في ندوة عقدت بجامعة الفيوم في التاسع عشر من الشهر المنصرف ، وجه بعض طلبة الجامعة أسئلة مخيفة للدكتور علي جمعة مفتي الديار ، عن "حرمة" الالتحاق بكليات التجارة والسياحة والفنادق ، والتصوير الفوتوغرافي!
أسئلة غريبة الشكل عندما تخرج من أناس يعيشون في العام السادس من الألفية الثالثة.. تؤكد الأزمة المخيفة التي نعيشها ، وتجعل أي شيء.. أكرر .. أي شيء قابل للحدوث في مجتمعـ(ات)ـنا .. بما فيها حوادث التحرش والتي أوفاها الكثير من الزملاء حقها بحثاً وتحليلاً..
تلك الأزمة التي نعيشها ببساطة هي أنه بالرغم من تحرير الإسلام للعقل من الخرافة ، إلا أن الخطاب الديني - وليس الدين كما يزعم "البعض"- أقصى العقل تماماً من حساباته إن جاز القول..
الخطاب الديني بشكله الحالي روحاني عاطفي أكثر من اللازم، عشرات الدروس والمواعظ والسرادقات والحلقات والبرامج كلها تلعب على النغمة الروحية والعاطفية أكثر من "أي شيء آخر".. واستًغِل ذلك أسوأ استغلال من مهووسي الزعامة الدينية في كل اتجاه ، فكثيراً ما وجهوا الناس حيث يريدون ، وألبوهم على من يريدون ، قاطع يا زكي قدرة يقاطع زكي قدرة ، احرق يا زكي قدرة يحرق زكي قدرة .. دون ترك أي براح لزكي قدرة كي يفهم!
والشلل الحاكمة استفادت من ذلك أيما استفادة ، ما رأيكم في تدين جميييييييل يمد الناس بشحنة روحية تنسيهم آلام يومهم التعس ، مثل أنجع حقنة مورفين أصلي غير مغشوش؟
ولا مانع من سرد بعض القصص التي تتضمن كرامات وخرافات بالمرة ، في وجود جمهور متأثر روحانياً وليس لديه الاستعداد لعرض ما يقال على العقل.. وللأسف الشديد نحن هنا في مصر من سادة هذه اللعبة ، فوجئت اليوم وأنا أطالع أسبوعية "الخميس" التي صدرت في الأسواق اليوم الأربعاء بأن إمام مسجد الحامدية الشاذلية قال أنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد يوم ليلة القدر وأن المصلون صلوا وراءه ركعتي الفجر لمدة ساعة وربع الساعة ، أمر غريب أجد صعوبة في تصديقه، ربما كان غير صحيح .. ربما كان صحيحاً .. الله أعلى وأعلم، حتى الصفحة الكاملة التي أوردتها الخميس للحدث اكتفت بتوضيح وجهة نظر فضيلة الإمام دون الرأي الآخر بنفس المساحة، ناهيك عن عشقنا كمصريين لما يثار عن كرامات - بالحقيقة أو "بغيرها" - عن الشخصيات العامة ، كما كان الأمر حول لاعب كرة القدم الدولي الراحل محمد عبد الوهاب ، مروراً بعبد الحليم حافظ الذي أكد "البعض" أن جثته "لم" تتحلل!
الخطاب الديني بشكله الحالي خطاب روائي ورائي ، يعتمد على القصص التي تروى في الدروس وعلى المنابر مصحوبة بأداء تمثيلي تعليقي من قبل الراوي .. منفصل تماماً عن واقع المسلمين وحياتهم..
الخطاب الديني الحالي جعلنا جميعاً سلبيين واتكاليين ، نرفع أكفنا إلى السماء في مناسبات الدعاء دون عمل شيء ، أو للتغطية على خيبتنا المربعة ، ذلك يذكرني بنكتة عن طالب بليد دعا الله أن يجعل باريس عاصمة لندن لأنه كتب ذلك في الامتحان! .. ألا يبدو ذلك ممجوجاً في وقت يعطيك الله فيه أدوات السعي ، وعقل ليس الغرض منه التعليق في النجفة؟ .. الفرق رهيب بين التواكل ، وبين الأخذ بالأسباب والاعتماد على مسبب الأسباب..
استنتاجي الوحيد لما حدث في شوارع القاهرة بعد ساعات من صلاة عيد الفطر ، هو أن السادة المتحرشين الكمل ، بعضهم على الأقل ، كانوا من ضمن من ملأوا صلوات التراويح في المساجد ، ونهنهوا من البكاء خلف مشايخ الطرب القرآني ، إلى أن انتهى رمضان ، وضرب الجرس ، وخرجوا إلى "الفُسحة" ، واللوم الأعظم يقع على هؤلاء ، أكثر من زملائهم المتحرشين الآخرين الذين لم يحضروا "الدرس" أصلاً!
ربما تكون الصورة أقل قتامة لو عاد العقل لمكانه الطبيعي في الخطاب الديني..حتى يصبح حالنا أفضل ولو بعض الشيء ، حتى لا يصبح الدين نفسه "ملطشة" لأدعياء التجديد الذين يرون أن الدين يحضنا على السلبية والتخلف ويتعاملون معه بمنطق انسف منزلك القديم!
4 comments:
العزيز قلم جاف
التهميش والتسطيح الدينى الذى اصاب المجتمع من فترة طويلة لا اجد له مبررا ووجود الشيوخ امثال عمرو خالد وغيرهم الذين يخاطبون العقول المسطحة كمحاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه امر بات طبيعيا
التعتيم والتسويد الذى اصاب الاخلاق المصرية والتى اعتبرها من الموروثات ناهيك عن كونها من الدين امر اخر اصبح واقعى
غياب هاتين الركيزتين من المجتمع وتلاشيهم تدريجيا بصورة ملفتة للنظر ويبدو انى سوف الجأ للتعميم هذه المرة لان النسبة تخطت مرحلة التخصيص
واصبح وجود انسان متصف بخلق ودين فى مكان هو النادر والغالبية هى المرتشون الجهال السطحيون فكرا ودينا
لماذا فى الفترة الاخيرة ؟ الى ماذا نعزى هذا الخلل فى المجتمع ؟
المدارس واسلوب التربية ؟
التلفزيون والاعلام والانحدار اللانهائى ؟
انخفاض مستوى المعيشة والسعى بشتى الطرق وراء الرزق واختفاء الوقت والجلسات العائلية التربوية ؟
وجود طبقات متفاوتة فى المجتمع من تحت خط الفقر حتى خط الذهب ومن شانه نشوء نزاع طبقى
وجود ثقافات دخيلة وانفتاح فكرى سلبى ؟
الحكومة الفاسدة السعيدة بالتردى والتدنى الفكرى والثقافى والمادى ؟
الاسباب كثيرة جدا وتحديدها مهم لاننا جميعا حتى هذه اللحظة مكتفيين بسرد الاحداث ولكن لم ننشأ اى حلول قد تساعد على تحويل الاتجاه من السقوط الى الهوية الى العودة الى طريق
الحلول سهلة وبسيطة لكنها تحتاج تكاتف مجتمع وليس عمل فردى
من داحل كل اسرة وبيت هذا المجتمع الصغير لو كل مجتمع صغير اعاد النظر فى امره اعتق ان تشكيل المجتمع الكبير سوف يتغير
اعرف ان الكلمات سهلة واعرف انها تذهب مع الريح ولكن اذا لم نتكلم سنموت بالصمت
قراءة التدوينات فى الفترة الاخيرة اصابتنى بالاكتئاب والاحباط من استحالة تحسن المجتمع وانه لا محالة من السقوط فى الهوية السحيقة هذا اذا لم يكن المجتمع سقط بالفعل ونحن مكتوفين الايدى نحتاج الى تشابك ايادى وافكار وتعديل الخطاب الدينى وتهميش الموروثات العقيمة نحتاج مشاركة جماعية
تحياتى واسفة على الاطالة
أدينى فى الهايف علشان أحبك
هو كده من الأخر ههههههههه
العزيزة توتا:
ما حدث في عيد الفطر الأخير لم يكن سوى مجرد نتيجة طبيعية لمناخ تكون على مدى قرون وليس سنوات ، وعلى تصورات لا تنقل الدين من خانة العبادات إلى المعاملات وتقصي العقل من الخطاب الديني وتحوله إلى مجرد أفيون .. شموع وحلقات ذكر وزيارات للأولياء وشرائط لمشايخ الشرائط في السيارات ودمتم..
قلتِ ما نسيت قوله ، أن الخطاب الديني عموماً يتحدث عن الأمة أكثر مما يتحدث عن الفرد .. وبالتالي نجد في مطبوعات المتهافتين على وهم الزعامة الدينية كلاماً طول الوقت عن فلسطين والمسجد الأقصى والاستهداف الدائم والمستمر للإسلام والعالم الإسلامي ، ولا مانع من التلويح ببعض الشعارات وإطلاق بعض الحملات المتشنجة من حين لآخر ، في حين أن الفرد لا يشغل حيزاً كبيراً من الفراغ لدى هؤلاء أو حتى لدى المؤسسة الدينية الرسمية..
شادي :
عندك حق .. وطول ما الحال كدة حناخد في الهايف كتير..
اي خطاب خالي من الانسان هو خطاب مدمر
والخطاب الديني خالي من الانسان لذا فهو مدمر
وهو مسئول عن العنف مثله مثل اي شئ اخر
الخطاب الديني ذو تاثير اشد لان الدين مهم في حياتنا
نعم عاطفي ترقيعي رد فعلي سطحي وتافه هذا الخطاب
ويجب ان يعاد صياغته في كل شئ
ربنا يسهل ونكون ممن يقومون بهذا ان شاء الله
Post a Comment