Thursday, October 21, 2010

في الآتي بعد : في سَمّ البدن

0-يعتقد البعض أن الكلام عن أن الخلل عند المسلمين والمسيحيين معاً هو من قبيل إمساك العصا من المنتصف ، وهذا غير صحيح .. لدينا في مصر دوناً عن بقاع العالم مثل بسيط يقول "القفة أم ودنين يشيلوها اتنين".. وبالتالي لا يستقيم منطقياً أن يحمل القفة ذات الأذنين شخص واحد رغم أن لديه يدين اثنتين!

1-وعلى ذلك ، واسمحوا لي ، وبدون تزويق للكلام ، أن أبدي ضيقي كمواطن مصري مسلم من تحميل المواطنين المصريين المسلمين مسئولية كل ما يحدث من توتر طائفي بين الفينة والأخرى.. وهو ضيق "بشري" له علاقة بطبيعة البشر التي تعترف بالصبر ما دام له حد .. لا تتوقع من شخص أو مجموعة من الأشخاص تتلقى -ع الصبح- كل يوم اتهامات بكذا وكذا ، وربما يدخل فيها أشياء من عينة خروج الأرجنتين من المونديال الجنوب أفريقي ، ويكون سعيداً ومنتشياً ، ولا يكفي ذلك ، بل يأتي بعض السادة الناشطين ليكملوا مسلسل "سَمّ البدن" ليتفوهوا بأشياء سخيفة لدرجة الإضحاك من عينة "الأغلبية تتحمل مسئولية تعايش الأقلية" ، "انتم ليه مزدوجين المعايير في المسألة القبطية؟ ولا الأمور بتختلف لما بيتعلق الأمر بالأقليات المسلمة في الخارج"؟

نموذج نمطي حقيقي للكلام الفارغ..

2-فمن العبط المركز مقارنة الوضع هنا بالأوضاع في الغرب ، فمسلمو الغرب كما سبق وأن كتبت هنا في معظمهم جاءوا من دول أخرى وأنسجة ثقافية وعرقية ولغوية أخرى ، فالمسلم في ألمانيا غالباً تركي ، وفي فرنسا مغاربي ، وفي إيطاليا واليونان في معظم الأحيان مصري ، أما المسيحيون المصريون فهم جزء أساسي من هذا الوطن مثلنا تماماً.. كلنا أصحاب دار ، فلا هم أقلية ولا نحن ضيوف..

3-بل إني أعتقد ، وقد يكون في اعتقادي بعضه أو كله خطأ ، أن جزءاً كبيراً من مشكلة شركائنا في الوطن هو من يعتبرهم باستمرار أقلية ، ومن يزرع فيهم باستمرار عقلية الأقلية ، فينفرهم من المجموع ، ومن المشاركة في المجتمع ، ويعزلهم في قمقم ، ويطرح عليهم فكرة الهوية الدينية كبديل للهوية الوطنية أو كمناقض لها ، ويشترط في المشاركة في المجتمع أن تكون تحت غطاء ديني ، ويضاعف من دور المؤسسة الدينية كبديل يحل تدريجياً محل الدولة ، بل ويجعلهم باستمرار في موضع المستَهدَف..والخائف.. والمُضْطَهَد..

4-استفاد هؤلاء "المعتبرون"-وفيهم ناشطون ومثقفون- من عزل المسيحيين عن الحياة العامة في مصر ، أيما استفادة ، استفادوا مكانة ، وقوة ، وسلطة ، فالخائف أو المُتَربَص به -أياً كان دينه - يسهل تشكيله وتطويعه وتحريكه واللعب به ، والأمثلة كثيرة..

وفي سبيل ذلك عمد هؤلاء لترويج مقولة أن التطرف مقترن بما سموه ويعمدون إلى تسميته بـ"الأغلبية" ، وفي هذا ضحك عالٍ آخر حاجة على الذقون والشنبات ، التطرف والاعتدال والتزمت والانحلال كلها أمور موجودة في أي دين وفي أي فلسفة ما دامت موجهة لبشر يفهمها بطريقته في إطار ما يحيط به من ظروف ومتغيرات .. لدينا شيوخ متطرفون ومفكرون متطرفون وفي المقابل هناك رجال دين مسيحيين متطرفين ومفكرون متطرفون أيضاً ، ربما ما يميز حالة المسلمين في مصر ، حتى مع تزايد النفوذ السلفي والصوفي بكافة أطيافهما ، إلا أنه لم يتم "تديين المجتمع" بالكامل رغم تصاعد تيارات التديين ، ولا توجد مؤسسة دينية ذات علاقة شديدة الالتصاق بحياة الناس تخرج (=العلاقة) من نطاق الدين لتتعداه إلى الدنيا ، حتى الأزهر لم يكن كذلك في أوج قوته ، على العكس من حالات إسلامية أخرى كما في إيران والدول التي بها مجموعات شيعية مؤثرة -مثل البحرين- حيث يوجد ما يسمى بـ"مؤسسة دينية" لها مرجعية "خاصة" و"مختلفة" عن تلك لدى الإسلام السني عموماً ، وعلى العكس أيضاً مما بدأ يروج له مسيحياً عن طريق رجال دين استفادوا هم الآخرون من حالة الناشطين إياهم ، الذين نجحوا وتربحوا من تحويل شرائح من المسيحيين داخل مصر -بعيداً عن العاصمة المدللة- من شركاء في مجتمع إلى مجتمع منغلق على نفسه يتمركز حول المؤسسة الدينية ، بعد أن نجحت تلك الفئة في استغلال بعض الممارسات أحسن استغلال لتشكيك تلك الشرائح في الدولة كرباط جامع لأبناء بلد واحد ، ولا أعني هنا بـ"الدولة" "النظام" ، بل مؤسسات الدولة والقانون ، الذي يجب أن يحكم كل المصريين مسلميهم ومسيحييهم..وبالطبع في أي مجتمع مُدَيَّن "أكثر من اللازم" أيّاً كان دينه تصبح لرجل الدين قوة هائلة في الشارع ، وقدرة على التحريك ، بما أنه صار الملجأ والملاذ ، وهو ما يحدث في "الحالة المسيحية" ولا يستبعد أن يحدث يوماً ما هنا في "الحالة الإسلامية" هنا بعد أن حدث ويحدث في أماكن أخرى..

والنتيجة المعتادة : علّي وأنا أعلّي ، سيب وأنا أسيب ، متشدد هنا ، ومتشدد هناك ، صحيفة هنا ، وناشطون هناك .. حادث هنا ، وحادث هناك ، أي خلاف يتم تديينه ، وأي شارع يتم تديينه ، وأي قرية يتم تديينها .. أمر لا يتغير ما دامت مسبباته على حالها..

5-عندما أقول إذن أن المشكلة لدى المسلمين والمسيحيين معاً لا أمسك العصا من المنتصف ، هذه هي الحقيقة لكل ذي عينين ، كلنا نعاني من مشاكل مشتركة تتعلق بفهمنا لفكرة العيش المشترك ، الذي تقع مسئوليته على الكل وليس على طرف واحد ، ولدينا مثل شهير في مصر يقول "القفة أم ودنين يشيلوها اتنين" .. ولا يحملها واحد علماً بأن لديه يدان اثنتان..

لدينا معاً مشكلة في أمور من بينها فهمنا للدولة ، ومؤسساتها ، والقانون ، الهوية الوطنية والهوية الدينية ، علاقة الدين بالدولة وبالحياة ، المؤسسات الدينية على الطرفين ، ودورها في حياة أتباع كل دين ، وهل يجب أن يتناسق مع دور الدولة أم يطغى عليها أم يحل محلها ، ورجال الدين ، هنا وهناك ، ووقوفهم سواسية أمام القانون كأي فرد عادي مع كل ما يحظى به في دينه من تقدير وإجلال..

6-كثر الكلام عن "تجديد الخطاب الديني الإسلامي" ، ومع تحفظي على المصطلح فإن تصوراتنا -أكرر : معاً-للدين تحتاج للتغيير بما يتناسب مع العصر ولا يخالف ثوابت الدين ، لكني أحسب أن ذلك مطلوب أيضاً لدى المسيحيين ، وهناك مسيحيون مستنيرون ينادون به كما أنه يوجد مسلمون مستنيرون ينادون بتجديد فهم الإسلام ، التجديد ليس مسئولية طرف واحد دون غيره ..والمسألة ليست عزومة مراكبية ينتظر فيها كل طرف من الآخر أن يتحرك هو أولاً.. إلا إذا أردنا أن نقضيها شيخاً بجوار قسيس في حفل يخطب فيه الرئيس وبعدها احتقان طائفي هنا ومصيبة هناك ، وعزومة مراكبية و"سيب وأنا أسيب"، خاصةً أننا جميعاً - مسلمون ومسيحيون- لا نستطيع تحمل تبعات "الآتي بعد"..
*تحديث 25/10: تعديل في الفقرة (4) و (6)..

No comments: