Tuesday, August 26, 2008

وأهه كله برتقال!

كل عام أنتم بخير..رمضان على الأبواب..وعليه علينا أن نذكر أنفسنا ومن يهمنا أمره بما لقننا ويلقننا إياه بعض خطباء المساجد وبعض المفقرين وبعض الكاتوبجية وبعض أعضاء "حزب العزة والكرامة" عن أن وحدة رؤية هلال رمضان أصل من أصول هذا الدين لأنه رمز لوحدة المسلمين ،وعليه فيجب توحيد تلك الرؤية- بالعافية- ليصبح هلال رمضان واحداً في كل من مينديناو وجدة والرباط وطلخا.. حتى ولو اقتضى الوضع الصرف من أموال الدول الإسلامية على إنشاء قمر صناعي "مخصوص" لتوحيد رؤيته!

وبما أننا أمة واحدة فيجب علينا أيضاً أن نتوحد في مواقيت الصلاة ، على العالم الإسلامي كله من أجل تحقيق الوحدة الشاملة واستعادة العزة والكرامة على أن يصلي في نفس الوقت .. ولأن مصر هي أكبر دولة في المنطقة فيجب أن تقدم بتجديدها للخطاب الديني الدرس والقدوة لمن حولها في توحيد مواقيت الصلاة عبر البلاد..

في الجمعة الفائتة نقل التليفزيون شعائر صلاة الجمعة من "مرسى مطروح" بمناسبة عيدها القومي ، وبحسب "المصري اليوم" طلب فضيلة شيخ الأزهر الذي كان حاضراً للصلاة تقديم موعد آذان الظهر لكي يتناسب مع موعده في القاهرة ، علماً بأن فرق التوقيت بين مطروح والقاهرة هو ثلث الساعة فقط!

شي كتيييييير بيعقد.. الواحد في عيشته!

أعرف أن الأمر مستفز وحارق للدم لأبعد مدى ممكن ، لكنه مجرد نتيجة منطقية لهذا الفكر التوحيدي الذي يقضي باعتبار مواقيت الصلاة والصيام هي المظهر الهام والوحيد للوحدة بين المسلمين والذي يجب أن نعض عليه بالنواجز إلى أن ينقطع هو أو تنكسر أسناننا..

ترسخ في ذهنياتنا أن العالم الإسلامي يجب أن يصوم ويفطر في نفس اليوم، وفي ذهنيات مؤذني المساجد خارج الأقاليم أنه يجب أن تضبط ساعتك في مسألة الآذان على ساعة الراديو أياً كان ضخامة فرق التوقيت وتأثيره خاصةً في رمضان.. في "المنصورة" يفترض أن يؤذن لصلاة الفجر قبل القاهرة بأربع دقائق كاملة في شهري يونية ويولية ، وذلك طبقاً لخرائط التوقيت التي أعدتها هيئة المساحة الحكومية المصرية ، وفي أوقات أخرى في العام وطبقاً لنفس الخرائط يؤذن المغرب قبل القاهرة بدقيقتين أحياناً ، وبعدها بثلاث دقائق أحياناً.. هذه هي المنصورة التي تبعد قرابة المائة وخمسين كيلومتراً عن القاهرة ، فما بالكم بمطروح أو أسوان ..

لكن ما قولكم في أن الحكومة نفسها تسير في نفس الاتجاه عندما تصر على تجربة "الآذان الموحد" مستشهدةً بأن مصر كلها تصوم وتفطر وتصلي حسب التوقيت المحلي لإذاعة جمهورية مصر العربية ، الذي هو طبعاً توقيت مدينة الإذاعة ، قاهرة المعز؟.. وهذا يلقى بالمناسبة تأييداً من بعض المفقرين باعتبار أن الوزير يقود معركة حقيقية ضد الجمود في الخطاب الديني ، وأن توحيد مواقيت الصلاة - عنداً في العلم والجغرافيا- هو رمز لتجديد الخطاب !

ممارسة الترميز بهذه الطريقة شيء مقرف يجب علينا أن نتخلص منه إن كان لدينا بقية من حياء.. وإن كنت متشائماً للدرجة التي سيكبر فيها أبناؤنا وهم على يقين على أن وحدة الهلال رمز وحدة العالم الإسلامي والآذان الموحد رمز لتجديد الخطاب الديني وأن "أهل الحل والعقد" هو رمز الديمقراطية في الإسلام وأن أعمدة الإنارة المكشوفة في الشوارع هي رمز السمكة.. وأهه كله برتقال .. ومحدش واخد باله .. وهوة فيه حد النهاردة بيفتكر.. ربنا يستر علينا..

ذو صلة: عماد عمر كتب في اليوم السابع عن مهزلة مطروح..والقصة الكاملة للمهزلة كما نشرتها "المصري اليوم" ونقلها عنها "مصراوي"..

Friday, August 1, 2008

كيف ترون هذه الفتوى؟

ذات مرة .. أفتت دار الإفتاء في مصر بفتوى لا تجيز توريث الحكم شرعاً تحت أي مسمى.. نُشِرَ عن تلك الفتوى ما نشر ، وتم استقبالها وقراءتها بشكل متباين.. فحركات الإسلام السياسي والمعارضون خاصةً المدعومون من "المال السياسي"- الحقيقة الأكبر في السياسة المصرية الحالية- رحبوا بالفتوى أيما ترحيب .. بينما التزم "الحزبوطني" و"آخرون" الصمت..

"مصطفى الفقي" كان من بين الرافضين لتلك الفتوى ، وله مبرراته و "دوافعه" التي لا نريد أن نخوض فيها.. وكان مما قال لموقع "محيط" دوت كوم : "التوريث ليس قضية دينية وإنما مسألة سياسية، وهو تعبير يستخدم في الأنظمة الملكية، أما في النظام الجمهوري فيتم اختيار رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع الحر المباشر كما ينص على ذلك دستور البلاد".. كلام جميل كلام معقول ما أقدرش أقول حاجة عنه من الظاهر .. قلناه كثيراً بطريقة أو بأخرى - ونصر عليه -وقتلناه بحثاً حتى كاد أن يموت.. لا جديد!*

ولكن في اعتقادي أن الرجل حكم على تلك الفتوى من الخارج..

في الفتوى جزء مهم جداً.. نهديه لـ"حبايبنا الحلوين" الذين يعرضون خدماتهم على النخبة الحاكمة وأحياناً على المال السياسي باسم الدين.. والذين نسوا في غمرة ممارسة هوايتهم الذميمة أن الأمور "مش سايبة":

"الشرع لا يمنع ولا يفرض نظاما معينا لصورة الحكم، سواء كانت هذه الصورة ملكية أو جمهورية، أو أى نظام آخر يتفق عليه الناس، ويحقق مصالحهم العليا، كما أنه لا يمنع من الانتقال من نظام إلى آخر إذا ارتضى الشعب ذلك، واجتمعت عليه كلمتهم".

قد نختلف مع الحيثيات .. وقد يرى بعض منا ومنهم كاتب السطور أن النظم السياسية التي حكمت الدول والدويلات الإسلامية سواء في عصر الدولة المركزية (الخلافة) أو في العصر الحالي حكمتها متغيرات سياسية واجتماعية ومعرفية هي صنيعة كل زمن على حدة ، وما يصح فيها قد لا يصح بالضرورة في غيرها.. وقد يرى البعض -ولهم وجهة نظر وجيهة في ذلك-أن الموضوع "مش طالب فتوى".. لكن الجزء السابق يوجه لطمة قوية لكل الانتهازيين والمستفيدين باسم الدنيا وباسم الدين.. تعالوا ببساطة "نفصص" ذلك الجزء على طريقة القانونيين.. وبشكل مبسط..

"الشرع لا يمنع ولا يفرض".. لا قال آه ولا قال لأ..أي أن المسألة كما قيلت في الفتوى "دنيوية" .. وعليه فما يقال عن "أهل الحل والعقد" فيما يسميه البعض "اجتهاداً" من السيد "المفكر الإسلامي" إياه لا محل له من الإعراب ولا محل له إلا المتاحف.. ولا يُقبَل أن نسمع أن فلاناً قد "بايع" الحاكم أو الرئيس الفلاني في بلد اتفق أهله على الانتخاب كوسيلة لاختيار الحاكم.. ولا أن نسمع أن "أحدهم" أعلن ذات الحاكم "أميراً للمؤمنين" في عصر غير العصر وزمان غير الزمان..

والاستنارة هنا كما أراها هو الاحتكام لمعيار المصلحة العامة ، لمبدأ "لا ضرر ولا ضرار" في مسألة لم يرد فيها نص بحل أو تحريم.. وعليه فإن الشأن الذي له علاقة بالمصلحة العامة يترك تماماً لمن تخصهم المصلحة العامة.. استنارة أتمنى أن أراها في فتاوى أخرى..

تلك الكلمات التي وردت في نص الفتوى كافية جداً جداً وتغني عن كل ما سبقها.. وهو درس لجماعات الإسلام السياسي أو قيادات التيارين الصوفي والسلفي أو أي باحث كان عن غطاء "ديني" لتحقيق مصلحة مع النظام أو ضده..عظة لمن يتعظ.. إن كان يرد .. أن يتعظ!

هكذا رأيت تلك الفتوى.. كيف ترونها؟ الكرة في ملعبكم زواري الكرام..

تحديث 6/8: الحزبوطني وصحفه قدوة حسنة لجميع المتطرفين والرجعيين في السير عكس الزمن.. والدليل هو هذا الفاصل من الهراء المركز..
* وإلا لكنا رأيناه وقد هاجم الفتوى إياها..