Friday, November 13, 2009

من غناء القرآن .. إلى التهريج بالقرآن

تذكرت تعبير أمير الشعراء "أحمد شوقي" عندما قال في قصيدة شهيرة له : إن الرواية لا تتم فصولاً..

لم نكن نفيق من مهزلة غناء القرآن في تراويح رمضان الماضي حتى ظهر لنا ما هو أسوأ.. أطلب فقط صبركم وتحملكم لنهاية التدوينة لتفهموا ، وتشاركونني الغضب..

قبل أيام قرأت تدوينة لزميلي العزيز "محمد إلهامي" -وهو شخص مهذب ويحظى لدى كاتب السطور باحترام كبير- نقل فيها عن صديق له - قد يكون حسن النية والله أعلم- يقول فيها معلقاً على مباراة مصر والجزائر "اللهم أنزل على استاد القاهرة صاعقة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك. فقال له أحد من سمع مازحا: “إن فيهم أبو تريكة”، فرد جادا لا مازحا : “ثم يبعثون على نواياهم”!

حتى مع حسن النية الذي افترضه "إلهامي" وأفترضه أنا أيضاً.. ما قاله ذلك الصديق مثير للغضب إلى أقصى مدى ممكن ، ويعطي صورة لمن قرأه بمن فيه العبد لله أننا لم يكفينا غناء القرآن في الصلاة نهاراً جهاراً ، بل صرنا نعامل الذكر الحكيم كالأغاني ، نقلدها و"نألس عليها"..

بالمناسبة ، ليست هذه المرة الوحيدة التي أرى فيها شيئاً هكذا، فجريدة "الشروق" -الجزائرية وليست المصرية- نشرت نقلاً عن قارئ لها تحريفاً للآية الثالثة والأربعين من سورة يوسف :"وإذ قال شحاتة لسمير زاهر إنى رأيت أحد عشر لاعباً (يقصد المنتخب الجزائرى) ورواندا وزامبيا رأيتنا معهم خاسرين قال: يا شحاتة لا تقصص رؤياك على اللاعبين فيطيح له المروال وقل للصحافة إن هذا من كيد الجزائريين"..وقال شحاتة: "إنى أرى سبع نقاط خضر وأربع مصريات وتسع نقاط باقيات ياأيتها الصحافة أفتونى فى رؤياى إن كنتم للرؤيا تعبرون".قالوا "أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، وقال سمير زاهر وادكر بعد أمة أنا آتيكم بتأويله فأرسلون.. سعدان أيها المدرب الكبير أفتنا فى سبع نقاط خضر وأربع مصريات وتسع نقاط باقيات، قال: تلعبون ثلاث مقابلات تتعادلون فى الأولى وتخسرون فى الثانية وفى الثالثة تتبهدلون"!.. أتفهم السخرية من "أم كلثوم" و"عبد الحليم" و"زويل".. لكن ما دخل مباراة لكرة القدم أياً كانت أهميتها بالقرآن؟ وما علاقة القرآن المنزل من عند الرحمن بمصر أو سوريا أو الإمارات حتى؟ مش عارف..

وإبان كارثة العبارة ظهر من علق لدى زميلنا "وائل عباس" كاتباً صياغته لدعاء الركوب قائلاً ما أتذكر منه "قبح الله من كسر لنا هذا وما كنا له منتخبين".. وتدوينة لمدون زميل لا يحضرني اسمه حالياً للغضب علق عليها زميلنا العزيز "أحمد شقير" بما تستحق وكان فحواها أيضاً استخدام تهكمي للقرآن الكريم..

هذا الاستخدام الممجوج للقرآن الكريم في السخرية يعيد للذهن فكرة الـ parody..

يعرف "التأليس" على الأغاني في عرف الموسيقى وفنون أخرى بالـparody..وهو ببساطة شديدة تحريف كلمات الأغنية (في الموسيقى) أو محتوى الفيلم (في السينما) بطريقة ساخرة تهكمية مضحكة ، ومما يحضرني من أمثلة أغنية ظهرت قبيل غزو العراق بعنوان inspect وهي تسخر من إلحاح "جورج دابليو بوش" على التفتيش على المنشآت النووية العراقية كما لو كانت أهم من شئون بلاده الداخلية ، وهي تقليد ساخر لأغنية respect التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي.. والـ parody يشبه ما كان يعرف في الأدب العربي بـ"المعارضات" حيث كان الشاعر يكتب قصيدة كاملة على نفس وزن وقافية قصيدة أخرى ، ثم تطور ليصبح ساخراً وتهكمياً ، ومارسه عدد من الشعراء المعاصرين وكتاب الأغاني في بداية حياتهم ..وانتشرت parodies لأغان مصرية وعربية شهيرة منها ما هو مهذب وما هو "قليل الأدب".. وكلها مضحكة لأقصى مدى.. وغرضها تهكمي في الأساس بغض النظر عن حب صاحب الـparody للأغنية الأصلية أم لا ..

تعريض أغنية للسخرية هو أمر يخضع لقبول الشخص للسخرية من عدمه ، ومن قبوله للأغنية وللغناء عموماً من عدمه ، أما أن تعريض القرآن الكريم للسخرية فهذا أمر غير مقبول مهما كان حسن نية صاحبه..

مع احترامي لوجهة نظر زميلي وصديقي "محمد إلهامي" .. هناك فرق رهيب بين ما قام به شعراء وأدباء "تأثراً بالقرآن" وبين ما يحدث حالياً..

هناك من "تأثر" بالقرآن فنقل من تعبيراته في سياق غير ساخر ، وحتى عندما فكر في السخرية لم يضع الآية موضعاً للسخرية ، ولم يحرف فيها حرفاً، واقتبس منها مع وعي ودراية كاملة بمعنى الأصل القرآني ، وهو تصرف ينطبق عليه ما قاله "إلهامي" بقوله "لا غبار عليه" ، بل إني أراه طبيعياً في ظل عدم وجود نص صريح يحرمه ، وفي ظل حقيقة أنه لولا القرآن ولولا الرسالة المحمدية لماتت اللغة العربية ، ولما انتشرت ، ولما أصبحت من لغات منظمة الأمم المتحدة ، ولما أصبح لها شعر ونثر وقصة ورواية وأدب..

وفي المقابل هناك من "حرَّف" الآية بالكامل وغيَّر في سياق ساخر تهكمي لا محل له من الإعراب ولا من المنطق ولا من أي شيء.. والأمثلة الثلاثة وغيرها تغني عن مزيد بيان..

لفاعلي تلك التصرفات من حسني النية أوصي نفسي وإياهم -إذ لا خير فيمن يوصي غيره بشيء وينسى نفسه- بتوخي الحذر ، ولا كلام عندي لمن يفعل ذلك عن سوء نية .. لا نريد أن نتحول إلى دانمارك أخرى ولا هولندا أخرى ، فلسنا هم..ولا نريد أن نكون هم فيما يتعلق بديننا ولا أديان الغير.. دمتم بخير..

7 comments:

Anonymous said...

جزاك الله خيراً على التنبيه
استعرت عبارة الهامي - نحسبه على خير و لا نزكيه على الله - بحسن نية، و لولا نصيحة من هم مثلك ماكنت أرى في ذلك بأسا
نعوذ بالله أن نكون ممن لا يتناهون عن منكر فعلو

sakayar said...

جزاك الله خير بجد على التدوينة دي
لاننا فعلاً أصبح الأمر لدينا سهل وكإنه شيء عادي جداً وإذا نصحت أحدهم يرد بلا خجل " هو أنا عملت حاجة؟ " متناسين قول الله
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
ربنا يغفر لنا جميعاً ويهدينا

ألِف said...

استعارة و محاكاة أسلوب القرآن ليس جديدا و يتبعه الأدباء منذ القدم. تحالف التفاهة مع الرغبة في إبداء التدين هما اللذان جعلاه موضوعا هذه الأيام.

قد تدفع بأنك لم تكن لتمانع لو كان الموضوع "جادا" أو "رصينا" أو "تربويا" في رأيك و ان ما ترفضه هو الموضوع و ليس الشكل، لكن هذا شأنك و لا يمكن أن تتوقع أن يتفق كل الناس معك.

السخيف في الأمر في نظري ليس استخدام الأسلوب القرآني في مسائل تافهة كالتنابذ حول كرة القدم، لأن القرآن ليس ملكا لأحد ليحدد للآخرين المسموحات و الممنوعات في استخدامه، لكن السخيف في نظري هو التلكيك على هذه النقطة، كأن المصريين هم حماة القآن الكريم في العالم، و تطور الامر ليصل إلى اتهام الجزائريين أنهم "يهود" و هلاوس أخرى يختلط فيها الجهل بالعنصرية بالشطط و الشوفينية

هذا الأسلوب الديماجوجي الذي يدفع بتوافه الأمور لمجرد أنها تثير حفيظة الناس طمعا في تجييشهم و استفزازهم هو ما يزعجني في المسألة كلها.

أما الغناء فذاك موضوع آخر.

قلم جاف said...

ألف:

أولاً: هذه المدونة كلها كما هو مكتوب هو "محاولة" للفهم ، وليس الغرض منها فرض رأي أو وجهة نظر..

ثانياً : من حقي أن أكتب عن شيء استوقفني كما من حقك أن تعتبره شيئاً تافهاً..

ثالثاً :أود أن أعرف ما هو المقصود بـ"التلكيك" في تعليقك..

رابعاً : أصبت بالذهول عندما قرأت هذه الفقرة :

السخيف في الأمر في نظري ليس استخدام الأسلوب القرآني في مسائل تافهة كالتنابذ حول كرة القدم، لأن القرآن ليس ملكا لأحد ليحدد للآخرين المسموحات و الممنوعات في استخدامه، لكن السخيف في نظري هو التلكيك على هذه النقطة، كأن المصريين هم حماة القآن الكريم في العالم، و تطور الامر ليصل إلى اتهام الجزائريين أنهم "يهود" و هلاوس أخرى يختلط فيها الجهل بالعنصرية بالشطط و الشوفينية

هذا الأسلوب الديماجوجي الذي يدفع بتوافه الأمور لمجرد أنها تثير حفيظة الناس طمعا في تجييشهم و استفزازهم هو ما يزعجني في المسألة كلها.

..


لم أكن أتصور وجود هذا الكم من "الكلام الكبير" في حسباني عندما كتبت تلك التدوينة.. كان تركيزي حين كتبت تلك السطور على الممارسة نفسها من حيث هي ..

المثال الجزائري نفسه قيل في معرض السخرية من المصريين ، وكان سؤالي ببساطة لماذا اختاروا القرآن "بالعنية" للسخرية منا كما لو كان الذكر الحكيم ملكاً لدولة دون أخرى..

ما استغربته أنه على الرغم من أن شعوب منطقتنا تتفاخر بأنها الأكثر تديناً فإنها تشهد مثل تلك الممارسات "المستفزة" لمشاعر العديد من الناس الدينية..

ولا أعتقد أن من تستفزهم تلك الممارسات مرضى أو جهلة كما يحلو لبعض المستثقفين الادعاء ، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية عندما عرض المسلسل الكارتوني الشهير "الله ، الشيطان ، بوب" والذي تضمن تناولاً تهكمياً لقصص دينية ، أثار حفيظة المسلمين والمسيحيين واليهود معاً..مما دفع بصناعه إلى إلغائه بعد تجهيز ثلاث عشر حلقة عرضت منها أربعة فقط داخل الولايات المتحدة الأمريكية..

أخيراً.. لي تفسير قد تختلف معه لتلك الممارسات ، نصفه قلته أنت بالفعل وهو التفاهة ، ونصفه الآخر هو الرغبة في الظهور بمظهر
"المتمرد" .. شيء له علاقة ب"التمرد على "سلطة الله" كما يراها السادة "المتمردون".. وهو تحليل سأفرد له تدوينة مستقلة في القريب العاجل جداً بإذن الله .. المهم ما أنساش.. :)

خالص مودتي وتقديري..

محمد إلهامي said...

أنا شخصيا أتفق مع كلام الأخ الكريم "قلم جاف" تماما، وأربط تقييم الاستخدام بالجدية أو السخرية، ففي الأولى مقبول وفي الثانية ينبغي ان نعترض ونرفض.

وأحسب أن قائل "اللهم أنزل على استاد ...." كان صادقا وقالها في ثوب جاد متحسرا على الحالة التي وصل إليها الأمر.

تحياتي لك يا أخي

Anonymous said...
This comment has been removed by the author.
Anonymous said...



اوافق الاخ قلم جاف الرأي