Thursday, September 4, 2008

الإسلام والحضارة: السقيفة والفتوحات

نبقى مرة أخرى مع ما قاله "علاء الأسواني".. ومع أهم منعطفين في تاريخ الحضارة الإسلامية.. سقيفة بني ساعدة ، والفتوحات الإسلامية.. وكلاهما يؤكد ما سبق ذكره في الجزء الأول..

وكلنا نذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حضره الموت لم يفرض على المسلمين شخصا معينا ليحكمهم بعده , ولو أنه فعل لما راجعه أحد فى ذلك , لكنه أراد أن يرسى حق المسلمين الديمقراطى فى إختيار حاكمهم بإرادتهم الحرة .. وقد نتج عن ذلك أن عقد المسلمون إجتماع السقيفة وهو بلغة اليوم إجتماع برلمانى ديمقراطى من طراز رفيع

المعروف أن الدين قد تم بنهاية الوحي بدليل قول الله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"-المائدة (3) وهي من أواخر ما أنزل من الذكر الحكيم- وما بعد تلك المرحلة هي اجتهادات وأحكام بنيت على الأساس الذي أُرسِيَ في فترة النبوة..

ما حدث لم يكن له صلة بالدين.. بل كانت واقعية سياسية من قبل الصحابة رضوان الله عليهم..

لم يحدد الرسول الكريم بالفعل شخصاً يخلفه ، وبالتالي كان يجب على المسلمين أن يختاروا شخصاً يجمعون عليه بحكم حساسية تلك المرحلة (والتي تأكدت فيما بعد) .. وكان الحل هو الشورى التي يعتقد البعض من أصحاب التيارات السياسية أنها تعني الديمقراطية ، وإن كانت في رأيي أبعد وأعمق من ذلك..الشورى في الحياة وليست في السياسة فقط.. قليل من التدبر لكلمة "أمرهم" السابقة لـ"شورى" في الآية يفي بالغرض.. ولنا عنها بإذن الله كلام..

والمذهل.. والمذهل فعلاً .. أنه في الوقت الذي ينتقد فيه بعض الأتاتورك بعنف تلك الحقبة واصفين إياها بأنها فترة تغلب الثقافة القبلية ، نجد الثقافة القبلية نفسها هي الأكثر ترحاباً بفكرة الشورى واتخاذ القرار الجماعي ، كان العرب كذلك أيام الجاهلية ، وكانوا كذلك في وجود الرسول الكريم (ص) أكمل البشر ، وظل كذلك بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، على العكس من المجتمعات التي كونت دولاً وحضارات في تلك الفترة حيث سادتها مركزية القرار وأحادية اتخاذه.. إلى درجة كان يعتبر فيها الحاكم ظل الإله على الأرض بل كان نفسه يؤله في مجتمعات بعينها.. لم نكن نسمع في قريش عن سيد واحد متفرد باتخاذ القرارات بل كان الكل يستشارون ويؤخذ رأيهم..

ولم تستفد الدول الإسلامية من هذه الفكرة بشكل كامل فيمَ بعد..سنأتي على ذكر تلك النقطة بعد قليل..

نأتي إلى الفتوحات..

كانت الحروب في تلك الفترة عموماً ضرورة بقاء أكثر منها أي شيء آخر..حتى لو قال من قال أن غرضها التوسع فقط.. التوسع أيضاً في هذه الفترة من تاريخ البشر كان مسألة حياة في ظل وجود قوى لن ترحب بالكيان الوليد.. لهذا كان على الخليفة أبي بكر الصديق ومن بعده عمر بن الخطاب العمل على محورين.. جبهة داخلية مستقرة .. وجيش قوي منظم أمَّن لهم نجاحات عسكرية باهرة في زمن قياسي..

كانت الفتوحات عموماً سلاحاً ذا حدين.. ضمنت انتشاراً جغرافياً أوسع للإسلام وقوةً أكبر لكيان الخلافة ، وأعطت الفرصة للخلفاء للوقوف على نظم إدارة الدولة والحكم السائدة والتي لم يقابل معظمها - كنظم الضرائب والدواوين مثلاً- بأي مقاومة باعتبار أنها شئون دنيوية خالصة لا تتنافى مع ما جاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .. وتصادف في تلك الفترة أن كان الحكم في أكبر دول العالم في تلك الفترة وراثياً ، على عكس ما سار عليه الأمر في عهد الخلفاء الراشدين.. وهنا كانت مرحلة الانتقال من مرحلة ما بعد النبوة إلى مرحلة الدولة المنظمة .. من الشورى إلى ما يشبه الديكتاتورية..

ومن الغريب- كما سبق البيان- أن الحضارة الإسلامية بمكوناتها الثقافية والعسكرية ازدهرت أكثر في مرحلة الخلافتين الأموية والعباسية.. بكل ما فيهما من إقطاع وفساد أخلاقي وتطرف فكري..

أعلم أن السطور السابقة مملة و"رخمة" بعض الشيء الكثير.. لكن قصدت أن أخرج منها إلى عدة خلاصات أريد مناقشتها معكم..

أولها.. من الظلم اعتبار الحضارة مقياساً لنجاح أي دين .. فالعوامل الدنيوية تلعب الدور الأكبر في صنع أي حضارة .. وفهم الفصل بين شئون الدنيا والدين ساعد الحكام على تقبل العديد من النظم السائدة (الحلو منها والوحش) وتطبيقها..وثانيها أن تعليق الاستبداد على شماعة الدين جهل سراح.. فجميع النظم السياسية في العالم ذات علاقة بالدين بمن فيها تلك التي تعتبر الدين أفيوناً الشعوب .. وثالثها.. أنه كان من الممكن أن تبقى الحضارة الإسلامية فترةً أطول لو تمسكت أكثر بالقيم التي جاء الإسلام من أجلها ..تلك القيم التي كان يفترض بها أن تعطي إطاراً أخلاقياً يحمي الدولة ويطيل فترة صلاحيتها.. أن يتعايش الناس بتلك القيم وأن يعملوا بجد ويحققوا نجاحاً يكفيهم غيرهم أهم من ألف كتاب وعشرة آلاف مبنى وعشرين ألف معركة.. دمتم بألف خير .. وكل عام أنتم بخير..

2 comments:

عباس العبد said...

بستأذن حضرتك فى نشر جزء من التدوينتين
عندى فى المدونة مع وضع وصلة الى المدونة
---
و كل سنة و أنت طيب
و رمضان كريم

قلم جاف said...

انت تأمر يا عِبس .. واعتبر البيت بيتك مش بيت أحمد عز بتاع القناة التانية! :)