Monday, July 30, 2007

ما ينفعش!

قبل الكلام:أتمنى من الزميل نهضة مصر أن يأخذ ردي على تدوينته بروح رياضية وأن يتقبل خلاف شخص مستقل رافض لكل أفكار التيارات الدينية السياسية والمذهبية وحتى الأتاتوركية بصدر أكثر رحابة .. بما أنني لم ألاحظ فروقاً كبرى في التعامل مع "الرأي الآخر" بين المتشددين على أقصى طرفي المسطرة الدينية- العالمانية!

مقدمة: يبدو أنه يوجد-بكل أسف- أشياء تساند ادعاء الغرب بأن الشرق أكثر تطرفاً في كل شيء ، رغم علمنا وإيمانناالعقلي بعدم صحة هذا الادعاء ..الشيوعي المصري أو العربي أكثر تشدداً في شيوعيته من الشيوعي السوفييتي ، ولدينا في كل اتجاه سياسي وفكري ومذهب ديني من هم أكثر ملكية بكثير من الملك وأسرته.. وكأننا قد نحتاج لقرون لندرك أن الاعتدال فضيلة وسطى بين رذيلتين..

حتى العالمانية لم تفلت من هذا التأثير الشرقي الخالص!

قرر مصطفى كمال أتاتورك ، ذات يوم ، أن يطبق "العالمانية" على طريقته الخاصة ، في إطار سعيه لجعل بلده عضواً في نادي أعضاء القارة العجوز ، مقرراً فيما يبدو تعليم الأوروبيين العالمانية على أصولها!

تبدو عالمانية تركيا ، النموذج الذي يراه البعض هو الأنسب والذي لا قبله ولا بعده ، من الخارج براقة ، مواطنة وعدم تفرقة على أساس الدين ، لكن من الداخل يصدق فيها قول مصري دارج شهير ومعروف ، فبينما عالمانية أوروبية مبنية على "فصل عاقل" بين الدين والسياسة ، نجد عالمانية تركيا عصا غليظة تفصل الدين عن السياسة برعاية "البيج براذر" -مع الاعتذار للصديق مختار العزيزي - وهو في حالتنا الجيش الذي "يلعب في" السياسة بشكل يفوق ما يحدث في بعض بلدان أفريقيا سوءاً..

في أوروبا نجد بجانب هذا الفصل بين الدين والسياسة حرية حقيقية لأتباع كل دين بممارسة شعائر دينهم دون تمييز بين أتباع كل دين على أساس ما يؤمن به ، في تركيا نجد محاولة لـ"خلع" الدين من حياة الناس العاديين على طريقة خلع الضرس في فيلم علي الكسار الشهير "سلفني تلاتة جنيه" (طريقة تجعلك تكره خلع الأسنان وطبيب الأسنان والأسنان نفسها)..

وينتظر البعض من مؤيدي هذا النموذج ومتعصبيه بفارغ الصبر انضمام تركيا رسمياً للإي-يو.. حتى يضعون أصابعهم في عيون كل معارضيهم مدللين على تقدم ونجاح هذا النظام العجيب..

بداية .. لن يؤهل هذا النظام العجيب تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي ، وإن انضمت فلن تكون عضواً مرحباً به في داخل الأسرة الأوروبية ، ليس لأن الأتراك مسلمون كما يحلو للبعض الزعم ، ولكن لأن الفوارق كبيرة بين تركيا والعالم الذي تريد الانضمام إليه..

فناهيك عن العالمانية التركية العجيبة ، البعيدة عن مثيلتها في القارة العجوز وخارجها ، سيجد الأوروبيون صعوبة في هضم دولة يتدخل فيها الجيش في السياسة ، ولا تحمل مشاعر ودية لأقليات تعيش داخل حدودها كبشر من الدرجة الثانية ، لتدفع بعض دول أوروبا ثمن العلاقة السيئة بين تركيا وأقلياتها في صورة عمليات إرهابية وتفجيرات ، حتى الاقتصاد التركي الذي يقول الزميل نهضة مصر أنه تقدم مسنود في الواقع بثروات طبيعية وبالسياحة التي كونت جزءاً كبيراً منها التأثيرات الحضارية السابقة التي انقلبت عليها الأتاتوركية ، وسيعني انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مزيداً من العاطلين يتوزعون على "الفرع الغني" في العائلة الأوروبية ليجدوا عصابات النازي الجديد في ألمانيا وأشباههم في انتظارهم!

يجد هذا النموذج هوىً وعشقاً لدى البعض في تحليلي المتواضع لكونهم يتغنون كثيراً بالديمقراطية واحترام خيارات البشر في الوقت الذي يؤمنون به بأن الحل دائماً لابد أن يأتي من "الأخ الأكبر" ، وبأن الإصلاح لابد أن يكون بـ"العافية" بما أننا ننتمي لشريحة "ما بتجيش بالذوق" من الجنس البشري.. منطقان يتناقضان مع بعضهما أشد التناقض!

من السخف التفكير في أن يتدخل الأخ الأكبر بالتشريع وبقوة القانون لفصل الدين عن حياة الناس ، لأنه من الصعب أن تفصل حياة أي إنسان عادي عن الدين ، فحتى في أكثر دول أوروبا وفي الولايات المتحدة وفي اليابان يصعب إلغاء تأثير الكنيسة والمعبد والمسجد على كافة أنشطة الحياة اليومية للمجتمع رغم أن هذه الأماكن لا تلعب نفس الدور الذي كانت الكنيسة تلعبه في أوروبا في القرون الوسطى، ومن السخف المركز أن يعالج التديين المفرط الذي تفرضه جماعات وتيارات ومذاهب بنزع الدين -تماماً- من كل شيء.. ما ينفعش يا عزيزي.. حتى ولو نجح ذلك في تركيا لعقود فإن مصيره إلى الفشل وإلى ردة فعل عنيفة في الاتجاه المعاكس..

الزميل نهضة مصر يرى ، وهذا رأيه وأحترمه ، أن مصر تحتاج لأتاتورك .. وأنا لا أرى ذلك بالمرة ، فوجود نظام أتاتوركي يساوي وجود نظام ملالي .. أمر يعني لبلد مثل مصر مصيبة سوداء.. قد نحتاج لتفكير "متعقل" لنفهم أبعادها..

يبقى الاعتدال فضيلة تتوسط رذيلتين .. كما قال صديق لي..

Sunday, July 8, 2007

سلمان رشدي : هل عملنا للـ(.....)قيمة؟

من أول ما درسته في الكلية ما يعرف بالـopportunity cost..تكلفة الفرصة الضائعة أو أقرب بديل كما يحلو للبعض الوصف.. هذا المصطلح الاقتصادي له خارج الاقتصاد معنى كبير ، فهو يجعلك تستشعر حقيقة فداحة أخطائك في اختياراتك وقراراتك!

قفز هذا المصطلح فجأة عندما رأينا بريطانيا تكرم المدعو سلمان رشدي صاحب "الآيات الشيطانية".. وكم أنه تحول إلى بطل في أوروبا بل وأحياناً في بلادنا بسبب فتوى لآية الله الخميني أهدر فيها دمه..بل ومكافأة تسيل أي لعاب لمن يحش رأسه!

كان أقرب بديل أن يتم تقزيم سلمان رشدي ، ساعتها لن يبرح حجمه الطبيعي ، وسيبقى مثله مثل أقزام كثر اعتادوا البحث عن بيزنس شخصي في العالم الغربي وعن شهرة زائفة..

لكن كان للنظام الطهراني وملاليه رأي آخر .. فقد كانوا يسعون لتقديم نموذجهم الذي ظل ملهماً لجماعات متطرفة كثيرة (حتى ولو اختلفت أيديولوجياً معها) كأنه النموذج الإسلامي الأوحد للدولة و "الجمهورية الإسلامية" ، من هنا رأى هؤلاء استثمار رواية تافهة كتلك لإظهار أنهم الأكثر حرصاً على الإسلام والمسلمين ، وأن الذين وصلوا بـ"الإسلام" إلى السلطة (بما أن هذا التصور في رأيهم هو التصور الوحيد له) هم الأكثر غيرة عليه والأقدر على حمايته..

وكان سلمان رشدي طبعاً هو الفائز الأكبر مما حدث.. تحول من مجرد أديب كعشرات الأدباء من أصول هندية بجنسيات بريطانية إلى رمز لحرية الرأي والاعتقاد ، وإلى كارت سياسي حيث قطعت الأمم المتحدة علاقاتها بالنظام الطهراني حتى عدلت إيران عن تلك الفتوى في العام 1998 (بعد وفاة الخوميني طبعاً ووصول خاتمي وجناحه إلى السلطة.. أمر يعزز فرضية أن الفتوى سياسية) ، واستثمر كذلك كما استثمرت السينما في إيران كـ"صوت للحرية" في مواجهة نظام "إسلامي" ديني في عالم لا توجد به سوى ثلاث دول دينية فقط.. (أي أن نفس ما استخدمه النظام الطهراني ووسائل إعلامه للدعاية له هو ما استخدمه الغرب للدعاية ضده وضد الإسلام .. مجرد ملاحظة)!

وبحكم ما نعانيه من دونية ثقافية تحول الرجل هو الآخر إلى بطل في العالم العربي ، وشجع نجاحه الساحق آخرين على لعب نفس اللعبة وطلب اللجوء إلى بلاد الفينو والعسل ، وأهو كله بيزنس وكله برتقال..

الفتوى ، وردود الفعل التي على شاكلتها لم تحل مشكلة ، ولم تحمي الإسلام كما زعم أصحابها أيا كانت نواياهم ، فقط صبت - كما أرى على الأقل - في مصلحة من أطلقوها ، "بنط" بروباجاندا يعني .. أو ضعف نظر سياسي كما في رأي آخرين..

كل هذا يعيد أسئلة قديمة ومشروعة تعود للعام 1979 وربما قبله بكثير : ما هي مدى صلاحية رجال الدين لدخول العملية السياسية عموماً؟ أليست لهم أدوار أخرى لا تقل أهمية داخل المجتمع عن أدوار الساسة ، وميادين لا تقل أهمية عن السياسة؟ ألا يخاف المقدمون على دخول لعبة السياسة من رجال الدين على تلوث صورة الدين في عيون الناس بسبب "لا أخلاقيات" السياسة؟

كل تلك الأمور تبدو جدلية ، لكن المؤكد أن هناك في أماكن أخرى من العالم من هم سعداء بالنموذج الطالباني والطهراني وبألعاب رجال الدين العراقيين خاصة الميالين لإيران .. وهي أمور لهؤلاء الناس فيها مآرب أخرى أبعد من "تصنيع" مجرد سلمان رشدي جديد!

ذو صلة: في هذا الرابط قصة موجزة لما حدث ، كما كتب زميلنا أحمد مختار عاشور في الموضوع..