Saturday, May 24, 2008

المسلماني يناقض المسلماني

في إحدى حلقات برنامجه المتواضع جداً "الطبعة الأولى" شن "أحمد المسلماني" هجوماً عنيفاً على بعض خطباء المساجد الذين هاجموا بدورهم المواطنين وحَمِّلوهم مسئولية الغلاء الذي نكتوي جميعاً بناره نتيجة الفساد الأخلاقي الذي نعيشه على أساس أن ما يحدث هو عقاب من الله عز وجل على الفساد المتفشي داخل مجتمعاتنا ..وقال أن هذا الكلام غير علمي وغير دقيق وأنه على أئمة المساجد أن يحترموا المسلمين أكثر من ذلك..

لم أسمع عن نفسي خطيباً في دائرتي تحدث بهذا المنطق.. وهو تصرف إن حدث بالشكل الذي نوه عنه السيد الصحفي الموقر فهو ينم عن قسوة وفظاظة في الخطاب .. وهو يصل في قمة التنطع في رأيي إن كان ذلك على سبيل الدعاية المذهبية ، كأن نرى خطيباً سلفياً أو صوفياً أو شيعياً يشن عليك هجوماً عنيفاً ويحملك مسئولية فساد هذا الكون فقط لأن مذهب سيادة الخطيب لا يعيش أفضل حالاته..

وفي جميع الحالات السيد المسلماني مخطئ.. ويغالط نفسه..

أولاً.. لا خلاف على أن ما حدث من تدهور اقتصادي هو تراكم لسياسات اقتصادية حدثت على مدى عقود من الزمان ، أتمنى من الرجل أن تكون ذاكرته أقوى وأبعد من مدى الحكومة الحالية فما قبلها به حقول جراح أكثر إيلاماً من أن تُنكأ.. ولا شك أن إقصاء السبب الدنيوي هو نوع من أنواع الاتكالية والتواكل المرفوضين في الدين الحنيف ، حتى وإن كانت الشلل المذهبية سبباً رئيساً في زراعة هذا النوع من التفكير داخل عقولنا..

لكن مبلغ علمي أن أي إنسان مؤمن بأي دين كان ، يؤمن بأن هناك للكون إله ، وبأن هذا الإله خلقه ، ويرزقه ، ويحاسبه.. بعبارة أخرى: حتى ونحن نحلل الأسباب ونبحث عن حلول -ونحن مطالبون بذلك- لا يجب أن نقفز على هذه الحقيقة ما دمنا ذوي "دين"..

ثانياً.. هناك في القرآن الكريم آية يقول فيها الحق تبارك وتعالى : "إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد-11) .. وفي موضع آخر "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" (الروم -41)..

بحسبة دينية .. وبحسبة دنيوية .. هناك سياسات فاسدة .. وسلوكيات فاسدة أيضاً..رشوة فوق ورشوة تحت .. الكبير يسرق والصغير أيضاً.. والصغير يبيح لنفسه الاستغلال طالما أن الكبير يفعل ذلك.. هناك من يشتكي من الغلاء ثم "يقرص" عليك في الأسعار بمنطق "زيي زي غيري".. وفي الشئون التجارية والاقتصادية حدث ولا حرج.. احتكار .. تهليب .. غش.. انعدام للشفافية ..انزل أكثر لتجد أكل مال اليتيم بالتي هي (أ....).. والحصول على المواريث بالاحتيال والغش.. وإضفاء مسميات "أخف دماً" على الرشاوى والعمولات ..الخ..

ولماذا نذهب بعيداً .. إذا كان المسلماني- نفسه- قد تحدث في الموضوع في مقاله بتاريخ الحادي والثلاثين من مارس هذا العام بشكل أدق!

أمور كهذه كانت تستحق أن تحتل ترتيباً في مواضيع خطباء الجمعة ، بهدوء وعقلانية لا بعنف وبقسوة ، ودون نفاق أيضاً للمجموع وإسهام في "تبنيجه" وتخديره كما تفعل الصحافة والميديا عندنا بكل أسف.. وإذا كان نفر من الكتاب يهش ويبتهج عندما يرى بعض الخطباء يستغلون منابرهم للهجوم على حكام الجور وعلماء الزور.. فمن باب أولى أن يطلب هذا النفر من الخطباء توسيع مساحة الحديث في أمور هناك من يستفيد من إقصائها من الخطاب الديني .. كان من باب أولى أن أجد الخطيب الواقف على المنبر يطلب مني مقاطعة البائع المستغل قبل مقاطعة المنتجات الأمريكية والهولندية والسييراليونية..لكن من الواضح أن كل يسير في طريق .. الصحفيون والخطباء ..ونحن أيضاً..دمتم بألف خير..

3 comments:

مهندس مسلم said...

انا كمان الخطيب اللي بحضرله ما اتكلمش كده خالص
وانا اتفق معاك ان مواضيع زي الرشوة وغبن البيع يجب ان يكون لها اوليه في الخطاب الديني خاصة في هذا الزمان

مـحـمـد مـفـيـد said...

بص يا شريف
علي طول حلقات البرنامج هتلاقي حاجات للمسلماني مش ممكن
فكره البرنامج كويسه انما هو
لا يطاق

ألِف said...

قريت على جدار أحد الأوتوبيسات "سيستمر الغلاء إن لم تتحجب النساء" و دا كان قبل موجة الغلاء بتاعة العلاوة. في ناس سذج مستعدين يصدقوا الكلام دا لأنه أسهل من التحليل ال أنت طرحته و مش محتاج منهم يعملوا حاجة بما أنه قدر، و فيه ناس بتبيعه لهم.

صحيح يا مهندس مسلم، أنا أفكر في أن موضوعات المعاملات لازم تكون هي ما تركز عليه الخطب، أمثلة أن ترجع في بيع كنت اتفقت عليه عندما تجد من يمكنه أن يدفع أكثر؛ أو أن تبيع بسعر جديد كبير ما كنت اشتريته بسعر قديم قليل، و غيرها مما أصبح مبرَّرا أخلاقيا لدى أغلب الناس.