصيل ، ومع إدانتي الكاملة لسلوك هذا المصلي ، إلا أنني في الوقت نفسه متعاطف معه .. ولا يشترط برأيي أن تعايش نفس ظروفه حتى تتعاطف معه ..

لا يوجد وسط في مجتمعنا بكل أسف ، إما أن يتدخل رجال الدين في كل صغيرة أو كبيرة حتى في السياسة بالفتاوى الغريبة ، وإما أن يعيش رجال الدين في برج عاجي عازلين أنفسهم عن العالم الخارجي وغير مبالين بالسلوكيات السائدة في المجتمع ولا بمن يعيشون فيه أساساً.. ولهذاالطرح ولذاك مؤيدون ينعتون معارضيهم بأبشع الأوصاف.. ولا يستطيعون التحاور مع غيرهم ولا مع أنفسهم..

المنابر والقنوات الدينية معزولة فعلاً عن حياة البشر ومشاكلهم وأوجاعها ، خطب تفوق الساعة وشرائط يتم تعبئتها ووعظ وصراخ وشخط وانفعال وافتعال، في الوقت الذي "فينا اللي مكفينا" ، ومطبوعات تمجد الإمام المجدد الفلاني وشيخ الطريقة العلانية وتتحدث عن تمايل الذاكرين بينما خلق الله يتمايلون ألماً من الفقر والجهل والفساد والتخلف والتطرف والبيروقراطية السياسية ، وقنوات دينية تستشعر أن أصحابها يعيشون في كوكب آخر غير الذي يعيش فيه كل "الناس"!

رغم التباين بين كل هؤلاء والأتاتورك إلا أني أرى أن المحصلة واحدة ، الدين في وادٍ والناس في واد ، رغم أن الدين يستهدف صلاح الدنيا والآخرة .. الفرق أن الأتاتورك يحرضون الساسة على فصل الدين عن الحياة وينظرون لذلك في وسائل الإعلام ، بينما يقوم الآخرون بذلك بأنفسهم ، بفرض شكل من أشكال الحياة "الدينية" الشكلية التي تبتعد أحياناً عن روح وربما نصوص الدين نفسه مصورين إياها على أنها أوامر الإسلام ونواهيه ، باستلاب الناس من الدنيا أمام الشرائط وفي الموالد وأمام الفضائيات ..الأتاتورك و "هؤلاء" يفصلون تماماً الدنيا عن الدين ، الفرق في نوعية الخيار الذي يغرون الناس باختياره..

النتيجة أنك تجد من يسمي نفسه مفكراً إسلامياً ويتساءل بعد أربعة عشر قرناً لماذا نزل الله هذه الآية ، في المقابل تجد من يصلي ويكذب ويعش ويرتشي .. والناس محاصرون بين الأول في وسائل الإعلام والثاني في الشارع..

كل هذا يحدث ولا تنتظرون غضباً؟ ألسناً لحماً ودماً في الأول والأخير؟

الكرة في ملعب الأزهر ، ووزارة الأوقاف ، وكل مذهب يقدم نفسه على أنه وحده صحيح الدين.. وإلا فإذا كنا قرأنا عن شخص واحد حاول الاعتداء على إمام مسجد ومنعه باقي المصلين ، ففي مرات قادمة سيهاجم كل المصلين الإمام كما لو كان لص أحذية في مسجد وليس إمام المسجد!

السكوت على ما يسبب لحظة غضب واحدة قد يتسبب فيما بعد في حالة غضب عارمة .. ومعظم النار من مستصغر الشرر.. دمتم بألف خير..

5 comments:

مـحـمـد مـفـيـد said...

السلام عليكم
اولا اود ان احييك جدا علي هذه المدونه الرائعه التي دائما تاتي بالمفيد وكم انت رائع في كتابتك جميعها
الدين في واد والناس في واد مقوله حقيقيه وتجد بعض الشيوخ والأئمه عندما يصعدون الي المنابر تجدهم ناس تانيه خالص
لا ينزلوا بمستوي الفكر الي البشر العاديه
الرسول نهي عن الغلو فقال
اياكم والغلو
ولكن ليس ذلك يدعي الي ان ان نتغافل عن سلوك هذا المصلي المشين


في حفظ الله

Anonymous said...

طبعا هوه ماينفعش اللى المصلى ده عمله فى الجامع بس فيه شيوخ بصراحة يخلوا الواحد يعمل اكتر من كده انا بقالى اسبوعين فى خطبة الجمعة مابسمعش غير ثواب المشى ورا الجنازات و عيادة المرضى علما بان الشيخ فى كلا الجمعتين مختلف و الجامع هوه هوه

smraa alnil said...

تخيل لما تكون قاعد في عزا
وفي شيخ بيقرا القران وبعد كدة بيقول خطبة دينية
وكان نصها كالاتي:
يحكي ان سيدنا موسي رأي ملك الموت ففزع فزعا شديدا
ثم قال موسي لملك الكوت ان اتيتني قابضا فأتني منذرا
(اي ان هو يجي ينذره الاول انه هيجي عشان يقبض روحه)
فقال له ملك الموت: مااااااااااااااااشي
ماشي ؟؟؟!!! هكذا رد الخطيب
لك ان تتخيل كمية التهكمات من قبل المعزيين
واحد قال طب مألوش قشطة ليه
ولا قاله هبقي ابعتلك ميسد كووول
ولك ان تتخيل ما حدث في العزاء بعد ذلك
اللي انا بتكلم عليه ان بعض الائمة والشيوخ افتقدوا الكثير من الدين
انا عندي في منطقتي مش في ولا شيخ من الازهر في مساجدنا بالرغم ان منطفتي مليئة بالمساجد
مرة تسمع صوت طفل بيأدن للادان
ومرة اي شخص معدي في الشارع
انا طبعا مش بدافع عن المصلي اللي عمل كدة
بس انت قلت كلمة جامدة اوي
الدين في وادي والناس في وادي
بس اسمحلي الدين مش هو اللي في وادي
الناس اللي بخفونا نسمع للدين هما اللي في وادي
الشيوخ دلوقتي مش بعيد انهم يألفوا حديث نبوي ليوضحوا صورة الحاكم عايز يوصلهلنا
ومش بعيد ان هما يطلعوا بتفسير جديد لايات الله الحكيم عشان برضه نفس السبب
واقول لك الحق انها حدثت بالفعل
والافتاءات التي تصدر بطريقة مستفزة
كفتوي بان التدخين ولبس البنطلون للمرأة مباح
حاجة تنرفز
احييك علي مدونتك جدا فني قد استمتعت بقراءة كل موضوع

tota said...

قلم جاف
بالطبع ليس بالجديد تسرب الفكر العلمانى الى مصر تدريجيا
فهذا هو مطلب الحكومة من وقت ليس بقريب
ونظرا لحساسية المطلب وصعوبة تطبيقه بحرفيته كان لابد من الفعل التدريجيى
سواء الهاء الشباب عن كل الافكار الدينية على حد السواء وخاصة منها الذى يرتبط بالسياسة والحكم وذلك من خلال الميديا المشرفة
او قهر كل من تسول له نفسه ربط الدين بالسياسة او بالحكومة
تعددت الطرق المختلفة ولكن الهدف كان واحدا
ائمة المساجد وفقهاء السلاطين الموجودون على الساحة الان وان كان اكثرهم لخدمة السلطان الجمهورى الحاكم هم اكبر دليل على السياسة التى تنهجها الحكومة التى هى بالفعل معزولة عن الشعب فكريا وماديا وعلى جميع النواحى

فلا تستبعد ان يهجم مصلى على امام ليس يحمل فى فوه غير كلمات صبتها الحكومة وجرعته اياها
وعلى المصلين تقبلها بصدر رحب
ادراك سبب ورد فعل المصلى لهذا الحدث مهم لانه يحمل دلالة قوية وخاصة لامتداد الغضب الى مكان له قدسيته

تحياتى

قلم جاف said...

العزيزة توتة :

ما أعتقدش إنه مخطط لنشر الفكر العالماني .. اللي بيحصل دة حيودي لنفس النتيجة ولا الحوجة للتخطيط والتكتيك وتحريض الشلل والرباطيات في الجرايد وفضائيات الجاز..

إذا كان بعض المتطرفين عالمانياً شغالين الله ينور في قنوات النفط اللي بيهاجموها وعند رجال الأعمال اللي بيشتموهم على أمل يقنعوا الناس تفصل الدين كلية عن الحياة ، فإن أمثال الشيخ إمام الجامع حيخلوا الناس تؤيد هذا الفصل بدون الحاجة للدعاية العالمانية..

دة ما يمنعش إن فيه اتفاق بين الحكومة الرشيدة وبعض التيارات الدينية على "أفينة" الدين .. حسب معلوماتي كغير قاهري إن الحسين يتبع ظاهرياً وزارة الأوقاف وباطنياً الطرق الصوفية ، ومولد الإمام الحسين من أشهر الموالد المصرية على الإطلاق وبيجيله كتير من البسطاء من خارج القاهرة فقط للحصول على النشوة الروحية ونسيان الهموم المتلتلة..

أهو جالك يا شيخنا إمام الجامع واحد مش عايز ينسى .. حتعمل إيه معاه؟

لو اتطبق الفكر العالماني بحذافيره الحكومة حتخسر كتير .. أقله التحالف بينها وبين بعض الفصائل المذهبية حيتهاوى وحتتعرض أفكار الفصائل دي على العقل ..وحيبقى منظر الحكومة وحششششش..

لكن في المقابل فيه ناس عايزة من دة .. ومنطقهم "احنا طول النهار والليل عايشين في المشاكل .. مش عايزينها تطلعلنا في بيت ربنا كمان.. احنا جايين نستريح نفسياً وناخد شحنة معنوية"..

أرد عليهم : هل معنى دة بالصلاة على النبي إننا ننسى إن الرشوة حرام والفساد جريمة وأكل أموال اليتيم جريمة أشنع على سبيل المثال؟

سمراء النيل ضيفة الدين والديناميت : مرحباً أولاً..وأشكر زيارتك وتعليقك..

ثانياً .. التباسط لدرجة الظرافة من قبل بعض اللي رزئنا بيهم من المتكلمين في الدين أمر غير مقبول ، زيها زي التفذلك والتحذلق والفشاحيط الميتافيزيقية بتاعة ناس تانيين..

وعن خيبة الأزهر فيه كلام كتير لسة جاي إن شاء الله..

ضيفي المجهول :

قلت اللي في قلبي تماماً ..

ح أحكيلك على ما هو ألعن ..

في جامع جنب بيتنا من كذا سنة كان فيه إمام أوقافي ظريف لطيف خطب خطبة طويلة عريضة ما خرجش اتنين مصلين متفقين على موضوعها!

صديقي مفيد :

محدش تغافل عن السلوك المشين .. لكن زي ما عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاقب اللي خلا العامل يسرق المزرعة ، علينا نفهم السبب اللي خلا دة يعمل كدة في جامع فيه خمس آلاف بني آدم على الأقل..