Monday, October 13, 2008

أزهى عصور السكسوقراطية!

لمن يصرخون على "التحرش الجنسي" .. أقول له "ما غريب إلا الشوشو"!

فالمفردات والشتائم والألفاظ ذات الإيحاءات الجنسية منتشرة للغاية بين شرائح متعددة من الشعب .. وفي انتشار مستمر .. ويتعلمها "النشء الصاعد" بطريقة أو بأخرى في مراحل سنية مبكرة إما للتماشي مع المجموع وتفادي العزلة والنظرة "الدونية" لمن لا يعرف "لغة" أو حتى كسلاح دفاعي .. ولم تعد المسألة قاصرة فقط على الشبان فقط .. هناك فتيات يعرفن "اللغة" لنفس الأسباب التي يعرف الذكور من أجلها نفس المصطلحات ..ورغم أنني لم أعش فترات سابقة من التاريخ الاجتماعي المصري إلا أنني أشعر أن مجتمعاتنا لم تكن "مهذبة" لغوياً بالشكل الجميل المنمق الذي كنا نراه في أفلام الخمسينات والستينات ، وكانت "اللغة" مستخدمة فيه هي الأخرى بشكل رائج في مجتمعات أكثر انغلاقاً!

و"اللغة" تزحف بشكل أو بآخر حتى على الفن .. والجنس نفسه أصبح بالمناسبة معياراً من الباب للطاق لـ"الجرأة" في الأعمال الفنية والأدبية .. ومعياراً لجذب شرائح من الجماهير لأعمال فنية وأدبية بعينها (الفيلم دة قصة ولا مناظر).. وهناك من يقول - وهو قول له منطقه ووجاهته- أن الدراما رسبت عن غير قصد إلحاحاً على مفهوم الحب التقليدي بمعنى أن الشخص يجب أن يدخل في قصة حب لكي يتزوج.. (مش الواحد عايز برضه يحب ويتحب؟ -معنى كلام قاله لي أحد السادة المتحرشين).. وحتى في أكثر الشرائح محافظة نجد الإفيهات والإيحاءات الجنسية من أكثر المواضيع مناقشةً..

وهناك علامة يساوي كبيرة موضوعة بين الزواج والجنس .. ويلعب الجنس دوراً كبيراً في الإلحاح المجتمعي والمذهبي الديني (وليس الديني) على الزواج بصفته -فقط كما يزعمون- وسيلة لتقويم الشهوة الجنسية (وسيبكم بقى من المودة والرحمة والنسب والصهر المذكورين في القرآن الكريم)..وهو إلحاح عنيف وظالم على من هم في سن الزواج يضغط عليهم بقسوة ويجبر منهم من يجبر على الدخول في اختيارات خاطئة يدفع أو تدفع ثمنها فيما بعد .. وقد يدفع البعض الآخر لسلوك طرق ملتوية يحقق بها ما يريد.. وفي كل الحالات يظلم نفسه ومن حوله..

والجنس مستخدم في الدعاية المذهبية بشكل مبتذل.. فما الحالة الهباب التي تعيشها "الأمة" والتي من مظاهرها ارتفاع معدلات الطلاق والانفصال (طبقاً لإحصائيات المراكز البحثية البوليسية*) إلا نتيجة طبيعية لتعسير الزواج وغلاء المهور (ولا مانع من الاستشهاد بأحاديث مفرغة من سياقها) تدفع الناس دفعاً إلى الزنا والزواج العرفي (عليه انقسام فقهي كبير حتى داخل المدرسة السلفية) ولعدم "غض البصر" (ولا خلاف على الإطلاق فيه ونحن مأمورون به بنص القرآن الكريم.. لكن هل النظر إلى الحرام وحده هو الحرام الوحيد؟) .. وكل من يجرؤ على انتقاد هذا الإلحاح.. ومعه من يقول بفطرته البسيطة أن "الجواز قسمة ونصيب" ولا داعي لهذا الإلحاح الفج عليه ينتظره التفسير الغبي والجاهل لقول الله تعالى "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا..." (سورة النور: 19).. لماذا لم نسمع من يمطرون الناس بهذه التفاسير يحاضروننا في "الفاحشة" و"الفحشاء" و"الفحش" وهي مفاهيم تنطبق على أشياء كثيرة في حياتنا؟ إن صدقت مساعيهم في ذلك ربما تتغير الأمور للأفضل كما أسهموا في تغيير أمور أقل أهمية لدى الناس..

انتشار التحرش أمر طبيعي جداً إذا كان هذا هو الواقع.. هناك من يقول أن التحرش ليس سببه مظهر الفتاة وملابسها (وهو قول له ما يؤيده وما يعارضه لدى البعض) فأضيف أنه أيضاً ولو المهور بملاليم والشقق مرمية والشغل في كل حتة (على رأي الشاعر الذي لا أحبه "أيمن بهجت قمر") فسيستمر التحرش وسيستمر الانحراف وستستمر الأمور على ما هي عليه..

إلى أن نعترف بأصل الداء.. وألا نجده يقابل باستسلام مجتمعي وسلبية من قبل كثيرين ممن يعظوننا في الدين.. ساعتها ستتغير الصورة للأفضل بإذن الله..
* ولا داعي لدفعي للإفراط في ذكر رأيي الشخصي في تلك المراكز كي لا أجد نفسي -غصب عني- وقد سقطت في فخ استخدام اللغة! :)

2 comments:

Cleo said...

اسمحلى أحييك جدا على ثراء لغتك وقدرتك على اللعب بها.. حلوة قوى السكسوقراطية دى... :-) وعلى فكرة هى تمشى كمان لوصف واقعنا السياسى :-)

اسمحلى أدلو بدلوى فى موضوع التحرش لو سمحت..

أولا محدش فينا مختلف إن الدين أصبح جلباب قصير ونقاب أسود وإن النظرة للدين لخصها وحيد حامد فى فيلم الإرهاب والكباب حين خاطب المتطرف فتاة الليل قائلا :"مش ناقصك غير ثوب طويل وخمار وتبقى من الفاضلات" نفس الكلام ينطبق على إطلاق اللحى بالنسبة للرجال..

محدش بيبص للدين على انه مودة ورحمة وتكافل وعدل وأمانة وصدق وشرف وكرامة..يبقى الدين فى حقيقته أصبح "برة اللعبة"

ثانيا الأدب: عصر الانفتاح وصعود الطبقات الدنيا التى لا يحكمها فى الأصل عرف ولا إتيكيت ولا تقاليد..إلخ إلى سطح المجتمع، وحبهم للتقوى (من القوة) بأموالهم وما فتحته لهم من أبواب النفوذ ولد وعزز مبدأ "العزة بالإثم" وأصبحنا نجد ولى الأمر فى المدرسة يفغر فاه الإذن للإذن ويجعر زى الغول "أنا ابنى ما ينضربش.. أنا أجيبلكم المدرسة عاليها واطيها" أو كما قال الفنان الخالد فى سعيد صالح فى المسرحية التراثية الخالدة "مدرسة المشاغبين" : واللى خلق الخلق أخليلكم أبويا يفتحلنا مدرسة على حسابه.

ثالثا: كان أول إنجاز لوزارة حبيب العادلى هى إلغاء شعار "الشرطة فى خدمة الشعببما وما يثبته هذا الفعل من إيحاء بأن الشرعة رفعت دها عن الشعب وانشلله ناكل فى بعض...

أولا وثانيا وثالثا أدوا إلى انهيار منظومة الأخلاق والحياء بل وحتى الخوف من أن يراك الناس ترتجب أى جريمة بما فى ذلك التحرش..

زمان كان التحرش فى الخفاء، بالاحتكاك الخفيف فى الأوتوبيسات، أو فى أى زحام وإذا ثارت المتجرش بها يسارع المجرم بالدفاع عن نفسه وإنكار الجريمة.. دلوقتى بقى عينى عينك وتحرش جماعى واللى له شوق فى كلمة يقولها يورينا نفسه!!

AG said...

مسكت في "الجنسي" و تركت التحرش. الحقيقة أن هذا الذي تتحدث عنه ليس جنسا في أغلبه، بل هو عنف يجد مخرجه في الإناث، كما يجد مخرجه في موضوعات أخرى أحيانا أخرى. كنت سأسمى التدوينة "أزهى عصور القمعقراطية!".

على العموم، قد يثير اهتمامك أن تعرف أن في المصرية القديمة--و بالتالي عامية اليوم--الجذر "ن-ك" يشير إلى الفعل الجنسي، و بقدر مساو يشير إلى الإيلام.