Sunday, November 19, 2006

بمناسبة كريم عامر

لو بقي كريم عامر ضمن طلبة جامعة الأزهر لوجد من يطلق عليه لقب "مفكر إسلامي"!

بعد أن عصرت على نفسي ليمونة ، وقررت القراءة لمشروع "المفكر الإسلامي" ، تأكدت أن كريم عامر يمثل نسبة كبيرة ممن يحبون أن يطلقوا هذا اللقب على أنفسهم .. ليس فقط في علاقته المتطرفة بالنص ولكن حتى في إقصائيته للغير .. ما يخبئه "المفكرون الإسلاميون" من عينة العشماوي وجمال البنا يظهره كريم بوضوح..

ولعل الوضوح هو الميزة الوحيدة في كريم عامر ، هو شخص يعترف علناً بأنه ملحد ، ويدلي بآرائه المتطرفة على الملأ ، على العكس من أشخاص يمارسون التقية السياسية والفكرية ويمشون مع الماشي ، ويقدمون وصلات النفاق للنظام الإيراني والحزب البيروقراطي وبعض الأنظمة العربية وحتى بعض جماعات الإسلام السياسي والفرق المتصارعة على الزعامة الدينية.. والأجمل في أنه صريح حتى في إقصائيته وتعاليه ، فبينما يكيل لك هؤلاء قصائداً في احترام الرأي والرأي الآخر تجد "الطبع الردي من جواهم فط" مع الاعتذار لأغنية "سعاد حسني" في فيلم "شفيقة ومتولي" ويرون أنهم على الحق المبين وأن كل من على غير رأيهم حمار حصاوي بذيلين ونصف الذيل ، تماماً مثل الإمام الذي كدت أن أتشاجر معه في رمضان المنصرف.. رغم التباين الشديد بين الإمام وبين "المفقرين" في مسائل كثيرة!..المفقرون يدعون الحرية ويخبئون الإقصائية ، أما "كيمو" فيظهر الاثنين معاً..

فكريم الذي يهاجم كل الأديان بدعوى أنها تحرض أتباعها على عدم احترام من يدين بدين مختلف هو نفسه من يعتبر المسلم شخصاً غير محترم لنفسه! حتى دور الملحد المسالم لا يقبله.. يا عيب "إلشووووم" على رأي فطوطة!

قد يكون القليل من كلامه صحيحاً عن ممارسة النفاق الديني في شهر رمضان ، لكنه - ككثيرين غيره - يؤمن إيماناً قاطعاً بأن القرآن والسنة يأمران الناس بالنفاق ، ليس لدى صاحبنا -الأزهري الدراسة - الحس الكافي لإدراك الفرق بين ما يستهدفه الدين كنظام وبين الممارسة الفعلية للدين التي قد تنحرف عن الخط الذي رسمه الدين كنظام ، وذلك لأنه برأيي المتواضع لم يحاول فهم النص نفسه ، بل كان كل تركيزه على نقد النص وحتى نقضه..

تاريخ الإلحاد قديم كتاريخ الإسلام نفسه ، لكني أعتبر كريم عامر ، واللادينيين الحاليين مجرد ردود فعل وليسوا الفعل ، ردود فعل لمحاولة المتصارعين على البابوية في الإسلام إضفاء تفاسير دينية على أي شيء يستغلونها للتسويق لأنفسهم (تذكروا كمية المزايدات الدينية التي تبعت العدوان الإسرائيلي على لبنان) ، ولمحاولات الساسة وبعض أذنابهم في الوسط الإعلامي استغلال الدين لصالحهم ، ولتزايد جرعات التطرف الديني سواء ما تمحور منه حول السلطة أو الزعامة الدينية.. لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه..

ختاماً .. كريم عامر حر في أن يقول ما يشاء ، ونحن أحرار في أن نرد عليه أو لا نرد .. لكن من الذي سيضمن لي أنه سيحترم حريتي في نقد وجهات نظره أو حتى الرد عليها أو في كوني معتنقاً لدين لا يأتي على مزاج سيادته؟
ويتفق معي في ما قلته إلى حد ما أحمد شقير و الدكتورة بلو روز..

Sunday, November 12, 2006

فقه الانتخابات!

في تدوينة سابقة نشر العبد لله تصريحاً خطيراً لمفتي الديار المصرية يهاجم فيه الانتخابات من حيث هي ويصفها بأنها تخالف مبدأً إسلامياً..لم يحظ التصريح بما يستحق من أهمية ولا انتباه ، لأننا بصراحة ربنا بلد صحفيين .. إذا ما أراد الصحفيون لفت أنظار الناس لموضوع فعلوا ، وإن أرادوا التغطية عليه فعلوا.. في الوقت الذي لم يخرج فيه معظمنا - بكل أسف - من دائرة الاتباع والتصديق "الأوتوماتيكي" لكل ما ينشر في الصحف رغم أننا نصف الكلام الفارغ أحياناً بأنه كلام جرائد.. عموماً ليس هذا بالضبط موضوعنا..

في أهرام الجمعة الماضي نشرت الصحيفة الغراء لا فض فوها ملفاً كاملاً في صفحة "الفكر الديني" ترى فيه أن الانتخابات "ضرورة إسلامية" على عكس ما قاله فضيلة مفتي الديار ، لم يثر الموضوع طبعاً وقت ما قال فضيلة المفتي تصريحه الشهير الذي نشرته جريدتان منهما جريدة الحزب الوطني نفسه.. الموضوع طبعاً أثير "لهدف ما" ستعرفه عندما تقرأ الرابط الذي سيكون فعالاً لمدة أسبوع فقط (المواقع الحكومية كدة وحنعمل إيه فيها.. مع الاعتذار لنجيب سرور)!

الفتوى العجيبة للدكتور عبد الله مبروك النجار ، ضمن هذا الملف "المسلي جداً" ، تعيد للأذهان سؤالاً قديماً جديداً : هل أصبحت الانتخابات ساحة للفتوى؟

في دولة كالعراق يفتي رجل الدين بالتصويت من عدمه في الانتخابات ، ويصبح الممتنع عن التصويت في مصر "كاتماً للشهادة" آثماً قلبه طبقاً لبعض دكاترة الأزهر، أما "المفكر الإسلامي" جمال البنا فيرد قبل عام وبعض العام على الدكتور يحيى الجمل بما وصفه البنا بأنه "حل وفره الفقه الإسلامي" لمشكلة اختيار المرشح الأنسب لرئاسة الجمهورية!

ألتمس العذر للشخص العادي الذي يتابع ذلك كله ، عندما يتهم كل هؤلاء "بالزرارية" .. بكبسة زر تصبح الانتخابات ضرورة إسلامية ودعماً للشورى ، وبكبسة أخرى تخالف الانتخابات مبدأ إسلامياً .. بكبسة زر يصبح الممتنع عن التصويت كاتماً للشهادة .. وبكبسة أخرى يصبح من السياسة ترك السياسة.. حاجة تكبس!

ولأننا في هذا الزمان يا ضيوفي الكرام ، لا أستبعد أن تظهر على الفضائيات إياها فتاوى من عينة هل يجوز للأشول (زي حالاتي) التصويت في الانتخابات؟ وما هو حكم الرموز الانتخابية على شكل حيوانات وطيور؟

مسألة الانتخابات ليس فيها حرام وحلال ، ولو كان هناك "تصور فقهي إسلامي" للانتخابات لخرجت دول إٍسلامية كثيرة من الملة بما فيها الباكستان وبنجلاديش وغيرها من الدول التي قدمت نماذج انتخابية محترمة دون حشر الفقه في الموضوع .. النظام الانتخابي متروك لكل دولة حسب ظروفها السياسية والاجتماعية والجغرافية .. والشورى في كل المجالات وليست فقط في السياسة ..هذه كما أراها حقائق واضحة وأبسط من أن نختلف حولها أو نتجاهلها..لكن تقول لمين؟

هل يقال هذا الكلام لصحفيين معجبين بسفسطائيي الإغريق وقدرتهم على قلب الحقائق وخلط الحق بالباطل؟ أم لبعض ممن حصلوا على درجات علمية من الأزهر وعاشوا في دور "المفكر الإسلامي" ، ولا هم لهم سوى الظهور على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات ليفتون في أمور ليست من اختصاصهم ، ثم يمصمصون الشفاة على حال الدعوة وسنينها ، وينتقدون من يظهر - منهم وليس من غيرهم- على شاشات الفضائيات ليتحفنا بفتواه ، ويتهمونهم بحب الظهور والشهرة؟ -ولا أفهم أي متعة يشعر بها شخص يتهم غيره بخصلة هي فيه؟

هكذا جعلنا الانتخابات ساحة للحلال والحرام ، وأصبح لكل حزب ولكل شلة مفتين وأناس في الأزهر وخارج الأزهر ينظرون لهراءاتهم باسم الدين.. وسؤالي الأخير : ماذا يمكن أن يُفعَل بالدين في مجتمعاتنا أكثر مما يحدث الآن؟

Thursday, November 2, 2006

هل صار السب بالدين فولكلوراً مصرياً؟

من أجمل ما قرأت في مدونات هذا العام الملف الذي أعده الأستاذ محمد أبو زيد عن "التطور الطبيعي للشتيمة في مصر" .. إلا أنه رغم ثراء الملف لم يتطرق للسبب المنطقي الذي يجعل الشعب المصري ، والذي تعلمنا وسائل إعلامنا أنه شعب متدين ، يسب بالدين!

في عشرينات بالأمس ، نشر الموقع ملفاً عن معتمر يسب بالدين.. رغم أنه يفترض أنه ذاهب لأداء شعيرة دينية!

صحيح أن المعتمرين يتعرضون لأنواع بشعة من النصب والاحتيال من قبل شركات السياحة - نحن نتحدث عن المعتمرين الفقراء الذين ليس لهم ظهر- ولأنواع أبشع من التجاهل بقيادة البيروقراط الذين لا يرقبون في المعتمرين وبخاصة كبار السن إلاً ولا ذمة .. لكن هل يبرر ذلك أن أسب بالدين ، سواء أكان الشخص الذي أسب دينه على ديني أم لا؟

إن كنتم تريدون رأيي الشخصي : الله الغني عن عمرة تجعلني أسب الدين ، الدين أكبر من أن يجعلني بيروقراطي أو مهرج أو "مفقر" إسلامي أسبه بسببه..

السب بالدين صار واقعاً رغم رفض معظمنا له ، ورغم سماع بعضنا له في نهار رمضان.. الذي نحن مطالبون فيه إن سبنا أحد أن نقول "اللهم إني صائم"!.. لكن ليه؟

نحن كمصريون لسنا سبابين من الباب للطاق ، حتى وإن استعملت "الشتيمة" بشكل عام على سبيل الهزار (ومنها شتائم بشعة) في شرائح من المجتمع المصري .. لكن من الواضح أن سب الدين يسكن منطقة ما داخل العقل المصري وترسبت بداخله على مر القرون .. لأسباب لا أعرفها ، وهذه الفرصة لأسألكم عنها وفيكم من هو أكثر مني ثقافة ودراية بأصول الأشياء ومبتدآتها..
* اكتفيت برابط "تابوهات الشتيمة" الذي يتناول الخطوط الحمراء للشتيمة ، والملف كله رائع وأرشحه للقراءة..
تحديث: قمت بتغيير العنوان ليلائم المحتوى..

Wednesday, November 1, 2006

حتى لا يكون العقل ..خارج الموضوع

في ندوة عقدت بجامعة الفيوم في التاسع عشر من الشهر المنصرف ، وجه بعض طلبة الجامعة أسئلة مخيفة للدكتور علي جمعة مفتي الديار ، عن "حرمة" الالتحاق بكليات التجارة والسياحة والفنادق ، والتصوير الفوتوغرافي!

أسئلة غريبة الشكل عندما تخرج من أناس يعيشون في العام السادس من الألفية الثالثة.. تؤكد الأزمة المخيفة التي نعيشها ، وتجعل أي شيء.. أكرر .. أي شيء قابل للحدوث في مجتمعـ(ات)ـنا .. بما فيها حوادث التحرش والتي أوفاها الكثير من الزملاء حقها بحثاً وتحليلاً..

تلك الأزمة التي نعيشها ببساطة هي أنه بالرغم من تحرير الإسلام للعقل من الخرافة ، إلا أن الخطاب الديني - وليس الدين كما يزعم "البعض"- أقصى العقل تماماً من حساباته إن جاز القول..

الخطاب الديني بشكله الحالي روحاني عاطفي أكثر من اللازم، عشرات الدروس والمواعظ والسرادقات والحلقات والبرامج كلها تلعب على النغمة الروحية والعاطفية أكثر من "أي شيء آخر".. واستًغِل ذلك أسوأ استغلال من مهووسي الزعامة الدينية في كل اتجاه ، فكثيراً ما وجهوا الناس حيث يريدون ، وألبوهم على من يريدون ، قاطع يا زكي قدرة يقاطع زكي قدرة ، احرق يا زكي قدرة يحرق زكي قدرة .. دون ترك أي براح لزكي قدرة كي يفهم!

والشلل الحاكمة استفادت من ذلك أيما استفادة ، ما رأيكم في تدين جميييييييل يمد الناس بشحنة روحية تنسيهم آلام يومهم التعس ، مثل أنجع حقنة مورفين أصلي غير مغشوش؟

ولا مانع من سرد بعض القصص التي تتضمن كرامات وخرافات بالمرة ، في وجود جمهور متأثر روحانياً وليس لديه الاستعداد لعرض ما يقال على العقل.. وللأسف الشديد نحن هنا في مصر من سادة هذه اللعبة ، فوجئت اليوم وأنا أطالع أسبوعية "الخميس" التي صدرت في الأسواق اليوم الأربعاء بأن إمام مسجد الحامدية الشاذلية قال أنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد يوم ليلة القدر وأن المصلون صلوا وراءه ركعتي الفجر لمدة ساعة وربع الساعة ، أمر غريب أجد صعوبة في تصديقه، ربما كان غير صحيح .. ربما كان صحيحاً .. الله أعلى وأعلم، حتى الصفحة الكاملة التي أوردتها الخميس للحدث اكتفت بتوضيح وجهة نظر فضيلة الإمام دون الرأي الآخر بنفس المساحة، ناهيك عن عشقنا كمصريين لما يثار عن كرامات - بالحقيقة أو "بغيرها" - عن الشخصيات العامة ، كما كان الأمر حول لاعب كرة القدم الدولي الراحل محمد عبد الوهاب ، مروراً بعبد الحليم حافظ الذي أكد "البعض" أن جثته "لم" تتحلل!

الخطاب الديني بشكله الحالي خطاب روائي ورائي ، يعتمد على القصص التي تروى في الدروس وعلى المنابر مصحوبة بأداء تمثيلي تعليقي من قبل الراوي .. منفصل تماماً عن واقع المسلمين وحياتهم..

الخطاب الديني الحالي جعلنا جميعاً سلبيين واتكاليين ، نرفع أكفنا إلى السماء في مناسبات الدعاء دون عمل شيء ، أو للتغطية على خيبتنا المربعة ، ذلك يذكرني بنكتة عن طالب بليد دعا الله أن يجعل باريس عاصمة لندن لأنه كتب ذلك في الامتحان! .. ألا يبدو ذلك ممجوجاً في وقت يعطيك الله فيه أدوات السعي ، وعقل ليس الغرض منه التعليق في النجفة؟ .. الفرق رهيب بين التواكل ، وبين الأخذ بالأسباب والاعتماد على مسبب الأسباب..

استنتاجي الوحيد لما حدث في شوارع القاهرة بعد ساعات من صلاة عيد الفطر ، هو أن السادة المتحرشين الكمل ، بعضهم على الأقل ، كانوا من ضمن من ملأوا صلوات التراويح في المساجد ، ونهنهوا من البكاء خلف مشايخ الطرب القرآني ، إلى أن انتهى رمضان ، وضرب الجرس ، وخرجوا إلى "الفُسحة" ، واللوم الأعظم يقع على هؤلاء ، أكثر من زملائهم المتحرشين الآخرين الذين لم يحضروا "الدرس" أصلاً!

ربما تكون الصورة أقل قتامة لو عاد العقل لمكانه الطبيعي في الخطاب الديني..حتى يصبح حالنا أفضل ولو بعض الشيء ، حتى لا يصبح الدين نفسه "ملطشة" لأدعياء التجديد الذين يرون أن الدين يحضنا على السلبية والتخلف ويتعاملون معه بمنطق انسف منزلك القديم!