الخرافة موجودة في كل مكان في العالم ، حتى في أكثر المجتمعات علمنة ، وهذا للرد على من يزعم بأن الخرافة مرتبطة بشكل مباشر بوجود الدين ، أي دين ، وللخرافة من يؤمن بها بحثاً عن أمل ، هروباً من ضعف أو هزيمة ، لكن ما يقرف ويصيب بالغثيان هو الموقف العام منها داخل مجتمعنا تحديداً..
بعد أن سكت "أنصار العقل" الذين "تنحرروا" وملأوا الدنيا صواتا وعويلاً في قصة فاروق حسني والحجاب على واقعة الإمام الذي زعم رؤيته للرسول الكريم في رمضان ، ظهرت لهم من الأرض "الشجرة المسلمة" .. شجرة مكتوب عليها لفظ الجلالة على حدود العاصمة كما نقلت الميديا المصرية ، وهناك من يطوفون حولها ويسيرون تحتها تبركاً بها..
أفاق هؤلاء على طريقة واحد صاحبنا كان جالساً تحت شجرة تفاح ، ولما سقطت فوق رأسه تفاحة صغيرة بقي صامتاً لمدة نصف ساعة قال بعدها "أي".. تذكروا فقط الآن أننا نجلس على بركة من الخرافة ألصقها من ألصقها بالدين لمصالحه الخاصة ، كرامات خارقة وأناس يمشون على الماء وقصص تملأ الكتب فيغترف منها الخطباء المنتمون لشلل الزعامة الدينية فيلقون بها في رؤوسنا ، وأشياء تسوق لنا على أنها معجزات في زمن تسويق كل شيء بالدين تطاردنا في كل مكان من المطبوعات التي توزع في المساجد مروراً بالاس ام اس ورسائل الميل وحتى الفضائيات ، أليست مسخرة أن يتم استخدام التكنولوجيا في تسويق الخزعبلات باسم الدين؟
ولأن للخرافة مصالح تحميها ، فستشهر جماعات المنتفعين بالخرافة ومبرريها داخل شلل الزعامة الدينية وغيرها سلاح الإرهاب الفكري في وجه كل من يرفع علامة استفهام حول كل ما سبق ذكره من خزعبلات .. سواء باتهامه بالطعن في الدين والتشكيك فيه .. وربما باتهامه بالتآمر على الأمة!
كما سبق .. ظهور الخرافة في حد ذاته ، ووجود من يستفيد منها في حد ذاته أيضاً أمر عادي مهما استهجناه ، الاستفزاز بعينه ما شاهدته بأم عيني في برنامج صباح الخير يا مصر اليوم..
يستضيف البرنامج كل جمعة شيخاً شاباً لا يتجاوز منتصف الثلاثينيات من العمر ، لتقديم شبه فقرة دينية ، وكانوا يناقشون في حلقة اليوم قصة الشجرة ، تحدث الرجل برطانة من النوع المألوف -على طريقة مسرحية شاهد ما شافش حاجة -عن الخطاب الديني المعتدل المستنير ، كلام جميل كلام معقول مأقدرش أقول حاجة عنه ، لكن سيادته كان يتحدث بعبارات من عينة "احنا بنبني وغيرنا بيهد ، احنا بنخطب وفي الفضائيات بيتقال كلام تاني"!
من الذي يبني يا شيخنا الجليل؟ وما الذي يبنى بالضبط؟
تحدث الرجل كما لو كان هناك جهد يبذل أصلاً .. كما لو كان هؤلاء الذين يتحدث عنهم يشاهدون القنوات الفضائية المحسوبة على الإسلام ويفندون ما يذاع من فتاوى ، كما لو كان هؤلاء يقرأون الكتب الموجودة على ناصية معظم مساجد مصر ، أو يزورون مواقع شلل الزعامة على النت بخرافاتها وخزعبلاتها ويردون على ذلك ..
تجار الخرافة إذن ليسوا فقط من يعفر على ذقوننا ، من يدعون محاربتها أيضاً ، فلم تكن الخرافة لتتوحش إلا إذا لم تجد من يواجهها دون تخوف من نفوذ الشلل وعلاقاتها بالساسة وانتشار نفوذها وسط البسطاء ، تاركين إيانا تحت الشجرة ، في انتظار وهيبة فيما يبدو!
ذو صلة : فكرت بعد رمضان في الكتابة عن هذا الموضوع قبل ظهور الشجرة بعدة أشهر ، إلا أن مقالاً حديثاً نسبياً أراه رائعاً للدكتور أيمن الجندي تناول الفكرة بشكل أكثر وضوحاً مما كنت سأكتب يومئذ.. أترككم معه..
تحديث: الشجرة طلعت تايواني..كل شجرة واحنا طيبين!