Monday, April 30, 2012

الليونة السياسية للسلفية المصرية

يعلن المدوَّن أنه لن يصوت لأي من مرشحي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة ، وهذا قراره النهائي ولا رجعة فيه....

مين اللي قال الدنيا دي وسية .. فيها عبيد مناكيد وفيها السيد؟ مَن الذي قال على القيادات الدينية السلفية أنها متشددة متحجرة متحنجرة لا تعيش إلا في البادية؟ أبسليوتلي.. بالعكس ، هم أكثر مرونة مما تتخيل ، يغيرون آراءهم وأفكارهم ويفكرون بحساب الصالح والمصلحة.. حتى لو "ظن" بعض الوحشين من أمثالي أن ذلك يأتي "مع الرايجة" وتبعاً للموجة اللي بتجري ورا الموجة عايزة تطولها..


مثال صغير : كان التيار السلفي حين يذكر يذكر معه "حازم صلاح أبو إسماعيل" المرشح السلفي لرئاسة الجمهورية ، وكانوا يدعمونه بلا هوادة ، ويعتبرونه مرسال مشروعهم إلى عموم المصريين ، السلفيين منهم وغير السلفيين ، أحد الرموز الدينية للمدرسة السلفية في مصر ، الدكتور "خالد سعيد".. واحد من كثيرين نفخوا في بالونة "حازم صلاح" ، الشخص والمشروع وسنحيا كراماً وخلافه ، "كلنا وراءك يا حازم".. في هذا الفيديو بتاريخ 28 فبراير 2012 يؤكد على أن "أبو إسماعيل هو الأكثر ولاءاً لقضية الشريعة حتى أكثر من د ـ أبو الفتوح ود ـ سليم العوا".. يعني بعبارة أخرى : "حازم؟ أنا عندي غير حازم؟ أنا خلفت غير حازم؟ دي الشجاعة حازم.. دة الخلق حازم ، دي الشريعة وتطبيقها حازم"..

بعد ما حدث ، بدأنا نسمع أغنية جديدة ، على غرار الأغاني التي ظهرت يوم 12 فبراير 2011 الساعة التاسعة صباحاً والتي تختلف عن الأغاني التي ظهرت يوم 11 فبراير 2011 الساعة التاسعة صباحاً أيضاً.. أغنية "كنت بحبه لحد امبارح.. المدعو كداب القارح"(1).. حيث نظم الدكتور "خالد سعيد" يوم الحادي والعشرين هذا الشهر أول مطالع القصيدة التي أراد أن يوصل لنا مطلعها في "صباح دريم" في ذلك اليوم بفاصل من الثناء اللذيذ :

"إن الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشح المستبعد من السباق الرئاسى استطاع أن يفك شفرة المجتمع المصرى الذى يحب الشيخ العالم، وقدم نموذجا استطاع أن يستقطب من خلاله ملايين المؤيدين"

و...

"إن الشيح حازم صلاح أبو إسماعيل ليس محسوبًا على التيار السلفى ولكنه امتداد لمدرسة الإخوان مثله مثل المهندس خيرت الشاطر"!

ثم يعود نفس الرجل يوم الأربعاء الماضي ليمدح "عبد المنعم أبو الفتوح" .. واصفاً إياه بأنه "أفضل المرشحين الإسلاميين، خاصة أن هناك اتفاقا شعبيا من التيارات المختلفة حول ترشيحه"..هذا "الأفضل" كان لدى "خالد سعيد" نفسه من "غلاة العالمانيين"!

والسر في ذلك هو "المصلحة الشرعية" كما جاء في اللينك سابق الذكر ، المصلحة الشرعية التي يحددها هو ومن معه طبعاً ، بالأمس "أبو إسماعيل أبو إسماعيل حتى النصر" واليوم "أبو الفتوح أبو الفتوح حتى النصر" وغداً "أبو الليف أبو الليف حتى النصر"..

سواء كان ذلك "ضرورة مرحلة" كما يفسروها هم ، أو انقلاباً على "حازم صلاح" كما استنتجت ، خصوصاً أن تصريحات الدكتور "خالد سعيد" كانت حجراً في لبنة التصعيد الذي وصل ذروته في ميدان العباسية الآن ، على أثر اعتصام أنصار "أبو إسماعيل" (2).. يعتبر العديد من الأنصار المتعصبين لهؤلاء ، أو للجناح السياسي للحركة السلفية "حزب النور" ، أو حتى أنصار "أبو الفتوح" ما قاموا به -الشيوخ والحزب- نوعاً من المرونة والتفتح السياسي ، بل أسبغ الفتوحجية على هذه التصرفات أوصافاً لم يطلقوها حتى على الليبراليين الغربيين..

والله عال يا عبد العال .. طب ما هو انتو حلوين أهه ، ومرنين أهه ، وكلكم "ليونة" - بمنطق "سعيد صالح" في "العيال كبرت" شارحاً مواصفات مهنة ما- وتفاعل مع المستجد ، لماذا لا نرى تلك "الليونة" إلا في تلك المسائل فحسب؟ لماذا لم نسمعها في قسم مجلس الشعب الذي كان يمكن أن يكتفى فيه بذكر نصه حرفياً دون "بما لا يخالف شرع الله" لأن ذلك الأمر مسألة نية محلها القلب؟ لماذا قائمة فتاوى التحريم لكل كل شيء؟ لماذا تحريم الموسيقى بينما يتم الاستعانة بصوت بشري من عينة "أُوم أُوم بأا أوم بأأ" ماركة "أحمد عفت" ومنشدي قناة "الناس" الذين يغنون بلا موسيقى؟لماذا يعتبر هؤلاء صوت المرأة عورة في القنوات التليفزيونية التي يشرفون عليها إلا عندما تتصل على هاتف القناة؟ ولماذا يرفض هؤلاء ظهور المرأة على شاشات قنواتهم في الوقت الذي سمحوا فيه لها بالتصويت والترشح للمجالس النيابية بل والمشاركة في المظاهرات والاعتصامات ؟ لماذا لا يتأكد هؤلاء من جدية ما يعرض على تلك القنوات من إعلانات وأنها لا تستخدم في عمليات نصب بما أنهم قد "فقعوا في الوخ" في قصة "أبو إسماعيل"(3)؟ لماذا يحرم هؤلاء الغناء في الوقت الذي يبيحون فيه ترنيم القرآن وترجيعه بشكل يشبه ما كان متبعاً في أديان سابقة على الإسلام؟ لماذا لم يخرج هؤلاء بتصريحات صريحة وواضحة عن "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"؟

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، لدينا من يقول أنه لا دين على الإطلاق في السياسة ولا سياسة في الدين ، ولدينا من يقول أن الدين كله سياسة والسياسة كلها دين ، ومؤخراً ظهر علينا أنصار مدرسة الليونة التي لا ترى أنه لا دين إلا في السياسة..

وكما قيل لي قبل سنوات : هذا ما وصلنا إليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

(1) من مطلع قصيدة في برنامج ساخر كانت تقدمه قناة "إقرأ" من سنوات ، القصيدة الساخرة التي جاءت في ذكر التقلب والتحول كتبها الشاعر ، والممثل "صلاح عبد الله" في سياق التحول في المواقف تجاه المسئول السابق "كداب القارح" قبل وبعد ترك السلطة..
(2) لمزيد من المرح والفكاهة بعد يوم طويل ، راجعوا تصريحات "نادر بكار" الذي يسميه الكاتب "فراج إسماعيل" في "المصريون" بـ"المعتذر الرسمي لحزب النور" حول "حازم صلاح" والتي تغيرت مائة وثمانين درجة.."بكار" بعد كل مدائحه في "حازم" عاد ليصف الأخير بأن بداخله "خصائص ديكتاتور"!
(3) هم رشحوا "حازم" ولا يعرفون أي معلومة عن قصة الجنسية ، ورشحوا "البلكيمي" ولا يعرفون أي معلومة عن قصة الأنف ، ماذا تركوا لـ"إيناس الدغيدي" التي رشحت "أبو الفتوح" دون أن تعرف الطريقة التي سيدير بها البلاد؟ هاهاهاها..

Sunday, April 29, 2012

المخدوعون

هناك فرق بين ما يحدث في العباسية ولعبة الشطرنج ، يتمثل ببساطة أن الملك في لعبة الشطرنج جزء من اللعبة ينزل وسط قطعه في قلب المعركة ، أما الملوك في لعبة العباسية فيجلسون في مكان بعيد ، يتظاهرون بأنهم لا يعرفون شيئاً عن عساكرهم وطوابيهم وجيادهم وأفيالهم التي تصاب ، وربما تموت ، في قلب الشارع..

قطع الشطرنج تعرف الفولة وما فيها قبل المعركة، قطع الشطرنج في العباسية عرفت الفولة بعد فوات الأوان .. وتم بيعهم في الوقت المناسب بأرخص ثمن ، بعد أن تم شراؤهم أولاً بحلم ومشروع إسلامي ولحظة فارقة ، وزعيم بحثوا عنه على خلفية ما حشيت به رءوسهم ورؤوسنا في قصص التراث وفي الخطب والبرامج التليفزيونية وغيرها عن الزعيم المخلص وعن المشروع الذي سيعيدنا إلى صدارة الدنيا وزعامتها ، وعن العلماء الربانيين الذين يحملون على أكتافهم عاتق المشروع، صدقوا كل ذلك لأنه وُجِّهَ إليهم بشكل عاطفي لا يعترف بالعقل ، يتم معه توصيل الفكرة دون أن يقابلها تفكير ، لتستقر كحقيقة كونية غير قابلة للنقاش..

كلهم آمنوا بالمشروع ، وحين يسألهم شخص من أمثالي من عامة الناس (اللي كل متعصبين لمرشح أو حزب أو تيار بيشتموهم شتيمة شكل) لا يجد منهم إجابة ، ليس تناكة ولا ادعاءً للعلم ولا طهرائية زائدة (كالتي يتمتع بها كثيرون جداً حتى في قلب التيار السلفي والإسلاميين الجدد) ، ولكن لأن كثيراً منهم لا يعرف الإجابة فعلاً ، ولم يكلف نفسه أن يسأل ويعرف ، لأن ما لديه حقيقة مؤكدة لا تقبل الشك ولا النقاش ، شيوخ الدعوة السلفية لا يخطئون في نظر معظم السلفيين ، وشيوخ الطرق الصوفية لا يخطئون في نظر معظم الصوفيين ، وحتى شيوخ الأزهر لا يخطئون في نظر من يؤمن بهم لدرجة التعصب ، تذكروا أن القيادة في الحالات الثلاث - عكس الحالة الإخوانية - رجال دين صرف ، ليسوا ساسة ، بل وبعضهم كان يقول لنا باستمرار أنه من السياسة ترك السياسة.. قيادة دينية أي قيادة "موصولة بالله" كما تسوق نفسها للناس .. أي لا تخطئ..

كلهم آمنوا بالزعيم دون أن يكلفوا أنفسهم بالبحث في جدية أن يقود الفكرة شخص واحد يحملها على عاتقه ويحاسب عليها أمام الله وأمام الشعب ، وأن هذا الشخص مثله مثل قادتهم مثله مثل خصومهم معرض للخطأ ، وأنه طالما هذا الشخص بشر مثل قادتهم مثل خصومهم مثلنا جميعاً يصيب ويخطئ ، كلهم يحتاجون لقائد لسبب أو لآخر رغم أنهم -كثير منهم على الأقل - في مرحلة سنية من ظواهرها بعض أعراض التمرد والنزعات الاستقلالية ، ربما كان ذلك بسبب الربط بين الأمان وبين المجموعة ، أن يكون الأمان لديك نابعاً من كونك عضواً في مجموعة قوية يقودها رجل قوي ، ولكي تكون تلك المجموعة قوية يجب أن تحقق النصر على يد قائدها القوي ، إما الكل أو اللاشيء ، فكرة التمكين كما سبق شرحها هنا .. وربما لما تربوا عليه أن القائد هو الأب والزعيم والموجه والمخلص والمنقذ وكل حاجة في بعض..

هم آمنوا بفكرة ما ، نراها خطأً ، ومشوا فيها للنهاية ، هم دافعوا كما يجب عن فكرة لا تصح ، تاني : كما أراها، لكن المفارقة غير الكوميدية أنه في الوقت الذي نزل فيه هؤلاء إلى الشارع كان قادتهم يلقون بكل ما باعوه لهؤلاء في سلة المهملات.. يمصمصون الشفاة على ما جرى للشباب المتهور ، ويتبرأون من كل ما وعدوهم به..

من أجل المصلحة والتمكين لابد من ضحايا ، وشهداء ، ومعتقلين ومفقودين ومصابين ومحطمين ومهزومين ، عساكر الشطرنج الذين يموتون في أرض المعركة ليحيا مليكهم ، الذي لا يتمنى أن يعودوا في حالة العباسية من الميدان أحياء كي لا ينتقموا منه ، من أجل المصلحة والتمكين لابد من إشعال بعض الحجارة من أجل "سفلتة" الطريق ليعبر عليه الكبار إلى الهدف المنشود ، والمصلحة والتمكين نهج سائد ليس لدى ذلك الفصيل المتمسلف وحده ، حتى لدى الليبراليين تحضر نفس الفكرة ، بشكل آخر ، وبتوزيع جديد..

بدأ بعض المخدوعين يفيقون ، متأخراً كالعادة ، هل يفيق المخدوعون الآخرين في مشاريع أخرى وزعماء آخرين ووهم تمكين آخر ، بما أن المخدوعين في ميدان العباسية ليسوا الوحيدين.. ياريت نفوق..

Wednesday, April 18, 2012

الأباجورة دي .. حرااااام

لمن يقول أنني "منفسن" ضد المؤسسة الأزهرية ، أقول له : إديني عقلك ، وضع نفسك مكاني لمرة واحدة :

اليوم ، قام فضية مفتي الديار المصرية بزيارة إلى القدس ، قام فيها بافتتاح كرسي الإمام الغزالي للدراسات الإسلامية في القدس ، وأم الصلاة في مسجد البراق بالقدس .. يقول مستشار المفتي أن الزيارة تمت بتأشيرة أردنية وتحت إشراف السلطات الأردنية التي "تشرف" على شئون المسجد الأقصى (1).. وطبعاً أثارت الزيارة ردود فعل متباينة ما بين تأييد المستصوفين وانتقادات من السلفيين وبعض المستقلين..(2)

لغاية دلوقتي ماشيين عادي..

لكن أن يأتي فضيلة شيخ الأزهر ، مدافعاً ومبرراً ، ويقول : أن زيارة القدس "لا" تخضع لفتاوى الحلال والحرام ، هنا يبدأ الضحك ، والغضب في وقت واحد ..

لا لشيء ، ولكن لأن هناك فتوى أزهرية لم يدنها ، ولم يتحدث عنها ، تصف مادة في الإعلان الدستوري بأنها "حرام شرعاً".. طوال حياتي كنت أسمع حين الكلام عن - اللهم احفظنا - القانون عن كلمات تقال في الهجوم على القوانين والدساتير من عينة "معيب" "غير دستوري" "مطعون فيه" "مردود عليه" .. لكنني لأول مرة في حياتي أسمع أن المادة الفلانية في الدستور حرام ، حتى من يحرمون الدستور والانتخابات والنظام السياسي بكامله ويصفونه بالكفر لم يقولوا أبداً أن هذه المادة حلال والأخرى حرام!

حتى وإن سلمنا بأن زيارة القدس في ظرف كهذا لا تدخل تحت باب الحلال والحرام ، سواء بتأشيرة إسرائيلية أو أردنية أو فنزويلية ، هل يدخل القانون والدستور في الحلال والحرام؟ ماذا ترك فضيلته إذن لمن يدخلون قائمة طويلة من الأشياء لا علاقة لها بالحلال والحرام دائرة فتاوى الحلال والحرام ، من أول كرة القدم إلى البوكيمون وربما ساعة اليد؟ ، علماً بأنه وفضيلة المفتي وغيرهم ينتقدون من يفعل ذلك بشدة!

القانون والدستور دخلا الدائرة ، الحمد لله ، وخرج منها الاحتكار (وفيه نصوص) (3)، والرشوة (وفيها نصوص) ، وحتى فكرة التصالح مع السارق ، التي أصبح الكل يدينها فجأة رغم أن المفتي نفسه أقرها (4).. هذا طبعاً على أساس أن السرقة نفسها - تقريباً - لم تعد تدخل دائرة الحلال والحرام..

صلاة النبي أحسن ، انتهت المرحلة التي كنا نختلف فيها في حل أو حرمة أو جواز أو كراهة شيء تعبدي أو فيه نص صريح ، وبدأت المرحلة التي نسأل فيها هل هذا الشيء يدخل الدائرة أم لا ، بما أنه لم تعد لدى الناس ، من وجهة نظر المؤسسة الأزهرية بهذه الطريقة ، ليس لديها أي عقل ، ولا تميز بين الدنيوي والديني ، وما لم ينزل فيه نص وما فُرضَ في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة و/أو ما حرم فيهما صراحةً.. وبالتالي صار يمكنك أن تذهب إلى شيخ الجامع لتسأله في هدوء إن كانت الأباجورة التي في حجرتك حلال أم حرام ، رغم أن "ياسمين عبد العزيز" حسمت الأمر تقريباً في فيلم "الثلاثة يشتغلونها" ..

الحلال بين ، والحرام بين ، يعني لا دوائر ولا مربعات ولا مثلثات .. يا شيوخنا الأفاضل ، اتقوا الله فينا..

تحديث 19 أبريل 2012: ردود فعل غاضبة داخل الأزهر وخارجه على زيارة المفتي للقدس، والإعلامي "وائل الإبراشي" يفتح النار لأول مرة على المفتي ، يبدو أن الأمر لن يمر بالسهولة التي يتخيلها البعض..
(1) وطالما الموضوع من اختصاص السلطات الأردنية ، ليه الأردن ما انزعجتش من تهويد القدس يا وديع؟
(2) اللذيذ في الموضوع ، أن فضيلة المفتي لم يكن الزائر الوحيد للحرم المقدسي هذا الأسبوع ، بل سبقه في ذلك الداعية الصوفي "الحبيب بن علي الجفري" إلى القدس ، وأيضاً ، برفقة الأمير "هاشم بن الحسين" إلى المسجد الأقصى ، وبتأشيرة إسرائيلية هذه المرة.. وهاجمه الشيخ "عكرمة صبري" بشدة واصفاً من يزور القدس تحت الاحتلال هو تطبيع واعتراف بشرعية الاحتلال الصهيوني لفلسطين ..
(3) لم نسمع من فضيلته ولا من غيره فتوى تنتقد الاحتكار وقت أن كان "أحمد- سياخنا طولها كام- عز" في الحزنوطني..هناك أشخاص لم نكتشف أن لهم صوتاً إلا بعد الثورة.. ويخلق ما لا تعلمون..
(4) وقد سبق تناول الموضوع في هذه التدوينة..

Tuesday, April 17, 2012

بتاع ربنا

أيهما أصح : "الناس على دين ملوكهم" ، أم "أينما تكونوا يولى عليكم"؟

سؤال قفز إلى الواجهة ، وفكرت في الكلام فيه باستفاضة قبل أشهر مضت ، ما ذكرني به هو نية العديدين من الناس التصويت لمرشح "إسلامي" على أساس أنه "بتاع ربنا" ، وطالما أنه "بتاع ربنا" فسيحقق العدل والرخاء والتنمية مثل الخلفاء الراشدين.. فرضية أحترم حق أصحابها في الإيمان بها ، وأرفضها جملةً وتقصيلاً..

1-من هو "بتاع ربنا": إذا كنت ، أو هكذا يفترض بي أن أنتخب المرشح "بتاع ربنا" ، فمن هو الشخص الذي يستحق أن نطلق عليه هذا الاسم؟ هل هو الشخص المتمسك بـ"الهدي الظاهر" كما يسميه بعض الفقهاء؟ هل هو الشخص الذي يقول "قال الله وقال الرسول" باستمرار؟ هل هو المتنسك الزاهد الذي يذكرنا بالزهاد الذين لا تخل خطبة جمعة في أي مكان في العالم من أخبارهم؟ هل هو الذي يخالط الناس ويخالطوه؟ هل هو الشخص السمح في معاملاته وبيعه وشرائه وخلافه؟ هل هو الشخص الذي يفعل ذلك في العلن والسر أم في العلن فقط ويصبح "من برة هلا هلا ومن جوة يعلم الله"؟ (حتى وإن كان لنا الظاهر)..

2-هل كل "بتوع ربنا" يصلحون لممارسة السياسة والحكم: من المعروف أن الحاكم القادم سيصل إلى السلطة بعملية سياسية ، مهما بدت في شكل التوكيلات أقرب إلى البيعة التي كانت تقدم للخلفاء ، والسياسة بطبيعتها لعبة قذرة ولا أخلاق فيها ، كيف سينجح في تلك اللعبة شخص "بتاع ربنا"؟ لكي تفوز في الانتخابات يجب عليك أن تفوز بأكبر قدر ممكن من الأصوات الانتخابية ، ولكي تفوز بأكبر كمية من الأصوات الانتخابية يجب عليك أن تقدم رشاوى انتخابية "مثل الحد الأدنى والأقصى للأجور لضمان سكوت كتلة الموظفين ، أسلوب مباركي قديم ومبتذل" ، وتطمينات "عدم تطبيق نظام ضريبي تصاعدي من أجل إرضاء بابا المستثمر الأجنبي" ، ووعود لـ"س" و "ص" بتولية أناس منهم لمناصب حتى ولو كانوا أهل ثقة وليسوا أهل قدرة وإجادة وكفاءة.. هل من يلعب تلك الألاعيب هو شخص يمكن وصفه بأنه "بتاع ربنا"؟

أضف إلى ذلك أنصار مدرسة التدين السلبي ، المنكفئين على الذات الذين لا يفارقون خلواتهم ولا صوامعهم ، هل سينجح هؤلاء في مسائل الحكم المشروعة أخلاقياً؟ في الأمور التي تتعلق بإدارة موارد دولة؟ (1).. هل ينجح المتدين ، الطيب ، المتفاعل ، في أحيان كثيرة في مهام كتلك؟ خاصةً وأن كثيراً من الطيبين يسهل خداعهم والضحك عليهم إن لم يكن إفسادهم.. وبما أن الكثيرين يتشدقون بقول الله تعالى في سورة القصص على لسان ابنة سيدنا شعيب عليه السلام "إن خير من استأجرت القوي الأمين" ، ألا يلفت نظرهم أن القوة جاءت قبل الأمانة ، وأن القوة من الممكن أن تكون موجودة لدى إنسان "كويس" - مش حرامي ولا أفاق ولا نصاب - أكثر ما هي لدى إنسان "متدين"؟.. ولماذا لم يحكم الدولة الإسلامية أشخاص من الأكثر تديناً وعلماً بالدين ، من أمثال "عبد الله بن عمر بن الخطاب" (وقد عاش حتى زمن "الحجاج بن يوسف الثقفي" وهو من أواخر من توفوا من الصحابة) و "عبد الله بن العباس بن عبد المطلب" (والذي وصفه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بأنه "ترجمان القرآن") ، وهذا الأخير اعتزل الأمر كله؟

3-هل يشترط أن تكون "إسلامياً" لكي تكون "بتاع ربنا": من المعروف لأي شخص أن "الإسلام" ظهر قبل "الإسلاميين" بقرون طويلة.. فهل كل من عاشوا قبل ظهور الإسلاميين ، من متمسلفين ومستصوفين وأزاهرة وشيعة وحزبيين وحركيين "بتوع سوسو"؟ هل الإسلام صار توكيلاً حصرياً لدى الإسلاميين دون غيرهم ، وصار معنى أن يكون شخصاً ما "إسلامياً" أنه "بتاع ربنا" ، حتى ولو قام بتوسيخ نفسه بكل أدران السياسة وقذاراتها؟ حتى ولو كان يلعب بالبيضة ، والثورة ، والحجر؟

أي إنسان ، سواء أكان "بتاع ربنا" بأي معنى كان أم لا ، هو ابن لمجتمعه ، لثقافته السائدة ونسيج قيمه ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وبعض "الأذكياء" و "غير أصحاب الهوى"(2).. ومن ثوابت الطبيعة أن الجاموسة - مثلاً - لا تلد أرنباً ، إلا إذا اعتقد الحمار شيئاً غير ذلك.. بالتالي لو كان المجتمع واعياً متديناً فسيختار شخصاً واعياً متديناً ، أما لو كانت ثقافة المصلحة هي المسيطرة فلن يختار الناس إلا من يحقق لهم مصالحهم ، وسيثورون ضده لو لم يحققها حتى ولو على سبيل العدل والعدالة..

وواهم - أيما وهم - من يعتقد أن الحاكم "سوبر مان" يمكنه إصلاح أي شعب يحكمه ، يستطيع الحاكم القوي بالعصا والجزرة أن يجعل شعباً "يمشي على العجين ما يلخبطهوش" بتطبيق القانون ، لكن هل ذلك كاف لصنع أشخاص فضلاء ، أم لتكوين أجيال كاملة مطيعة للنظام والقانون في المجتمع ، أو تعرف كيف تخرق القانون دون أن يكشفها النظام؟

المجتمع الفاضل يصنع من أسفل إلى أعلى ، من القاع إلى القمة ، من المحكوم إلى الحاكم ، وليس العكس ، عندما يكون المجتمع فاسداً فلن يقدم إلا حاكماً فاسداً ولو كان نصيب الفرد من الدخل فيه خمسين ألف دولار في الشهر ، ولو لم يكن فاسداً لأفسدوه هم وأعنتوه هم ، حتى ولو كان "بتاع ربنا".. ولمن لا يصدق ولا يقتنع أترك له سؤالاً واحداً يفكر فيه بهدوء وتجرد :ما الذي يمكن أن يفعله حاكم "بتاع ربنا" مع شعب "بتاع كله"؟
...(1)هذا إن كنا نستوعب أن الحكم بعد مرور عقد وعامين من الألفية الثالثة أن الحكم صار إدارة موارد في أساسه.. اللي فاهم غير كدة دة موضوع تاني خالص" ، وإن كنا نستوعب - أيضاً - أن وجود حاكم عادل بمقاييس الخلفاء الراشدين مستحيل ، وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، وأن كثيراً من مقتضيات عصر الخلافة لم تعد من وسع البشر الآن ، وأن المتاح هو أن الحاكم الجيد يطبق نظاماً عادلاً تحت رقابة شعبية ومؤسسية..
(2) ومع رفضي الشديد للكثير من تصرفات وخطاب "6 أبريل" ، إلا أن الأمانة تقتضي القول بأن اللينك المذكور لمقال موجود في منتدى تابع لـ"حزب التحرير" المتطرف.. وهو حزب محظور في العديد من الدول العربية ولا علاقة له بالمرة بثورة الخامس والعشرين من يناير ..

Monday, April 16, 2012

الإفتاء السياسي : سواد السبيل

أعتقد ، وربما يكون كلامي صحيحاً ، أننا تعدينا مرحلة التفرقة بين "الصح والغلط" و "الحلال والحرام".. "الصح و الغلط" الأوسع نطاقاً والأكثر نسبية (ما هو صواب اليوم قد يكون خاطئاً غداً) ، أما "الحلال والحرام" فهما بنص الحديث بينان واضحان ، وبينهما أمور متشابهات .. وهناك أمور كثيرة تدخل دائرة الصح والغلط أكثر منها الحلال والحرام .. قد لا يكون من الصواب ، أو من "اللائق" مثلاً أن ألبس حذاءً أسوداً مع بنطلون بني ، رغم أنه لا يوجد في القرآن الكريم والسنة المطهرة ما يمنع من ذلك..

لماذا أعيد ذلك الكلام الذي هو من نافلة القول ويفترض أن نعرفه جميعاً؟

أمس ، سمعنا هذه الفتوى ، والتي أطلقها عالم أزهري ، ولاقت ترحاباً كبيراً لدى أناس كثيرين (1) ، وعن نفسي أحتقر تلك الفتوى وأحتقر منطقها .. لن أنتخب أياً من المرشحين الفلول ، ولا الإسلاميين ، وهذا موقف معلن وواضح ، بنفس وضوح موقف "الدين والديناميت" منذ يومها الأول ضد الإفتاء السياسي بكافة أشكاله ، والذي لا يمنع تصفح التدوينات القديمة والجديدة من التذكير به ، من تكراره ، من باب "وذكر به"..

دعونا ، بما أن هذا العام هو عام "ليه وإزاي" في "الدين والديناميت" نوضح لماذا نعتبر الافتاء السياسي سواداً ووبالاً على الدين..

الحلال بين والحرام بين كما سبق الذكر ، وليس خاضعاً لفكرة النسبية ، الخمر ليست حراماً بشكل نسبي لكنها عندما حرمت حرمت في المطلق ، بغض النظر مثلاً عن نوعية الفاكهة أو النبات الذي تخمر، الزنا حرام حتى ولو كان بامرأة مشركة عقيم محترفة ، كما أوضح ذلك على ما أذكر الشيخ الأزهري الكبير "محمد أبو زهرة" - رحمه الله - وقتل النفس التي حرم الله حرام وجريمة شنعاء حتى ولو كانت تلك النفس كافرة ، وعندما قام الرسول صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي وسأله الصحابة رضوان الله عليهم أجابهم بعبارة واضحة : "أليست نفساً"؟

السياسة هي قمة النسبية وقمة التغير وقمة التلون ، اليوم يحكم فلان غداً علان ، المجموعة الفلانية أقوى اليوم وأضعف غداً ، عسكر وأعيان وأفندية وأحياناً مشايخ ، كل فئة تتصارع على السلطة تبحث عن غطاء ديني ، وتعتبر الفتوى نوعاً من أنواع التسويق السياسي ، ويساعدها على ذلك - بكل أسف - عدد كبير من الشيوخ يبيحون ويحرمون أموراً لا تدخل في دائرة الحل والتحريم ، فلان يذهب للتصويت هو حر ، فلان يمتنع عن التصويت هو حر ، فلان يذهب للتصويت في انتخابات هذا العام هو حر ، فلان يمتنع عن التصويت في الانتخابات القادمة هو أيضاً حر..

وما دام كله نسبي في نسبي ، فالفتوى إذا كانت بالأمس عن الفلول ، غداً ستكون عن حزب آخر ، كانت بالأمس بالامتناع عن التصويت لـ"س" ، غداً ستكون بالتصويت لـ"ص" لأنه فرض عين ، اليوم حزب كذا ميت فل وعشرة ، غداً نفس الحزب هو عدو الله ورسوله.. ومن العادي جداً بهذه الطريقة أن يفتي أحد الشيوخ الأفاضل لصالح حزب حتى وهو ينتهك ثوابت الدين نفسها..فهو الميقاتي الوحيد في المباراة وهو الأستاذ الذي يعرف أكثر ونحن "حمير" وما بنفهمش..

ويضحكك أكثر المنطق المعوج الذي يستخدم لتمرير تلك النوعيات من الفتاوى ، ففي السابق كان بعض هؤلاء يفتون بأن الذهاب للتصويت في الانتخابات شهادة وأن من يكتمها آثم قلبه ، ماذا إذا كان لا يتوافر لدي أي معلومات واضحة وكاملة عن كل المترشحين لمنصب عام ما؟ في تلك الحالة إذن لا آتي بالشهادة على وجهها ، لأنني في هذه الحالة سأكون "شاهد ما شافش حاجة".. كيف يشهد شخص على شيء أو على شخص لا يعرفه؟

وحرمة وحل المواد في القوانين فهذه نكتة النكت ، طبعاً لم نسمع صوتاً لأي عمامة أزهرية مع احترامي للجميع عندما لم يتم تفعيل قانون البلطجة في وجه من يهددون حياة وأعراض الناس بالسلاح ، علماً بأن حماية النفس والعرض والمال من المقاصد العليا للشريعة.. ولا في وجه الاحتكار وخصوصاً وقت أن ساد وصار من مظاهر الفساد وسبباً في الكساد ..

السياسة هي قمة النسبية وقمة التغير وقمة التلون كما سبق الذكر ، فلماذا يجعل رجل الدين من نفسه سياسياً ومشاركاً في لعبة السياسة التي يعلم هو ، كما نعلم جميعاً ، أنها لا أخلاقية؟.. فالساسة عادةً - بمن فيهم من ينصحنا رجال الدين بالتصويت لهم - يعدون الناخبين بوعود يعلمون (= أي "الساسة")أنهم لن يستطيعون تحقيقها ، ويتحالفون مع الحزب الفلاني ثم يلتفون عليه بعد انقضاء المصلحة ، ثم يجبرون بعد الوصول للسلطة على تعيين أعضاء الحزب العلاني في مناصب ما لاحتياجهم لأصوات أنصاره وخدمات قياداته.. إذن القاعدة واضحة ولا تحتاج لحل أو تحريم : حقق هؤلاء أياً كانوا مصالحي المشروعة كمواطن أهلاً وسهلاً ، استعبط هؤلاء فلا صوت لهم عندي ، بعيداً عن دائرة الحلال والحرام.. أو فتوى الشيخ الفلاني أو العلاني..

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، المؤسسات الدينية تصر على اللعب في السياسة بسلاح الفتوى ، فتوى للملك "فاروق المعظم حفظه الله" ، وفتوى "لضباط حركة الجيش المباركة" ، وفتوى "لثورة التصحيح" ، وفتوى "للاستقرار" ، وفتوى "لشهداء وضحايا الثورة" ، وقريباً فتوى لـ"البرادعي" و فتوى لـ"أبو الفتوح" و فتوى لـ"أبو إسماعيل" و فتوى لـ"عمر سليمان".. ثم نتساءل عن ضعف مصداقية المؤسسات الدينية ورجال الدين.. واستباحتهم كلاعبين سياسيين واغتيالهم ، كما حدث مع مفتي السنة في لبنان الشيخ "حسن خالد" رحمه الله الذي وجد نفسه ، وهو صاحب مواقف محترمة ووطنية حقيقية في بلاده التي تعيش منذ الاستقلال على آتون طائفي ملتهب، في قلب لعبة يصبح فيها رجل الدين سياسياً تطبق عليه كل قواعد لعبة السياسة القذرة بما فيها الاغتيال ، لتغتاله جماعة "الأحباش" -الإسلامية أيضاً والتابعة لنظام "الأسد" الأب - عام 1989.. أخذ الطيب بذنوب الأشرار في لعبة شريرة بطبيعتها..

حتى لو كانت الفتوى السياسية موافقة لما أقتنع به فإني أرفضها شكلاً وموضوعاً ، المسألة ليست مسألة مزاج ، وليست "خناقة" على القهوة يعتمد فيها منطق "صاحب صاحبي صاحبي وعدو صاحبي عدوي...الخ".. وكنت أتمنى أن يرجع هؤلاء إلى قاعدة فقهية أصيلة تقول : "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة".. خصوصاً إذا كانت أضرار الإفتاء السياسي بهذه الضخامة.. الإفتاء السياسي يقودنا جميعاً إلى سواد السبيل ، لا إلا سوائه....
(1) صدق أو لا تصدق : هناك من رفض قانون العزل السياسي وتطبيقه على الفلول ، وأيد هذه الفتوى!

Saturday, April 7, 2012

مرشحوا الله ورسوله

حتى في الأحيان التي أشعر فيها بأنني تجنيت بعض الشيء على من يسمون أنفسهم بالمرشحين "الإسلاميين" للرئاسة ، وبأنني أتهمهم بالفراغ السياسي والفكري والثقافي .. تظهر أمور تؤكد بأنني كنت رحيماً بهم أكثر من اللازم..

هذه الصورة العجيبة التي شاهدتها بالأمس على أحد الصفحات التابعة لأنصار المرشح "الإسلامي" "عبد المنعم أبو الفتوح" ، والتي أحذر من يعانون من مشاكل في ضغط الدم من مشاهدتها ، أحدث صيحة من صيحات الخطاب الذي أتى به هؤلاء ، صيحة تربط بين انتخاب "أبو الفتوح" و العبارة الشهيرة "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" .. على أساس ، ولا يفهم غير ذلك ، أن عدم انتخاب السيد "أبو الفتوح" هو معصية لله عز وجل ، كما يخيل لهؤلاء بالطبع .. وليست هذه الصورة المريضة ، كمن فكر فيها بالتأكيد ، هي الصيحة الوحيدة ، ولن تكون بالتأكيد الأخيرة ، فقد سبقهم إلى ذلك شيوخ سلفيين كثر ، ومتعصبون كثر للشيخ "حازم أبو إسماعيل" يؤثمون فيه من يستمع لكلام الشوشو ويتقاعس عن التصويت لسيادته .. بل ويشكك البعض في إسلامية ، إن لم يكن في إسلام ، من لم ، ولن ، يصوت لمرشح إسلامي..أما الجديد فهو ما جاء على موقع "محيط" الإخباري .. التعليق لكم..

صحيح أنه كان لهذا القرف إرهاصات من زمن طويل ، كتب العبد لله هنا منذ حوالي خمس سنوات ونصف السنة أو أكثر قليلاً تدوينةً عن "فقه الانتخابات" من واقع فتوى لعضو مجمع البحوث الإسلامية الحالي ، و-حسب علمي- عضو أمانة السياسات بالحزبوطني المنحل "عبد الله النجار" ، بعد ثلاثة أشهر تقريباً من تصريح شهير لمفتي الديار المصرية الحالي الدكتور "علي جمعة" يرى فيه أن "الانتخابات تخالف مبدأً إسلامياً" .. تم تناوله هنا أيضاً.. (الروابط في التدوينتين لا تعمل للأسف) .. لكن الأمور لم تصل ، ولم يتوقع لها شخص في أحلك كوابيسه أن تصل ، إلى هذا المستوى ، وهذه المرة ليس من المحرضين فقط ، وهم "علماء دين" في حالة 2006 وحالة "أبو إسماعيل" 2012 ، بل وصلت إلى القاعدة نفسها ، وصار هناك من يؤمن بهذا الهراء ، والصورة مثل القطنة عند "مدام نظيفة" : ما بتكذبش..

يحاول المرء عبثاً البحث عن منطق مقنع لاستخدام الدين في تمرير مرشح معين ، أو تبرير مرشح معين ، أو تبشير أنصار المرشح بالهناء والسرور ، أو توعد معارضيه بالويل والثبور وعظائم الأمور .. فالبعض لا يزال يعيش في وهم البيعة ، الفكرة التي لم تعد موجودة لانتفاء كثير من أسبابها ، ظهرت في وقت معين لضرورات معينة في ظل ظروف معينة وفي بداية نشأة الدولة الإسلامية ، والآن صار هناك تنافس ، ولم يعد الشخص الذي تتم مبايعته هو "أمير المؤمنين" أو "خليفة المسلمين" لأن مفهوم الدولة وقتئذ مختلف تماماً عن مفهومه الآن وربما يختلف عن مفهومها بعد سنوات ، ولو كانت البيعة هي النظام المعتمد في الإسلام لاختيار الحاكم لبقيت على حالها منذ عصر الرسول (ص) إلى الآن.. ولكن النظم السياسية منذ خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى الآن تغيرت ألف مرة بتغير المجتمعات والظروف والأزمنة..

وهناك من يحاول استغلال عبارة جاءت في القرآن الكريم على لسان احدى ابنتي سيدنا شعيب عليه السلام "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين".. (القصص : 27) .. كلام جميل ومعقول ، لكن من هو القوي ومن هو الأمين؟ يفترض طالما أننا نتحدث عن اختيار بين بدائل في عملية تحكمها منافسة حرة ، أن أعرف كل كل شيء عن كل كل المرشحين ، وأن أسأل ، وأتلقى ردوداً واضحة ومهذبة ، عن ماض كل منهم ، عن الجهات التي عمل فيها ومدى أمانته في عمله فيها ، وعن كونه لا يعمل لحساب أي جهة أخرى طوال فترة عمله في الجهة التي كان أو لا يزال يعمل بها.. وعن مصادر ثروته ، وتمويل حملته.. هذا لو كنت ممن يختارون على أسس موضوعية من ضمنها الأساس المذكور في الآية الكريمة..

وطبعاً لو كان الاختيار على أساس المصلحة بأنواعها سيختلف مفهوم "القوة" و"الأمانة" ، فمرشح الحركة أو الحزب أو أياً كان "100 فل وعشرة" ، ولا يجوز التساؤل مجرد التساؤل عنه (وليس الشك فيه) ، كما أن مصلحة الفئة التي أنتمي لها ، سواء على أساس ديني أو مذهبي أو نقابي أو وظيفي ستحدد وبنسبة كبيرة تفضيلاتي لمن سيحكمني فيم بعد ، ولمن سيقدم لي ولمجموعتي أكبر قدر ممكن من الرشاوي سواء في صورة مرتبات أو حوافز أو امتيازات .. والقائمة تطول..

وفي كل الحالات لن يكون هناك إجماع على قوي أو أمين واحد ، وبالتالي لن يكون أمامك سوى أن تحكم عقلك وقلبك وتتجرد من الهوى ما استطعت لتختر من تراه القوي والأمين ، ولأننا مختلفون ، ولأن "صوابعك مش زي بعضها" فلن يتم التوصل لاتفاق بسهولة على "قوي وأمين" بعينه ، تذكروا أننا نتكلم في حالة ما كان يقال لنا في سنوات الدراسة أنه "سوق تنافسي" أو "سوق كامل التنافسية".. أي أنك يمكنك أن تعرف ، وأن تحصل على معلومات حقيقية عن كل المرشحين ، في ظل إعلام محايد وموضوعي يقف على مسافة واحدة من كل المرشحين (1).. وليس إعلاماً صاحب مصلحة أو مجموعات منتفعة يمارس كل منهما الكذب والتضليل لزوم "البروباجاندا" والدعاية..

واللذيذ أن أنصار المرشحين الإسلاميين بالذات ، وبالذات المرشَحَيْن (=بفتح الشين والحاء وتسكين الياء) الإسلاميَين (بفتح الياء الأولى وتسكين الثانية) الأوفر حظاً، و من واقع تجارب بعضها مرير على "الفيس بوك" ، يتجاهلون الرد الموضوعي على أي سؤال أو تشكك ، رغم أن هذا من حقي ، ولمن يعشق الاستدلال بواقعة قال فيها أحد الصحابة لـ"عمر بن الخطاب" - وهو من هو - "لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بهذا (= مشيراً إلى سيفه)" .. تجده وقد سكت تماماً عندما يطلب أحد سؤاله عن مرشحه أو أفكار مرشحه ، هذا الكلام ونحن لا نزال على البر.. أي أنه لم تقرر أغلبية الناس أن تختار هذا الـ"س" أو "ص" حاكماً على بلد بأكمله..

وبالمناسبة ، مع حالة "الاستوراع" السياسي والتزيد في إظهار الزهد (2) والحديث عن الوطن ومصلحة الوطن لم أجد تصريحاً واحداً لأي مرشح يتحدث فيه بالحد الأدنى من الاحترام عن المرشحين الإسلاميين الآخرين لأسباب لا أعرفها ولا أفهمها .. أي أنه يفترض أن منظومة القيم التي يسرح بها كل منهم علينا تتطلب تعاملاً أخلاقياً مختلفاً مع المنافس دون اعتباره عدواً أو وغداً أو ربما كافراً .. هذا هو مستوى أخلاق هؤلاء مع بعضهم البعض ، وهو الأمر الذي يلمح أيضاً إلى فكرة أن أنصار المرشح الفائز منهم لن يتورعوا - كما كان في فترة الخطوبة السياسية - عن البصق في وجه معارضي سيدهم إن رأوا فيه فساداً أو اعوجاجاً..هذا بعد أن يلمز السيد بيه السادة المعارضين بعبارات من الكتالوج المستعمل في مثل تلك الحالات..

إذا أراد هؤلاء المرشحون أن يتحدثوا عن ديمقراطية وعن ثورة ، فيجب أن يهمسوا في آذان أنصارهم ومروجيهم بأن يحذفوا أفكار "مرشحي الله ورسوله" من أدمغتهم كي تسير المركب ، إن كان هؤلاء يريدون لها أن تسير ، ليس فقط مجرد أن يسيطروا عليها حتى ولو جنحت تحت قيادتهم..
...(1) سبق التلميح لتلك النقطة في المدوَّنة الشقيقة "فرجة" في تدوينة "يسقط يسقط حكم الصورة"..
(2) ...وهناك قول مأثور لا أذكر قائله يقول في ما معناه أن التزيد في تجنب الرياء قمة الرياء.. أكون شاكراً جداً لو صححتموني في تلك المعلومة..

Wednesday, April 4, 2012

يا عزيزي كلنا إخوان

نكتة بطلاها "المصريين الأحرار" و -بكل أسف - الأزهر..

حزب "المصريين الأحرار" الذراع "الحزبي" للمال السياسي ، يشبهه البعض بحزب "الأحرار الدستوريين" الذي يراه بعض المؤرخين لسان حال الطبقة الرأسمالية أو طبقة "الأعيان" في مصر ، الفرق أن الحزب الجديد مراهق سياسياً ، ولا يملك تصورات حقيقية قياساً على ظروف البلاد لحل مشاكلها ، فقط تشتم رائحة التمكين - على الطريقة الليبرالية - كما تشتمها لدى أحزاب واتجاهات كثر ما بين الدينية والعالمانية ، من أجل حماية مصالح الرأسمالية الطفيلية التي ازدادت سعاراً - مالاً وسياسةً- في سنوات "المخليوع" الأخيرة (والتي من أجلها تحالفت معه ثم انقلبت عليه قبيل الثورة).. هو فقط وجد فرصة سانحة للتذاكي و "الاستصياع" على الشعب ، قد يدعي أنصاره أنه لا يمارس هكذا أمور تمارسها الأحزاب السياسية المصرية حالياً ، كلها بلا استثناء ، لكن ما سترونه لاحقاً يثبت أنه "مش وش ذلك".. بل "ذلك وش".. أما الأزهر فأترك لكم الفقرات القادمة لتكونوا في قلب الصورة..

إيه الحكاية؟

1-في برنامج "المصريين الأحرار" الذي يفترض أن يكون هو الوثيقة التي بين الحزب والجماهير ، والمنشورة علناً على شبكة الإنترنت ، والتي كان يوزعها إبان الانتخابات البرلمانية أواخر العام الماضي ، تحدث عن الأزهر و"تصوره" لـ"وضع الأزهر" :

دعم استقلال الأزهر من خلال إعادة إحياء الدور المحوري لجماعة علماء الأزهر وأن يضعوا القواعد المناسبة لهم لاختيار الإمام الأكبر بما لا يتعارض مع المبادئ الأساسية للدستور، وإدماج الأوقاف ودار الإفتاء داخل مؤسسات الأزهر للإرتقاء بدوره التاريخي كمرجعية أساسية لتعاليم الإسلام والتعليم والبحث الديني، مع التخلي عن إشرافه الحالي على التعليم المدني ليكون ضمن اختصاصات المجلس الأعلى للجامعات وليتفرغ الأزهر الشريف لتطوير الخطاب الديني وما يرتبط به من العلوم الإنسانية.

ثم:

السماح بحق مؤسسة الأزهر والكنيسة القبطية في إنشاء أو استخدام القنوات الإعلامية والصحف وغيرها من وسائل الاتصال في التواصل مع المواطنين بما لا يتعارض مع حظر التوجيه السياسي.

الموضوع واضح : الحزب لا يريد للأزهر أن يمارس أي دور سياسي من أي نوع .. وكما يقول "مصطفى شعبان" : إذا كان كدة ماشي..

لكن..

2-لكن تفاجأ بالحزب نفسه في مشروعه لتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور الذي يحرص فيه على ضم "الأزهر" للجمعية التأسيسية للدستور ، ليس بممثل واحد ، ولا باثنين ، بل بثلاثة ، على طريقة إعلان "سوبر ريد" في الثمانينات :

- 10 أعضاء من أساتذة الجامعات - 10 أعضاء من الهيئات القضائية - 10 أعضاء من النقابات المهنية - 5 من نقابات العمال - 5 من الاتحادات النسائية - 5 من جمعيات حقوق الإنسان - 5 من الفلاحين يرشحهم اتحاداتهم - 5 من الجمعيات الأهلية - 3 من الأزهر - 3 من الكنائس المصرية - عضو واحد من القوات المسلحة وجمعيات رجال الأعمال واتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية واتحاد الكتاب والاتحادات الرياضية واتحاد طلاب الجامعات والمجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للشرطة. - 10 شخصيات عامة منهم 3 من المصريين فى الخارج.!

3-المهم ، حدث ما حدث ، وقرر الأزهر "الانسحاب" من اللجنة ، ليس رفضاً لـ"الاستئثار" أو "الاحتكار" ولا لهذا "الكلام الكبير" .. بل بسبب "ضعف تمثيله" ، بدليل أن الدكتور "أحمد الطيب" شيخ الأزهر قد اشترط لعودة الأزهر للتأسيسية زيادة تمثيله في اللجنة .. بل إن عضو "مجمع البحوث الإسلامية" الدكتور "محمد رأفت عثمان" قد استنكر عدم اختيار ثلاثة علماء ضمن تأسيسية الدستور إضافةً إلى الدكتور "نصر فريد واصل" والدكتور "محمد عمارة"..

الحزب الليبرالي الذي يدعي أنه جاء لأخلقة السياسة وحماية الثورة يطالب بتركيز الأزهر في الجانب الديني ، وفي نفس الوقت يدعم مشاركته في صياغة الدستور ، ودعم من قبلها "وثيقة الأزهر" ، التي ، وهي مفاجأة إن صحت ، تعبر عن رأي من صاغوها ، وتم "إقحام الأزهر فيها إقحاماً" ، إن صح ما قاله الكاتب اليساري الكبير "صلاح عيسى".. أو - م الآخر - أقحم الأزهر نفسه فيها إقحاماً.. وكما يقول التعبير المصري الدارج "اللي ما يشوفش من الغربال..."..الخ.. بمعنى آخر : الأزهر ، كما ترى تقارير منها تقرير لـ "BBC" ، بدأ يمارس السياسة ، ويبحث عن دور سياسي رغم النفي المستمر والإنكار ، قبل الوثيقة ، وبعدها..

الإخوان نقضوا عهدهم - كما يرى كثيرون - وقرروا ترشيح "الشاطر" بعد أن كانوا قد أعلنوا أنهم لن يرشحوا أحداً منهم ، ولم تكن مبرراتهم لذلك "مقنعة" لدى شرائح أكبر (وعن نفسي أرى أن ما فعلوه قضى على مصداقيتهم في الشارع)، وفي نفس الوقت نجد حامي حمى الليبرالية يكذب على الناس ويدعي أنه لا يريد تدخل لأي جهة دينية في السياسة ويسمح بشكل ضمني - الآن - وبشكل صريح -بعدها- بتدخلات للمؤسستين الدينيتين في العملية السياسية ولكن بشكل - ههههههه- مقنن ، و"أبو الفتوح" - إخواني بالمناسبة مش من "ألتراس أهلاوي" - ترك الجماعة من أجل مصلحة هي السماح بترشحه للرئاسة (وليس لأسباب فكرية كما يزعم أنصاره) ، فيما ترك الأزهر لجنة تأسيسية الدستور احتجاجاً على ضعف تمثيله ، أي لمصلحته أيضاً..

أن يرشح الإخوان "الشاطر" بعد أن قالوا أنهم لن يرشحوا أحداً ، أمر معتاد من الإخوان "الوحشين" الذين لا يعملون سوى لمصلحتهم ، لكن هل يصنف ما يفعله "المصريين الأحرار" على أنه ورع سياسي وتقوى ثورية أم استغفال وانتهازية ونفعية؟ ولماذا سقط الأزهر بكل تاريخه في هذا المستنقع؟

ما بقتش تفرق ، وسمعني سلام "يا عزيزي كلنا إخوان"..

فقرة أخيرة : أستحلف الأزهر ، شيوخه وعلماءه ، بالله العلي العظيم ، أن يقولوا لنا وبوضوح أي شيء عن الماهية الحقيقية لدور الأزهر الذي ظل خطباؤه يروجون له على المنابر طيلة ما عشته من سنوات ، هل هو دور دعوي أم تنويري أم سياسي ، لو كان الأزهر يريد أن يمارس السياسة ليقولوا ويصارحونا بذلك ، وإلا فصورة المؤسسة الأزهرية "مش ناقصة اهتزاز" عما كانت عليه إبان "المخليوع" ، بأفعال قادتها وإرادتهم الحرة هذه المرة ، وليس بإيعاز من أحد داخل السلطة أو خارجها..

Monday, April 2, 2012

يعني إيه مجموعة دينية؟

لست في موقع يؤهلني للإفتاء في الدين ، لكن ما أدركه أن الإسلام دين يبدأ بالفرد وليس بالمجموعة ، الفرد المسلم هو فرد في أسرة هو عضو فيها برابطة الدم ، فرد في قرية أو مدينة أو محافظة بحكم برابطة الميلاد ، فرد في وطن برابطة المواطنة ، وفرد في أمة برابطة الدين ..

كلها علاقات واضحة ومفهومة ، الأسرة التي أنا عضو فيها بالميلاد تختلف حتى عن الأسرة التي أؤسسها (باختياري) أنا عندما أتزوج ، تختلف عن المدرسة أو الكلية التي أجتمع فيها مع آخرين من عائلات مختلفة بشكل مؤقت لفترة الدراسة ، تختلف عن العمل الذي أجتمع فيه مع عدد من الناس من عائلات مختلفة وخلفيات مختلفة بشكل مهما طال مؤقت .. وبيني وبين أغلب الناس قواسم مشتركة لا خلاف فيها كالدين ، ما الذي يجعلني كمسلم غير عضو في "مجموعة دينية" مختلفاً عن المسلم عضو الجماعة الدينية؟.. ما هي مزايا العضوية التي تمتلكها هذه المجموعة على حساب تلك؟ وما الذي يكسبه المرء أصلاً من عضويته في مكانٍ ما من عدمه؟

ربما لأن الجماعة أو المجموعة تمتلك تصوراً "أفضل" للدين؟ أكثر اعتدالاً ، أكثر تمسكاً بالثوابت ، أكثر .. أكثر..؟ ماشي.. "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"(1) ، لأنه حتى لو قال عضو الجماعة الدينية ، سلفية أو صوفية أو جهادية أو شيعية أو إسلام سياسي ، أنه "معتدل ومتسامح" ، فهل يعني ذلك أني ، وأنا الغير عضو ، متطرف وإرهابي ، مثلاً؟ هل يمكن أن أكون - في هذا المثال - معتدلاً وعضواً في جماعة أو مجموعة أخرى تختلف مع الأولى وعنها؟ وما دام الاعتدال ليس توكيلاً ولا علامة تجارية فلماذا تظهر مجموعة لتقول "أنا معتدلة"؟

وبما أن البديهي في علم الإدارة والسلوك التنظيمي أن لكل "منظمة" أعرافها ، وتقاليدها ،وثقافتها ، وطريقة لتداول السلطة فيها ، ما هو المصدر الذي تستقي منه الجماعات والمجموعات أعرافها وتقاليدها وثقافتها؟، حسب علمي أن "الدليل" - إن صح التعبير- لكل فرد ، وليس لمجموعة على حسابها ، هناك كود سلوكي وأخلاقي لكل مسلم ، المسلم الفرد مفروض عليه أن يفعل ولا يفعل ، العبادات كلها بما فيها العبادات "الجمعية" التي تشارك فيها آخرين كالحج عبادات فردية ، والهدف من كل ذلك أن تكون فرداً أفضل داخل أسرتك ، دراستك ، عملك ، حياتك الشخصية وغير الشخصية ، هل هناك مفروضات وتكاليف وامتيازات لمجموعات تجعلها مختلفة عن الأخرى؟

وهل يجب أن تكون بداخل تلك المجموعات أياً كان مسماها هياكل سلطة؟ هو الواحد ما يعرفش يعبد ربنا لوحده؟ هل يجب أن أنتظر تعليمات الـ Big Brother? يقول الله عز وجل في القرآن الكريم أن الدين قد تم ، والرسالة قد تمت ، وأنه بنهاية بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته صارت الأمور متروكة لنا أن نسير دون انتظار قيادة أو زعامة ، وعقلك في راسك تعرف خلاصك ..

نأتي لأفضلية الزعيم ، هل هو الأكثر علماً؟ أول مرة أسمع أن من هو أكثر علماً يؤم ويقود في شأن غير دنيوي ، هل هو الأقرب نسباً للرسول صلى الله عليه وسلم؟ يقول الرسول الكريم في الحديث ما معناه "ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه".. هل هو صاحب الكرامة؟ الكرامة رزق يعطيه الله لمن يشاء ويرضى ، وليس الرزق بأمارة يقود فيها شخص شخصاً آخر له إرادة مختلفة وعقل مختلف ، هل هو من يرى نفسه أو يراه غيره أقرب إلى الله ، وأنه مرشد ودال على الطريق الصحيح؟ إذا لماذا نرى آخرين يحملون نفس الصفة ما دام الطريق الصحيح هو الطريق الصحيح؟

ما هي صلاحيات الزعيم؟ هل له عليّ صلاحيات دينية؟ التعاليم كلها نزلت للفرد ليطبقها الفرد على نفسه ، وكل الاختيارات متاحة أمامي مثلما هي أمامه ، صواباً وخطأ وحلالاً وحراماً ، "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (2)، هل هي صلاحيات دنيوية؟ بما أن الـ Big Brother knows better.. يقول الرسول الكريم (ص) ما معناه "أنتم أعلم بشئون دنياكم".. أطيع في العادة رئيسي في العمل لأنه رئيسي طبقاً لنظام الشركة أو المصلحة الحكومية التي أعمل بها ، ولأنه في الأغلب أقدم وأكثر خبرة ، ويؤمن بأن صالحي الوظيفي هو صالحه الوظيفي ، فلديه دافع لأن يخاف عليّ ، و"من الممكن" أن أسترشد به كأب أو أخ أكبر في بعض شأني خارج حياة العمل إن كنت أثق في خبرته ، وهو حتماً أكبر سناً وأكثر تجربة مني ومر بكثير مما مررت به سابقاً ، لكن هل يكتسب هذا الـ Big Brother زعيم المجموعة الدينية كل الصلاحيات الدينية والدنيوية بحكم سلطة أبوية أو سلطة دينية بحيث يصبح حكماً وحاكماً على كل ما تركه لي الله عز وجل - الذي خلقني وخلقه وخلقنا وخلقكم - للاختيار وتحمل التبعات ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر؟

حتى ولو كنت أحسبها جدلاً بحسابات المكسب والخسارة والقوة والضعف ، أجد أماناً أكبر في عضويتي في الجماعة الأكبر التي هي جماعة الدين بأكمله ، ما دام كبر حجم المجموعة مؤشراً على قوتها ، والقوة حماية ، وأجد ذلك الأمان أكبر وأكبر عندما لا تكون هناك قيادة ، أشعر داخلها بحريتي فأحبها أكثر وأكثر وأكون أكثر حرصاً عليها.. كحرصي على الأسرة وعلى العمل وعلى البلاد ..

قد يكون ما قلته صحيحاً ، وقد يكون ما قلته داخلاً في باب التخريف بل وموغلاً فيه ، كيف ترون المسالة؟ الكرة في ملعبكم..
* الآيات القرآنية بالترتيب :(1) سبأ (24) ،(2) فاطر (18)..