Wednesday, September 15, 2010

حاشية على كلام فارغ - جزء ثاني

10-بعيداً عن نفاق الناشطات والناشطين سالفي الذكر ، ظهرت الحاجة للحنين إلى الجذور الريفية في ظل ما تعرضت له الحياة الاجتماعية في مصر كلها من تغيرات في أعقاب الثورة ثم النكسة ثم الانفتاح ثم الهجرة إلى دول النفط ونهاية بحرب الخليج الثانية 1991..تغيرات انعكست كثيراً على شكل الأسرة في مصر أفرزت ظواهر منها التفكك الأسري ، ارتفاع حالات الانفصال ، ظهور ظاهرة المرأة المعيلة سواء أكانت زوجة غاب عنها زوجها بفعل السفر أو الانفصال أو الفتاة التي تعيل أشقائها ، لما رأته شرائح كبيرة في مصر من استقرار نسبي في الحياة الريفية مقارنة بحياة مجتمعات المدن .. تلك الحاجة لم تظهر فقط لدى أجيال الآباء بل انتقلت إلى جيل الشباب المصري نفسه..و بالأخص من سكان المدن الكبرى في الأقاليم وسكان القاهرة ، جيل على حصول كثير من أفراده على قسط كبير من التعليم بدأ يعيش أزمة اجتماعية كبيرة بين قيم الريف الذي جاء آباؤهم منه ، والمدينة التي عاشوا وتربوا وتعلموا فيها.. تخبط عاشه آباؤهم من قبل ووصفه علماء الاجتماع بـ"التحضر الزائف".. فكرة العيش في مكان بثقافة مكان آخر..

انعكس هذا التغير على سلوك الآباء والأبناء ، الآباء الذين يزوِّجون ، والأبناء الذين يتزوجون.. وبالتالي في الضغط على الفتيات والشباب على حد سواء للزواج في أصغر سن ممكن ، كما كان يحدث على عهد الآباء والأجداد ، والتعامل مع غير المتزوجة ، وغير المتزوج على أنه كائن غير مكتمل الصلاحية*.. لينتقل هذا المنطق الغريب حتى إلى المثقفين من المجتمع .. وهنا تكمن الخطورة..

جملة اعتراضية: لم أقصد بالتأكيد الهجوم على الريف الذي ننحدر منه بطريقة أو بأخرى .. فقط أقول أن الوضع الذي كان سائداً في الريف في ذلك الوقت عكس واقعاً اقتصادياً واجتماعياً كان سائداً حتى منتصف القرن الماضي .. وتغير بالكامل .. وبالتالي من الخطأ فرضه على أهل الريف أو المدينة الآن تحت أي مسمى..

11-ما جعل من التأخر في سن الزواج "عنوسة" وبالتالي "أزمة" وبالتالي "مصيبة" صنفان من الناس..الأول مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يلعقون أعتاب عدد كبير من المسئولين الفشلة والفاسدين في الثمانينيات والتسعينيات قبل أن يحطوا كالجراد على فضائيات النفط من عينة "إيه آر طين" ليقدموا تقارير وبرامج ينشرون فيها الغسيل "النظيف" للمجتمع المصري من أجل سليوة لذيذة لأبناء الطبقة المخملية في دول الخليج.. وبقوا على حالهم تلك حتى بعد أن تحول هؤلاء إلى المعارضة التي وجدوا معها سبوبة حلوة ولقمة طرية..

والصنف الثاني هم مجموعة من موظفي مراكز البحوث الحكومية ، تعليم عالي وثقافة "مش عالية" ، وتمسك بنظرة شديدة التخلف للمجتمع ككل وللمرأة بشكل خاص .. يطلقون نتائج "أبحاث" - الله أعلم اتعملت إزاي .. وأعلم باللي في ضميري- على وسائل الإعلام فيضخمها السادة الصحفيون ، فيتحول كل من تأخر في سن الزواج ، شاب أو فتاة ، إلى كائن معاق ومريض وأجرب ..

12-من النقاط الإحدى عشر سالفة الذكر يتضح أن الدين بريء من تلك المشكلة.. ومنظور الإسلام للزواج لا يحتاج إلى أبحاث مطولة أو إلى فذلكة.. لكن ما أدخل الدين للمسألة مجموعتان أخرتان من الناس.. الأولى هم صنف "مسلي ولذيذ" من المفكرين والصحفيين يعتبرون أن الدين هو سبب كل المشاكل في الحياة.. قد يغلف بعضهم عباراته تحت لائحة "تجديد الخطاب الديني" وربما "المطالبة بثورة جنسية" كما قال السيد "حامد" نفسه.. والمجموعة الثانية هم بالتأكيد الذين عادوا للظهور بعد غزو العراق في العالم الإسلامي كله.. رجال المذاهب..

13-لن تحتاج لمتابعة كثبة - من "عن كثب"- للفضائيات الدينية ، أو لمطبوعات السلفيين من أمثال مجلة "التوحيد" ، أو مثيلاتها لدى الصوفيين "الإسلام وطن" أو مجلتهم الرسمية "التصوف الإسلامي" ، أو حتى لبعض إعلام جماعات الإسلام السياسي -وإن لم يكن لإعلامهم تأثير في المجال الاجتماعي بالمرة- لتكتشف أن تسعين بالمائة على الأقل من اهتمامات الخطاب الإعلامي لهم ينحصر أولاً في "العنوسة" وتأخير سن الزواج ، وفي ارتفاع حالات الطلاق.. والذي يتفق هؤلاء ، على اختلافاتهم الحادة فيما بينهم ، على أنه جاء بسبب غياب المجتمع عن "منهج الله".. كلام جميل في ظاهره.. لكن ما يقولونه ، بمزيد من التحليل ، والرد عليه ، هو محور الجزء الثالث الذي قد يكون الأخير ..

بالمناسبة.. سأنشر هذه التدوينة ، والجزء الثالث تحت باب "رمضان 1431" لتحضيري إياهما أثناء الشهر ، ثم استكمالي لكتابتهما بعد رمضان.. كان لدي الكثير لكتابته أثناء رمضان ، ولكن قدر الله وما شاء فعل..