Friday, April 17, 2009

"لزوم" الدلع

لم أعتد -إلا مرة واحدة في المدونة الشقيقة "الصحافة فين التعليم أهه" - منذ بدايتي في التدوين أن أقطع سلسلة من التدوينات المجزأة.. لكن هذه المرة الأمر غريب وغير مفهوم ..

خبران أضعهما بجانب بعضهما وكل منهما أغرب من الآخر ..

الأول.. فضيلة مفتي الديار المصرية يدلي بتصريح نشرته "الدستور" و "اليوم الساقع" مفاده فيه والكلام بنص الموقعين أن الإسلام "دلع المرأة" ، وفي صياغتي "الدستور" وموقع جريدة "الدار" "دلع المرأة زيادة عن اللزوم"!

والثاني .. أن دار الإفتاء المصرية - والتي يرأسها فضيلة مفتي الديار المصرية صاحب التصريح في الفقرة السابقة - أباحت زواج المسيار -الشائع في عدد من دول الخليج.. رغم "نفي" دار الإفتاء للكلام في اليوم التالي بحسب جريدة "البشاير" الإلكترونية..

يرى المفتي أن الإسلام قد "دلَّع" المرأة بشكل زائد عن اللزوم ، دون أن يعرف لنا بطبيعة الحال هذا "اللزوم" وهل من هذا "الدلع" إباحة زواج يضرب بحقوق المرأة التي شرعها الإسلام نفسه عرض الحائط ، حتى ولو كان ذلك بشكل "اتفاقي"-باتفاق الطرفين يعني- ولا أصل له في الكتاب ولا السنة ، ولا علاقة له بالمقاصد التي شرع الله من أجلها الزواج ، السكن والمودة والرحمة.. بل إنه اختزل الزواج كله في شيء واحد فقط .. يناسب أزهى عصور السكسوقراطية التي نعيشها حالياً..

عن نفسي أميل جداً لما قاله الدكتور إبراهيم فاضل الديو في المسألة : "وإذا قيل بأن زواج المسيار عقد استكمل أركانه وشروطه فلماذا يحرم؟ فإنه يجاب على ذلك بأن نكاح المحلل والمحلل له قد استكمل العقد فيه أركانه وشروطه أيضاً، إلا أن الفقهاء أفتوا بحرمته سدا للذرائع، وسد الذريعة أصل من أصول الشريعة قال به كثير من الفقهاء"..

ومع احترامي لفكرة أن لـ"ولي الأمر" فكرة حظر الشيء المباح منعاً للمفسدة .. فإن استخدام تلك الفكرة في الفتوى المشار إليها هو أمر "مضحك" و "غريب" و "يستعصي على الفهم".. "هو صح دينياً بس ولي الأمر منعه لأن فيه مفسدة"؟

الإسلام لم "يدلع" المرأة أكثر من اللازم ، والإسلام لا "يدلع" أحداً أو فئة .. هو فقط يعطيها حقوقها كما يعطي لكل فئة حقوقها، ولو تواجدت شبهة مجاملة لحساب فئة ما فإنها ستأتي حتماً على حساب الأخرى وهو ما يتصادم مع واحد من أهم مقاصده ..وكان على فضيلة المفتي العالم الجليل أن يكون أكثر "حذراً" و "دقة" في استخدام مصطلحاته خاصةً في ظل وجود ميديا تتصيد أي خطأ أو زلة لسان.. فلا مكانته العلمية ولا منصبه يسمحان بنوعية معينة من زلات اللسان ستمطر آثارها السيئة فوق رءوس الكل كليلة..

Thursday, April 16, 2009

في المسألة البهائية - جزء أول

0-السطور القادمة قد تكون صادمة ، لكنها تبقى مجرد محاولة أكثر لفهم قصة "الأقليات الدينية والمذهبية" في بلادنا .. مجرد محاولة قد تخرج منها برد فعل عنيف تجاه شخصي المتواضع ، وقد تخرج منها ببعض الأسئلة المشروعة..

1-أولاً.. يبقى ما حدث في "الشورانية" مرفوضاً بكل المقاييس ، ولا طائل من المزايدة على رفض شيء هو بالأصل مرفوض ، ويبقى البهائيون أقلية بالمقياس العددي والتأثيري داخل المجتمع المصري (مجموع تعدادهم على مستوى العالم ستة ملايين ، مجموع تعداد المسلمين في القاهرة أكثر من ستة ملايين).. وأرفض التفسيرات "الذكية" التي ستخرج طبعاً لتقول أنني أبرر ما حدث للبهائيين بكونهم أقلية..

ولكن..

2-ولكن دعونا لا ننسى مجموعة أخرى من الحقائق .. أولاها أن الأقليات الدينية والمذهبية عادةً ما يتم استغلالها أو توريطها في صفقات من قبل بعض الدول للضغط على بعض الأنظمة والحكومات .. كما تفعل أمريكا وإيران معنا في ملفات البهائيين والشيعة على الترتيب ، وكما تفعل أمريكا والغرب مع الصين في حالة سكان إقليم التبت (والذي لا يخلُ صراعهم مع حكومة بيجينج من بعد ديني).. وثانيها أن الأمر ينطبق أيضاً على الداخل حيث يلعب النظام والمعارضة بورقة الأقليات كل للضغط على المعسكر المضاد .. وإحراجه أمام الخارج الذي "يبتزه" بتلك الورقة.. وهو ما أرى أنه حدث حرفياً في حالة البهائيين..

فالمال السياسي في صراعه مع الحزبوطني قام باللعب بورقة البهائيين ، الذين كانت لهم مشكلة - بل مشاكل- مع النظم المصرية المتلاحقة ، ولما رأى معسكر المال السياسي نفسه متكافئاً في القوة مع الحزبوطني ، وشجعته الثقة على إحراج الحزب الحاكم قام باللعب بورقة البهائيين عن طريق الإعلام ، سواء عن طريق الصحف -"صوت الأمة" وأخواتها- أو الفضائيات "دريم".. ولم يكن السيد "وائل الإبراشي" سوى مجرد أداة- ومنذ متى كان غير ذلك- ساعدته على أداء دوره طبيعة بعض القيادات البهائية التي ظهرت.. ولكي يكون الشو محبوكاً و "حراقاً" أتيحت لتلك الشخصيات الظهور على شاشة الفضائيات وهي الأوسع انتشاراً من كافة وسائل الميديا الأخرى..

3-حقيقة ثانية.. تصرفات قادة أي مجموعة تعكس بنسبة ما اختيارات المجموعة نفسها ، ولا يوجد أكثر من الأمثلة في العالم العربي الذي يعج بأقليات دينية ومذهبية في كل دولة تقريباً.. وهذا يقودنا إلى حقيقة خامسة .. وهي أن لكل أقلية خيار من اثنين.. إما المجموعة .. وإما الاستقواء بالخارج للضغط على النظام لنيل مكاسب ما ..

خيار المجموعة هو الأصعب ، وهو الأصح .. وكان يتطلب من قيادات الأقلية البهائية وأفرادها بذل بعض الجهد .. وإن كان هذا الجهد سيكون مضاعفاً بحكم المشاكل بين "البهائية" والأديان السماوية الثلاث وهو أمر "يصعب" تخطيه -هم مؤمنون بديانتهم ونحن مؤمنون بديننا ولن يستطيع أحدنا إقناع الآخر بتغيير دينه- وبحكم سوء حظ البهائيين الذين اصطدموا بالنظام منذ العهد الناصري حين أغلقت محافلهم ، ثم شبكة البهائيين التي تم ضبطها في أواسط الثمانينات حيث ذروة توحش التطرف الديني والمذهبي في مصر ، و"ما يقال عن" علاقتهم بإسرائيل (والتي تسببت في إغلاق محافلهم منذ الستينيات وحتى الآن)..

خطأ كبير في نظري يمكن أن تقع فيه أي مجموعة أياً كان حجمها ودرجة ثقلها أن تتوقع أنها ستستفيد من أي نوع من الصفقات ، إن من يفتح لك الباب من أجل مصلحته هو أول من سيلقي بك من الشباك بعدما تقضى تلك المصلحة.. والخطأ الأكبر هو أن تعتقد أي مجموعة مهما كان حجمها أن التعايش المشترك هو مسئولية الطرف الآخر ..هذا سيوقعنا في ما يشبه "معضلة السجين" أو ما يشبه "التعازم" في الثقافة المصرية (اتفضل - لا إنت الأول - لا ميصحش - والله انت الأول - عليا الطلاق ...الخ) لدى كل طرف دور يلعبه .. وللأسف فإن الصوت العالي جداً لقيادات البهائيين وللناشطين المؤيدين لهم أنساهم أن للأقلية نفسها دور تلعبه ، أم أننا نتذكر هذا الدور فقط عندما نتحدث عن الأقليات المسلمة خارج العالم الإسلامي وننساه هنا*؟
لا قيمة لأي جهد تبذله أي جهة للتعايش المشترك مع الأخرى دون أن تتحرك تلك الأخيرة.. نستكمل في التدوينة القادمة بإذن الله..
*ولا تناقض بين ذلك وبين ما كتب المدون سابقاً في سلسلة "هاللو هولندا" أو ما سيكتبه لاحقاً..