أي مبادرة جادة مثل "مصارحة ومصالحة" ستجد نفسها أمام حائط سد ما دام تطئيف كل شيء منتشراً.. والحقيقة أن التطئيف يشبه من بعيد أنفلونزا الخنازير ، ما إن تظهر الحالة الأولى حتى تستمر العدوى ، وستظل تستمر ما دامت مناعة وطن بأكمله ضعيفة..
فكرت كثيراً قبل الكتابة عن قصة قرية "دير أبو حنس" .. ليس فقط بسبب ما قد يثيره الموضوع من توتر ، بل لأن كاتب هذه السطور يريد توصيل صورة مختلفة ووجهة نظر مغايرة لما سار إليه كثيرون من الناشطين والصحفيين.. مجرد وجه آخر للحقيقة .. الوجه الثقيل الظل بالتحديد..
قرأت القصة من أكثر من مصدر منها "الوفد"،و"اليوم السابع" ، وهالني في الموضوع شيئان .. الأول هو اللجوء المستمر والمزمن لـ"الحل الديني" .. وقد حذرت منه في وقت سابق وفي التدوينة قبل الماضية بالتحديد ، وما زلت عند تحذيري مما ذكرت في التدوينة المذكورة ومن تكراره بغض النظر عن ديانة من يقومون بذلك ، والثاني وهو الأكثر خطورة ما قرأته في مقالات منها مقال "محمد أبو الغار" في "المصري اليوم".. والذي لا يعكس فقط المنطق الغريب الذي حرك ما حدث هناك ، قدر ما يعكس تفكير النخبة التي صنعها المال السياسي في صراعها مع النظام بالإسهام في تدمير البلد بأكمله.. وهم الذين صدعونا طويلاً بأن مصر ليست حزباً ولا نظاماً فقط!
يقول الرجل لا فوض فوه بعبارات "شديدة الذكاء" :
هذه القرية الصغيرة بها دير قديم وتاريخى وسكانها بضعة آلاف من الأقباط، فجأة قرر مسؤول صغير أنه لا يصح أن تكون القرية معظم سكانها أقباط فقرر أن يضم إليها قرى مجاورة لتصبح الأغلبية مسلمة، ثم تم تغيير اسم القرية إلى وادى النعناع وهو الأمر الذى ينم عن غباء شديد وضعف فى الروح الوطنية التى تمزج المسلمين والأقباط..
بسيطة .. هناك من أشعل الأمور هناك فيأتي الكاتب في وجود الصحيفة التي تنشر مقاله لتوافقه مع خطها الفكري -المستقيم طحن- ليسكب جركناً من "أنظف" أنواع البنزين..
ويتواكب هذا الهراء مع ما قاله متطرفون بأن الغرض هو "محو الهوية القبطية للقرية"..
أهلاً!
في بلد عرف التعايش بين الأديان منذ قديم الأزل أصبحنا نتكلم الآن عن منطقتي ومنطقتك .. مناطق للمسلمين ومناطق للأقباط .. وقريباً سيستمر الفرز إلى منطقة للمستصوفين ومنطقة للحسانيين ومنطقة للشيعة .. والشيء مثله بالنسبة للمسيحيين .. كما لو كنا في الجزء الثاني من اللعبة الشهيرة "جي-تي-إيه" حيث تقسم المدينة إلى ثلاث مناطق نفوذ للعصابات المكسيكية واليابانية والأمريكية ، ويا ويله ويا سواد ليله من ينتقل من هذا المكان إلى الآخر.. وجوني زوو ما يعرفش أبوه!*
ثم نتكلم بعد ذلك عن التعايش والمصارحة والمصالحة والوحدة الوطنية!
أي وحدة وطنية تلك التي تغلق فيها كل مجموعة تعتنق ديناً أو مذهباً على نفسها بهذا الشكل؟ كيف تتعايش مع جارك وأنت تغلق كل الأبواب و"تسكر"-مع الاعتذار للشوام- كل الشبابيك والمنافذ؟ أليس الوطن الذي يلوك الجميع به لسانه هو مجموعنا جميعاً؟ وأي تسامح يتحدث عنه الكاتب الفاضل ويعظنا فيه الذي يتحدث بهذا التشنج عن توزيع السكان في قرى أو حتى مدينة؟
هذه الانعزالية موجودة ، وقاومها مثقفون مصريون مسلمون ومسيحيون على السواء ، لكنها تصطدم بواقع يكتسي ببصمات الجميع .. تذكروا أن أحداث الاحتقان الطائفي عموماً تحدث في الأماكن الأكثر فقراً ، فما بالكم بالصعيد غير السعيد ، الذي هو عن عين الحكومة والمنقذ الكرتوني "المال السياسي" ووسائل الإعلام ورجال الأعمال جد بعيد ، وحيث يتواجد الفقر وانخفاض مستوى التعليم في أي مكان يسهل على أي تطرف أياً كان اتجاهه وأياً كان دينه أن "يلعب".. يقمقم الناس في أماكنهم ، ثم يولد لديهم الرعب من كل من حولهم ويشعرهم بالاضطهاد ، ثم يصور لهم نفسه وكأنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذهم بحيثيته الدينية ونفوذه وقدرته على استخدام الصوت العالي ، رافعاً الشعار المقزز الذي رفعته سينما ما بعد الحراك "ومن النهاردة مفيش حكومة.. أنا الحكومة" (للحصول على المعنى الأدق ضع كلمة "دولة" بدلاً من "حكومة") ،و-بالمرة- ليضمن وجود غاضبين تحت سيطرته ويعتنقون فكره ، تمهيداً لتحريكهم من أجل الوصول إلى هدفه المنشود.. هكذا كان السيناريو إبان انتشار التطرف الديني في منتصف الثمانينات وحقبة الجماعات ، وها هو ذا يتكرر مع أشخاص آخرين في مكان آخر.. ولا أحد طبعاً يتعظ .. وفي مقدمتهم المحسوبون على المثقفين كمالة عدد..
صحة القرار أو خطئه كان يمكن مناقشتها والتدخل فيها بعيداً عن لعبة الدين وسطوة المال .. لكن يبدو أنه وكما يحدث في كل مرة .. يصل الجميع متأخرين.. ويعلم الله وحده باقي الأشياء التي تأخرنا على الوصول إليها..
ذو صلة: تحقيق أجراه صحفي "البديل" "أحمد الفخراني" .. وبه الكثير من النقاط التي تستحق الرد ، وأخرى تستحق التأمل .. دون أن ننسى التأثير "البديلي" في الصياغة!
*يعرفه جيداً جداً من لعب هذه اللعبة!
*يعرفه جيداً جداً من لعب هذه اللعبة!
1 comment:
مرحبا
بعد عمل تقييم من قبل تدوينة دوت كوم لجميع المدونات المصرية نبلغك بأن بعد اضافة مدونتك إلى تدوينة دوت كوم قام العديد من القراء بالاطلاع على مدونتك الشيقة والجميله المليئة بالخواطر لذا ترجو منك اسرة تدوينة دوت كوم بمراسلتنا للأهمية على
Tadwina@gmail.com
حتي نتمكن من ارسال البانر الخاص بنا لوضعه على الصفحة الرئيسية حتى يتمكن العديد من القراء في مصر والدول العربية بالاطلاع على مدوناتك المستحدثة
يمكنك متابعة مدونتك على الرابط التالى:
http://www.tadwina.com/feed/439
مع خالص الشكر
فريق عمل تدوينة دوت كوم
www.tadwina.com
Post a Comment