Friday, May 8, 2009

أنفلونزا الخنازير :التطئيف والتطفيف

0-اسمحوا لي بأن أدلي بوجهة نظر أخرى مغايرة تماماً لما كتب فيه زملاء وأصدقاء فيما يخص موضوع أنفلونزا الخنازير .. فمع احترامي لكل ما كتب إلا أن هناك جوانب أراها الأخطر يتم إغفالها وتخطيها عن عمد.. وجاء الوقت لنتحدث عنها وفي صميمها وبصراحة شديدة..وكلها تدور حول نقطة واحدة .. كيف تستخدم مجموعات المصالح الدين في مواجهاتها مع السلطة والمجتمع المدني..

1-من "هنا" نبدأ..

أعرف أن "عرب تايمز" ليست مصدراً ذا ثقة عالية لدى الكثيرين ، وأن هناك الكثيرين منا وأنا منهم لهم تحفظات على لغة التقرير ، ولكن هذا يضعنا أمام الحقيقة التي يتعمد البعض إغفالها.. وهي أننا عندما نتحدث عن جامعي القمامة فإننا نتحدث عن مجموعة ضغط ، شأنها في ذلك شأن أي نقابة مهنية لأعضائها مصالح وتدافع عنهم ، تصادف أن يكون من ضمن هذه المجموعة ، أو من ذوي النفوذ القوي داخل المجموعة مسيحيون ، كما تصادف أن يكون بين كبار رجال الأعمال المصريين حجماً وتأثيراً مسيحيون ، وهذا شيء جيد في ذاته لأنه يعكس رغبة حقيقية من المسيحيين المصريين في المشاركة في الحياة العامة في مجتمعهم ، ولأنه يعكس أن المناخ في مصر لا تزال به مساحة للنجاح لأي شخص يعمل أياً كان المعتقد أو الديانة التي يؤمن به(ـا).. ولكن ما أرفضه أن يقوم أي شخص ، أو أي شلة ، أو أي مجموعة ، أياً كان دينه أو دينها ، بأن يتحرك داخل المجتمع ويحقق مكاسب عن طريق الدين أو المذهب أو الطائفة..

وما حدث هو وصف حرفي له..

2-أول جزء في اللعبة هي أن تضع علامة يساوي كبيرة بين مصالح التكتل الذي تسيطر عليه والدين ، فهم اعتبروا ، أو أوعزوا لمقربين لهم في الخارج أن ذبح الخنازير هو بمثابة "عدوان على المسيحيين في مصر" .. رغم أنهم يشكلون نسبة ضئيلة منهم ..وبنفس المنطق يعتبر الحسانيون مثلاً أي دورية لشرطة المصنفات على محل لبيع شرائطهم "مؤامرة على الإسلام".. والغريب جداً أنهم -رجال تحالف القمامة- هم من وقفوا بقوة ضد كل محاولات وزراء البيئة السابقين وفي مقدمتهم "منى مكرم عبيد"- المنحدرة من واحدة من أشهر الأسر المسيحية ذات التاريخ الوطني- لإعادة تدوير القمامة بشكل علمي..

فرجال التحالف يتمسكون بصيغة All-or-Nothing في مواجهتهم مع النظام.. الأرض والموقع والقمامة والخنازير معاً دون تنازل عن أي منها، وأي حل وسط مثل نقل المزارع إلى خارج الكتلة السكنية سيقابل بالرفض ، أو يقبل اليوم ثم يرفض عند الدخول في الجد ،وهي الموضة السائدة في التفاوض مع الحكومة حالياً..

ولأننا في زمن "رامي الاعتصامي" فإن أي مجموعة لا ترى سوى مصالحها فقط ، بغض النظر عن مصالح "الأغيار"- باقي المجتمع - كما الحال بالنسبة لسائقي اللواري عندما أضربوا (يتحرق اللي بيموت ع الطريق) ، والصيادلة في إضرابهم الأول* (يتحرق اللي عايز دوا) .. وهو ما ينطبق حرفياً على حالة جامعي القمامة المتمسكين بمزارع الخنازير بمواقعها وبشروطهم .. أياً كان الضرر الصحي المتوقع -بل شبه المؤكد- من تلك المزارع على العاملين فيها وساكني المناطق المحيطة.. منطق أناني لا يتسم مع التسامح الذي تنادي به الأديان .. لكن ما الحاجة لكل لاعب بالدين سوى أن يأخذ من الدين الجانب الذي يريد؟ الجانب العاطفي الذي يؤجج المشاعر ويشعل الإضرابات ويوقد نيران الفتنة والكراهية..

3-وللإمعان في جعل المسألة دينية أكثر ، يجب إلقاء الكرة في ملعب أتباع الدين الآخر، فبدأت المطالبات بجعل خطب الجمعة عشر دقائق (كان هناك كتاب دوري لوزارة الأوقاف أوصى بذلك منذ سنوات.. ما الفرق؟) ..وأداء صلاة الجمعة في العراء (فين العراء دة؟) ..أو تأجيل الحج والعمرة باعتبار أنها قد تكون فرصة لانتقال العدوى بأنفلونزا الخنازير (متناسين أنه لو استفحل الأمر فسيتم إغلاق كل حدود المحافظات وليس البلاد ولو قبل موسم الحج.. بل قد يصل الأمر إلى حظر التجول)..

4-أثار استغرابي أن يكون المسئول عن تجمع جامعي القمامة رجل دين من حيث المبدأ.. صحيح أن جمع القمامة عمل شريف ..لكن يبقى الاتحاد أو التجمع كما سبق التبيان جماعة ضغط يفترض من رئيسها العمل على حماية مصالحها .. ولأننا في عالم لا تسكنه الملائكة فمن الوارد جداً على المستوى النظري أن يحمي رئيس التجمع مصالح أعضائه مستخدماً سلطته الدينية ،كما يستغل العديدون مثلاً من حملة الرتب العسكرية - ولو كانوا على التقاعد - صفتهم في أعمالهم المدنية في الحكم المحلي والأندية والاتحادات الرياضية..

إن نجح تجمع جامعي القمامة في مسعاهم فسيتحول الموضوع إلى موضة،وسيصبح النافذون من ذوي الصلة بالتنظيمات السلفية أو الصوفية مطلوبين للعمل داخل النقابات والاتحادات العمالية ، كسباً للدين كورقة للتفاوض.. ولإحداث أعلى كمية ممكنة من الضجيج عندما يتطلب "الأمر" ذلك.. وبذلك فسيكون عندنا "بش" و "تس".. إتجار بالدين لتسويق السياسات يقابله إتجار بالدين لمقاومتها.. شفتوا بقينا شعب متدين إزاي؟ :(

هنا أثمن وبشدة الموقف الرسمي للكنيسة المصرية الذي أغلق الباب في وجه هذه اللعبة ، التي إن نجحت فسنكون على أعتاب مونديال للاتجار الديني ، في ظل استغلال الدين- أكرر :أي دين - لحماية مصالح ضيقة بالتطئيف والتطفيف..
*وقد عدلوا عن ذلك بعد الإضراب الأول حيث حددوا- بعد أن لمسوا غضب الشارع - صيدليات معينة تفتح أثناء الإضراب ، وكذلك فعل الأطباء عندما قرروا جعل إضرابهم قاصراً على العيادات الخاصة..

7 comments:

بنت القمر said...
This comment has been removed by the author.
بنت القمر said...

يعني مش عارفه اقولك ايه يا شريف
بجد افضل ما كتب في الموضوع تدوينتك دي وخصوصا فكرة جماعه الضغط المتلحفه بالدين
واعتقد ان البابا نفسه اذكي من ادار الموقف ففي حين تجنب الصراع مع الدوله في حين ضمن وظائف لجامعي القمامه في شركات النظافه الاجنبية _مصرية"ساويرس"في حين القيت كره اللهب في حجر اعضاء مجلس الشعب الاخوان باعتبارهم متطرفين ارهابييين يحاربون القله المستضعفه اجتماعيا ودينيا في اكل عيشهم
وغرقنا في تحليلات دبح الخنازير مفيد ولالا
اجراء ضروري ولا مبالغ فيه
!
وحينما نرغب في الانحياز للنموذج الغربي في الحياة نمشيها _بره محدش بيعمل كده_ووحين تكون مصالحنا متعارضه نترك جامعي القمامه يعيشون في المقالب ويربون اولادهم وسط الحيوانات
اه من الكيل بالف مكيال

mido said...

لكن احنا الدولة الوحيدة اللى قررت اعدام الخنازير و دبحها على الرغم من اعتراض و استغراب منتظمة الصحة العالمية

انا مع نقل الزرائب خارج الكتل السكنية

http://adham2009.blogspot.com/2009/05/blog-post_09.html

tata said...

بجد اعجبنى رأيك جدا وتحليلك للظروف الحالية للمشكلة دى لكن مع ذلك ماننساش ان الحكومة تعاملت بمنتهى الغباء وبدون ادنى مسئولية او رؤية سليمة مع الوضع ... حتى الان لا يوجد تفسير واحد لاعدام الخنازير .. بعد تأكيد ان الفيرس ينتقل الان من انسان الى انسان ومع العلم اننا الدولة الوحيدة اللى لم تظهر بها اى صابة ومع ذلك قمنا بأعدام الخنازير رغم ان المكسيك مصدر العدو لم تقم بأتخاذ مثل هذا قرار ... حتى بعد انتشار العدو بشكل مخيف ... القصة ان جماعات الضغط اصبحت الورقة الفعالة ضد الحكومة حاليا بما ان الحكومة بتعمل ودن من طين وودن من عجين

قلم جاف said...

tata :

1-أهلاً وسهلاً بجماعات الضغط لما تبقى واضحة ومحترمة ومبتتاجرش بالدين ومبتغشش مجتمعها.. يعني عكس اللي بيحصل دلوقت..

جماعات الضغط الحالية مدرسة في الغش والابتزاز الرخيص .. ألوي دراع الحكومة بكسر دراع الشعب .. وأنتظر من الشعب يتعاطف معايا عنداً في الحكومة .. أقول قدام أعضاء التجمع مطالب ، وقدام وسائل الإعلام مطالب تانية .. وقدام الحكومة ساعة التفاوض مطالب تالتة ،وأخرج من المؤتمر لوسائل الإعلام وأقول لهم اتفقنا خلاص ويا دار ما دخلك شر ،ولما يتنفذ الكلام أرجع في كلامي وأعمل مجنون وأقول مش دة اتفاقنا ، وأرجع تاني أحتج وأحنجر وأتشنج علشان أكسب الناس معايا فتيجي الحكومة تتفاوض أقوم مكرر نفس اللي أنا عامله من جديد..

إيه رأيك في اللي بيفكر كدة؟ دة منظر يستاهل التعاطف معاه؟ دة صووووووووت؟

2-المشكلة أكبر من مشكلة خنازير .. الوضع البيئي في مصر كله عايز يتصلح ، مش معقول إني أعمل مزارع خنازير بالشكل دة وسط كتلة سكنية مليانة بقمامة بتتحلل مكوناتها بالشكل البشع دة وأتوقع إن مفيش أمراض تنتشر لا بين العمال ولا بين المخالطين ولا بين سكان المناطق المجاورة..علشان سواد عيون مجموعة من الناس بتنتفع بالوضع الحالي ..

الحلول موجودة ومعروفة .. لكن فكرك جماعات الضغط من أصحاب المصالح حيقبلوا؟

أشك.. محدش عايز يستفيد ومجتمعه يستفيد .. همة عايزين يستفيدوا وبس .. صورة من رجال الأعمال التقال المتفشخرين .. نفس المنطق..

قلم جاف said...

ميدو :

أترك لك هذا المقال عن المسألة كما كتب عنه الدكتور عبد الهادي مصباح .. وقد أورده في تحديث على التدوينة :

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=210685&IssueID=1403

جماعة الضغط أرادتها لعبة في اتجاه معين ونجحت في تسيير التعاطف الشارعي معها بكل أسف .. بعيداً عن النظرة الأبعد للمستقبل ولما يمكن أن يسببه وضع شاذ ومريض كهذا..وطبيعي أن يضيع مقال موضوعي كالذي كتبه الدكتور مصباح يستند لأسانيد علمية وسط حالة الهياج التي نجحت الجماعة ، وستنجح غيرها بكل أسف ، في صنعها وخداعنا بها..

قلم جاف said...

العزيزة بنت القمر :

أتفق بشدة مع جملتك الأخيرة وأضيف:

ما يلفت نظري أن بعض الاعتصاميين لم يحركوا ساكناً إزاء سوء الأحوال المعيشية لمخالطي الخنازير كما لو كانت الخنازير أهم لديهم من مخالطيها ومن أناس آخرين من فصيلة البطة السوداء كالمختطفين في الصومال الذين لم يجدوا وزارة الخارجية ولا الاعتصاميين أنفسهم!

عندما يكون البني خنزير أهم من البني آدم لا تستبعدي أي شيء.. :(