Sunday, July 8, 2007

سلمان رشدي : هل عملنا للـ(.....)قيمة؟

من أول ما درسته في الكلية ما يعرف بالـopportunity cost..تكلفة الفرصة الضائعة أو أقرب بديل كما يحلو للبعض الوصف.. هذا المصطلح الاقتصادي له خارج الاقتصاد معنى كبير ، فهو يجعلك تستشعر حقيقة فداحة أخطائك في اختياراتك وقراراتك!

قفز هذا المصطلح فجأة عندما رأينا بريطانيا تكرم المدعو سلمان رشدي صاحب "الآيات الشيطانية".. وكم أنه تحول إلى بطل في أوروبا بل وأحياناً في بلادنا بسبب فتوى لآية الله الخميني أهدر فيها دمه..بل ومكافأة تسيل أي لعاب لمن يحش رأسه!

كان أقرب بديل أن يتم تقزيم سلمان رشدي ، ساعتها لن يبرح حجمه الطبيعي ، وسيبقى مثله مثل أقزام كثر اعتادوا البحث عن بيزنس شخصي في العالم الغربي وعن شهرة زائفة..

لكن كان للنظام الطهراني وملاليه رأي آخر .. فقد كانوا يسعون لتقديم نموذجهم الذي ظل ملهماً لجماعات متطرفة كثيرة (حتى ولو اختلفت أيديولوجياً معها) كأنه النموذج الإسلامي الأوحد للدولة و "الجمهورية الإسلامية" ، من هنا رأى هؤلاء استثمار رواية تافهة كتلك لإظهار أنهم الأكثر حرصاً على الإسلام والمسلمين ، وأن الذين وصلوا بـ"الإسلام" إلى السلطة (بما أن هذا التصور في رأيهم هو التصور الوحيد له) هم الأكثر غيرة عليه والأقدر على حمايته..

وكان سلمان رشدي طبعاً هو الفائز الأكبر مما حدث.. تحول من مجرد أديب كعشرات الأدباء من أصول هندية بجنسيات بريطانية إلى رمز لحرية الرأي والاعتقاد ، وإلى كارت سياسي حيث قطعت الأمم المتحدة علاقاتها بالنظام الطهراني حتى عدلت إيران عن تلك الفتوى في العام 1998 (بعد وفاة الخوميني طبعاً ووصول خاتمي وجناحه إلى السلطة.. أمر يعزز فرضية أن الفتوى سياسية) ، واستثمر كذلك كما استثمرت السينما في إيران كـ"صوت للحرية" في مواجهة نظام "إسلامي" ديني في عالم لا توجد به سوى ثلاث دول دينية فقط.. (أي أن نفس ما استخدمه النظام الطهراني ووسائل إعلامه للدعاية له هو ما استخدمه الغرب للدعاية ضده وضد الإسلام .. مجرد ملاحظة)!

وبحكم ما نعانيه من دونية ثقافية تحول الرجل هو الآخر إلى بطل في العالم العربي ، وشجع نجاحه الساحق آخرين على لعب نفس اللعبة وطلب اللجوء إلى بلاد الفينو والعسل ، وأهو كله بيزنس وكله برتقال..

الفتوى ، وردود الفعل التي على شاكلتها لم تحل مشكلة ، ولم تحمي الإسلام كما زعم أصحابها أيا كانت نواياهم ، فقط صبت - كما أرى على الأقل - في مصلحة من أطلقوها ، "بنط" بروباجاندا يعني .. أو ضعف نظر سياسي كما في رأي آخرين..

كل هذا يعيد أسئلة قديمة ومشروعة تعود للعام 1979 وربما قبله بكثير : ما هي مدى صلاحية رجال الدين لدخول العملية السياسية عموماً؟ أليست لهم أدوار أخرى لا تقل أهمية داخل المجتمع عن أدوار الساسة ، وميادين لا تقل أهمية عن السياسة؟ ألا يخاف المقدمون على دخول لعبة السياسة من رجال الدين على تلوث صورة الدين في عيون الناس بسبب "لا أخلاقيات" السياسة؟

كل تلك الأمور تبدو جدلية ، لكن المؤكد أن هناك في أماكن أخرى من العالم من هم سعداء بالنموذج الطالباني والطهراني وبألعاب رجال الدين العراقيين خاصة الميالين لإيران .. وهي أمور لهؤلاء الناس فيها مآرب أخرى أبعد من "تصنيع" مجرد سلمان رشدي جديد!

ذو صلة: في هذا الرابط قصة موجزة لما حدث ، كما كتب زميلنا أحمد مختار عاشور في الموضوع..

10 comments:

Mukhtar Al Azizi said...

علي الرغم أنه من الثابت أن شهرة رشدي لم تبدأ مع آيات شيطانية إلا أن ارتباط الرواية بفتوي استباحة الدم هو الركن أو الأركان الأساسية في شهرة الرجل. قرأت أجزاء كبيرة من آيات شيطانية واعتقادي أن مكانها الطبيعي – لولا الضجة المصاحبة للفتوي – هو أي رف من أرفف المكتبة وسيعلوها تراب كثيف، لا أن تباع النسخة المستعملة في سور الأزبكية بخمسة وستين جنيه، ولا أن يعلن شاب مصري في جريدة الوسيط عن رغبته في شراء تلك الرواية بأي سعر.

المثير في قصة رشدي أنه بحسب ما قرأت في كتاب "ما بعد ذهنية التحريم" أنه خرج ليعتذر للمسلمين ويعلن أنه مسلم وجدع جدا!! علي الرغم أنني قرأت مقتطفات له في موسوعة أكسفورد الإلكترونية لعام 2000 يعلن فيها أنه بدأ الإلحاد في سن المراهقة. ويبدوا لي أنه كان مذعورا لدرجة جعلته يكفر بما كتب.

وأعتقد أن التناول الغربي للرواية والفتوي في وسائل الاعلام والكتب لا ينفكان عن التراث الاستشراقي من حيث تصوير المسلمين كأكلة لحوم بشر لا يقيمون وزنا لحياة ضحاياهم، وبات الموضوع محصورا في دائرة حرية التعبير وقيمة حياة المبدع وقلمه. ولا شك أن الفتوي تعد موضوعا صحفيا مغريا ومادة إعلامية خصبة حتي لو افترضنا عدم وجود ذلك التراث الاستشراقي الممتد من كتابات توما الإكويني في القرن الثاني عشر وحتي أفلام هوليوود حديثا. فتوي القتل فعلا مادة مغرية، فما بالك إن ارتبطت بدولة إسلامية، الفتوي كانت رسمية وليست من أحد الشيوخ أو الملالي.

فالإعلام يهتم بفتوي القتل لسمان رشدي لكنه يغض الطرف تماما لفتاوي القتل واستباحة الأعراض التي يطلقها حاخامات اسرائيل، فالأولي موجهة إلي كاتب مبدع والذي أطلقها مسلمون أما الثانية فهي مجرد لقطة سينمائية سريعة في فيديو كليب الصراع العربي الفلسطيني.
وتحطيم تماثيل بوذا في أفغانستان جريمة تنتفض لها حتي أبدان أكلة لحوم البشر لكن قتل آلاف الأطفال الأفغان علي يد قوات الاحتلال الأمريكي يأتي خبرا علي بعض المواقع الإخبارية ثم ما يلبث أن يتم إزاحته تحت سجادة حجرة الأرشيف من أجل القيام بـ
Update
للموقع فور ورود أخبار جديدة من أي بقعة علي وجه الأرض.

أعتقد أن تناول موضوع رشدي يجب أن يكون في إطار العلاقة المتوترة بين المسلمين والغرب: الاستشراق، الحملات الصليبية، احتلال الأندلس من قبل العرب، القوي الاستعمارية الصاعدة في عصر النهضة الأوروبية، الحروب الحديثة الخ الخ.
وأنا هنا لا أذهب بعيدا بقصة سلمان ولكني أؤكد علي أن أي صدام قديم أو حديث بين المسلمين والغرب سواء كان عسكري أو ثقافي الخ كانت الدعاية تلعب فيه دورا محوريا باستخدام أساليب التشويه والتحريف والحرب النفسية وإصدار الكتب والمقالات والأحاديث الصحفية والتهييج في البرلمانات الخ.

ومن اللافت للنظر أن هناك أحاديث في المجالس النيابية في بريطانيا منتصف القرن التاسع عشر تتطابق حتي في استخدام التشبيهات والألفاظ مع كلام جورج بوش في معرض كلامه المستمر عن حربه ضد الإرهاب وزرع الديمقراطية وجلب مشعل النور والحضارة للشعوب البربرية. هل قرأت عن عبء الرجل الأبيض؟
White Man's Burden
أقصد الفلسفة ذاتها، لا قصيدة المخبول روديارد كيبلينج.

عفوا للإطالة يا سيدي

قليل من التفكير said...

وهل المطلوب ان كل من يتهجم علي مقدسات المسلمين ان نتركه ولا نعبئ به لاننا بذلك سنزيده شهرة .......هناك أمثلة كثيرة لاناس في العالم الغربي اشتهروا فقط لتهجمهم علي الاسلام دون ان تكون سبب تلك الشهرة رد فعل المسلمين....
معني كلامي انه حتي من غير ما الخميني يطلع الفتوي بتاعته ومن غير ما يكون للمسلمين اي رد فعل علي كتاب الراجل ده كان ممكن برده نلاقيه بياخد جوايز و اوسمة علي كتابه ......والدليل علي كده ان الحكاية كانت ميتة جدا لغاية ما كرموه من كام اسبوع

قلم جاف said...

سعيد عندما أجد وجهتي النظر المختلفتين في ردود على تدوينة أكتبها ، ولذا سأرد على الردين في نفس واحد..

في نظام ديني كالنظام الإيراني يقوم فيه رجال الدين بدور الساسة بصفتهم السياسية والدينية معاً .. والحد الأدنى من الذكاء السياسي يتطلب النظر لأبعد من موضع القدم..

ويفترض بهؤلاء "الفقهاء" معرفتهم بقاعدة لم تتغير بين انقلابات المذاهب كلها (إلا إذا كنا نتحدث عمن ينكرون كل السنة) وهي قاعدة دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة..

يعني اللي يهمنا إن الراجل دة ميعملش عملته دي ولا حد غيره يعملها...

هل منعت الفتوى دي الراجل دة أو حد غيره يعملوا عملتهم؟

لأ..

بالعكس .. الفتوى شجعت ناس تانية تهرب من بلادها وتعمل حركاتها الاستعراضية دي إرضاءً للغرب..

الفتوى دي حولت المدعو سلمان رشدي إلى بطل.. شرف لا يستحقه..

ليه اللي بيفتي مابيبصش لأبعد من موضع قدمه؟ وليه اللي شايف نفسه واللي عامل نفسه الوصي على المسلمين مبيقدمش بتفكيره أمارة على الوضع اللي مفترضه لنفسه؟

مش عارف..

لو كان للفتوى اللي خرجت دي أثر ، لما كانش سيادته خرج بالاعتذار اللي قال عليه صديقي مختار في رده

حائر في دنيا الله said...

القوي لا يرعب من الضعيف الا اذا كان لايعرف كيف يستخدم قوته، كيف، اسلامنا لديه من القوة الداخلية التي تجعله ينتصر على تفااهات وهراءات سلمان وغيره، ولكن لاننا الان ضعفاء فنقابل بشراسة محاولات كتلك مع اننا لو تركناها للزمن ستموت، ولكن ان نكون نحن من الاساس اقوياء

لك تحياتي
السلام عليكم

Anonymous said...

ما هو شعور رجل كبير له هيبة يشاكسه طفل صغير بأفعال عابثة؟
هل يضحك له بسخرية متفهماً تصرفات الاطفال
ام يقول له "لو راجل اطلعلي برة"؟
..........
أتذكر مشهد عبثي مضحك في فيلم لا يرقى لمستوى العبث...."وش إجرام" ا
هنيدي يتضايق من صوت العروسة اللعبة التى تقول "ماما" فينهال عليها بالصفعات و اللكمات في اداء طفولي منه جعلني أقهقه لما حاول مخي توصيل فكرة هذا المشهد بأشياء أخري
..........
بوست راقِ و متألق كالعادة
و أشكرك كثيراً على وضعك وصلة لموضوعي

ibn_abdel_aziz said...

حضرت ندوة له في ولاية منسوتا قبل قدومي لمصر
وكان كلامه هادئا
ومنهجية تفكيره معقولة

اما انه تغير بعد كل هذه السنين
او هكذا كان حاله طوال السنين

لم يذكر الاسلام بسوء ابدا
ولا الصحابة
ولا النبي

بل تحدث عنها وكأنها اشياء محترمة

يمكن يكون خايف او اتغير مش عارف

انا شخصيا استمعت بتحليله في قضية العصر
الا وهي العلاقة بين السياسة والدين

احنا الوحيدين اللي علي كوكب الارض اللي بنرزع فتاوي دينية كل شوية
وفي قضايا كثيرة

ليه لازم يكون فيه مفتي اعظم يدافع عن الاسلام؟

سواء ملالي ايران
او حتي القرضاوي

بحس ان فيه تنافس علي عرش " الاسلام " قدام العالم

واحد زي القرضاوي مثلا مع فتاويه التجديدية بخصوص الجزية والمواطنة
كان ممكن يلاقي نفسه في مكان رشدي
لو قال اللي قاله من 30 سنة بس

الزمن تغير
بدات الناس تقبل اشياء مكنشي ممكن تقبلها زمان
بقة القرضاوي مجدد الفقه حسب وصف بعض الناس له

اللي عاوز اقوله

اللي عاوز يقول ما يتنيل يقول
واللي عاوز يرد ما يتنيل يرد

في الاخر فيه كوم لحم عايز ياكل
ومش عارف يعمل ايه

قلم جاف said...

العزيز ابن عبد العزيز :

لمست صلب الموضوع في قولك :

احنا الوحيدين اللي علي كوكب الارض اللي بنرزع فتاوي دينية كل شوية
وفي قضايا كثيرة


ولهذا ، فإن دعوة رئيس تحرير مجلة أكتوبر السابق ، ودعوة المفتي لمجمع فقهي موحد يضم ممثلين عن المذاهب الإسلامية المختلفة كلام فارغ..

أبسط شيء سنجد العديد من تلك الفتاوى مسيس ومدجن مذهبياً.. فالمذاهب هذه الأيام أضافت للوصاية الدينية البعد السياسي ، وأصبح الكل يتكلم في السياسة هذه الأيام ووحدة الأمة في مواجهة التحديات والخطر الأمريكي.. ولا عجب أن نجد بعد فتاوى "بوس الواوا" والاعتذارات المصطنعة فتوى وجوب صيام يوم معين من السنة تضامناً مع فلسطين والعراق على سبيل المثال ، وفتوى "تفرض" المقاطعة رغم أن المقاطعة -والله أعلم-شأن دنيوي صرف..

وأصحاب تلك الدعوات فائقة السذاجة ينسون أو يتناسون الدور القبيح للافتاء السياسي في تجارب العراق ولبنان بالتحديد ، إذن تجربة هذا العين كاف في مصر لن تؤدي إلا إلى مجرد كارثة فقط!

قلم جاف said...

عاشور : لا شكر على واجب ، وأشعر أن المشهد الذي ذكرته ، ومشاهد أخرى ، تمت بصلة غير مباشرة وغير مقصودة لبلاوي تحيط وتحيق بنا هذه الأيام!

قلم جاف said...

بلدياتي حائر :

القوي لا يرعب من الضعيف الا اذا كان لايعرف كيف يستخدم قوته،

ومين يسمع ومين يفهم؟ ومنين أجيب ناس لمعناة الكلام يفهموه؟

alzaher said...

تظهر المعايير المزدوجة بشكل واضح حين يكرم سلمان رشدي بوسام "فارس" في حين يسجن رجاء جارودي