Friday, February 23, 2007

نحن تحت الشجرة!

الخرافة موجودة في كل مكان في العالم ، حتى في أكثر المجتمعات علمنة ، وهذا للرد على من يزعم بأن الخرافة مرتبطة بشكل مباشر بوجود الدين ، أي دين ، وللخرافة من يؤمن بها بحثاً عن أمل ، هروباً من ضعف أو هزيمة ، لكن ما يقرف ويصيب بالغثيان هو الموقف العام منها داخل مجتمعنا تحديداً..

بعد أن سكت "أنصار العقل" الذين "تنحرروا" وملأوا الدنيا صواتا وعويلاً في قصة فاروق حسني والحجاب على واقعة الإمام الذي زعم رؤيته للرسول الكريم في رمضان ، ظهرت لهم من الأرض "الشجرة المسلمة" .. شجرة مكتوب عليها لفظ الجلالة على حدود العاصمة كما نقلت الميديا المصرية ، وهناك من يطوفون حولها ويسيرون تحتها تبركاً بها..

أفاق هؤلاء على طريقة واحد صاحبنا كان جالساً تحت شجرة تفاح ، ولما سقطت فوق رأسه تفاحة صغيرة بقي صامتاً لمدة نصف ساعة قال بعدها "أي".. تذكروا فقط الآن أننا نجلس على بركة من الخرافة ألصقها من ألصقها بالدين لمصالحه الخاصة ، كرامات خارقة وأناس يمشون على الماء وقصص تملأ الكتب فيغترف منها الخطباء المنتمون لشلل الزعامة الدينية فيلقون بها في رؤوسنا ، وأشياء تسوق لنا على أنها معجزات في زمن تسويق كل شيء بالدين تطاردنا في كل مكان من المطبوعات التي توزع في المساجد مروراً بالاس ام اس ورسائل الميل وحتى الفضائيات ، أليست مسخرة أن يتم استخدام التكنولوجيا في تسويق الخزعبلات باسم الدين؟

ولأن للخرافة مصالح تحميها ، فستشهر جماعات المنتفعين بالخرافة ومبرريها داخل شلل الزعامة الدينية وغيرها سلاح الإرهاب الفكري في وجه كل من يرفع علامة استفهام حول كل ما سبق ذكره من خزعبلات .. سواء باتهامه بالطعن في الدين والتشكيك فيه .. وربما باتهامه بالتآمر على الأمة!

كما سبق .. ظهور الخرافة في حد ذاته ، ووجود من يستفيد منها في حد ذاته أيضاً أمر عادي مهما استهجناه ، الاستفزاز بعينه ما شاهدته بأم عيني في برنامج صباح الخير يا مصر اليوم..

يستضيف البرنامج كل جمعة شيخاً شاباً لا يتجاوز منتصف الثلاثينيات من العمر ، لتقديم شبه فقرة دينية ، وكانوا يناقشون في حلقة اليوم قصة الشجرة ، تحدث الرجل برطانة من النوع المألوف -على طريقة مسرحية شاهد ما شافش حاجة -عن الخطاب الديني المعتدل المستنير ، كلام جميل كلام معقول مأقدرش أقول حاجة عنه ، لكن سيادته كان يتحدث بعبارات من عينة "احنا بنبني وغيرنا بيهد ، احنا بنخطب وفي الفضائيات بيتقال كلام تاني"!

من الذي يبني يا شيخنا الجليل؟ وما الذي يبنى بالضبط؟

تحدث الرجل كما لو كان هناك جهد يبذل أصلاً .. كما لو كان هؤلاء الذين يتحدث عنهم يشاهدون القنوات الفضائية المحسوبة على الإسلام ويفندون ما يذاع من فتاوى ، كما لو كان هؤلاء يقرأون الكتب الموجودة على ناصية معظم مساجد مصر ، أو يزورون مواقع شلل الزعامة على النت بخرافاتها وخزعبلاتها ويردون على ذلك ..

تجار الخرافة إذن ليسوا فقط من يعفر على ذقوننا ، من يدعون محاربتها أيضاً ، فلم تكن الخرافة لتتوحش إلا إذا لم تجد من يواجهها دون تخوف من نفوذ الشلل وعلاقاتها بالساسة وانتشار نفوذها وسط البسطاء ، تاركين إيانا تحت الشجرة ، في انتظار وهيبة فيما يبدو!

ذو صلة : فكرت بعد رمضان في الكتابة عن هذا الموضوع قبل ظهور الشجرة بعدة أشهر ، إلا أن مقالاً حديثاً نسبياً أراه رائعاً للدكتور أيمن الجندي تناول الفكرة بشكل أكثر وضوحاً مما كنت سأكتب يومئذ.. أترككم معه..

تحديث: الشجرة طلعت تايواني..كل شجرة واحنا طيبين!

Saturday, February 10, 2007

والصفيح أيضاً .. يلمع!

" "حاشا وكلا ، لسنا ضد الإسلام من قريب أو من بعيد ، إحنا معتدلين صلاة النبي"..

لا أعرف إن كان هذا تحذيراً أم هتافاً أم صراخاً يطلقه بعض ممن يحسبون أنفسهم "مفكرين إسلاميين" ويمضون في تصديق أنفسهم إلى آخر الشارع على طريقة مسرحية "هنري الرابع" للويجي بيرانديللو..لكن مع الوقت تكتشف تناقضات غريبة تستعصي على البلع ، والمفارقة أنهم ينشرون ويسعون للنشر في مطبوعات يفترض أنها شعبية ويوجهون "أفكارهم الإسلامية" لعموم المسلمين وليس للصفوة أو للنخبة في الوقت الذي لا يأبهون فيه ربما لتساؤلات مشروعة من قبل الناس العاديين الذين من المفترض أن توجه تلك الأفكار "لتنويرهم" على أساس أنهم "عوام" و "غوغاء" و "دهماء"!

أمس شاهدت فقرة من برنامج 90 دقيقة استضافت فيها "المفكر الإسلامي" سيد القمني ، والذي عاد بعد اعتزال أو توقف أو مش عارف إيه ، والقمني كان يكتب -حتى وقت ما قال أنه "تهديد" موجه من جماعات متطرفة -في روزا ، والآن أصبحت له مدونة يعيد أو يكرر فيها ما نشره من مقالات في تلك المجلة..

من ضمن المقالات التي أعاد نشرها حوار له مع سامح سامي ، هذا الحوار يضعك أمام أفكار هذا "المفكر الكبير" بوضوح ..

في السؤال الأخير في الحوار قال له سامح :

* هل الممارسات الدينية وراء التخلف الاجتماعي ، فاني أرى أن الممارسات الدينية والعقائد وراء ما نحن عليه الآن ؟.

وكان ضمن الرد .. أو خلاصة الرد :

ومن ثم فالممارسات الدينية في حد ذاتها لا تكون عامل تقدم أو عامل تخلف إلا بنتائجها الملموسة في الواقع. ولا يجب حصر الدين هنا وحده كسبب إنما بحسبانه أداة في يد بشر يصوغونه وفق أغراضهم التي قد تؤدي إلى التخلف أو التقدم..

ثم أطلق هذه الفقرة الغريبة :

وإذا كنت تقصد الإسلام تحديداً ، فاني أقول لك انه بحالته الراهنة ، وبما يحمله من قواعد فقهية بل واعتقادية ، هو عامل تخلف عظيم بل أنه القاطرة التي تحملها إلى الخروج ليس من التاريخ فقط ، بل ربما من الوجود ذاته.

أولاً: ما هو المقصود بـ "الحالة الراهنة" للإسلام؟ هل يعقل أن "مفكراً كبيراً" يفتقر للدقة في سرد مصطلحاته ، دون التفرقة الواضحة بين "الدين" و "ممارسة الدين" و "فهم الدين"؟

الدين نفسه لم يتغير ، لا يوجد شيء اسمه إسلام اليوم ولا إسلام إمبارح ولا إسلام الشاطر ، فهمنا له يتغير زيادة ونقصاناً إيجاباً وسلباً تحفظاً وتحرراً ..الدين نفسه تم بنص القرآن الكريم بقول الله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" (المائدة -3)

ثانياً ، وهو ما كتبته في ردي عليه ، والذي لا أعرف إن كان سيقرأه أم سيعتبرني (ككل مخالفيه في الرأي) من أنصار جماعات الإسلام السياسي (إنت معانا ولا مع الناس التانيين) .. ما هو تعريفه "للممارسات الدينية"؟ هل هي تلك التي نص عليها القرآن الكريم والسنة المطهرة؟ أم تلك التي "تم استحداثها" كحلقات الذكر ومسيرات الضرب بالجنازير في عاشوراء؟

ثالثاً : ألا يوجد "ثمة" تناقض بين قوله أن الممارسات الدينية في ذاتها ليست أداة تخلف أو تقدم ، وقوله أن القواعد الفقهية والاعتقادية في الإسلام "الراهن" هي سبب التخلف وأس البلاوي؟

طالما هو يتحدث عن "الحالة الراهنة" ، فمن المؤكد أنه ربما يطالب "بحالة جديدة" أما لا يزال هو وآخرون مصرون على أن ما يطلبون هو تجديد الخطاب وليس تعديل الدين نفسه؟.. بإسلام معدل مثلاً!

هذه السطور ليست تحريضاً عليه كما أتوقع أن أسمع ، هو حر في قناعاته لكنه ليس حراً في أن يقبل على نفسه وصف "مفكر إسلامي" على نفسه ، لا يوجد شيء اسمه مفكر إسلامي أصلاً لأن الإسلام ليس أيديولوجية ، فهو دين لا تتغير نصوصه وما يتغير هو فهمنا له ، بعكس الأيديولوجية التي يبقى فهمها وتبقى هي نفسها محل النقاش والفهم..

ليس كل ما يلمع ذهباً ، وليس كل مفكر بمفكر ، ولدينا قائمة طويلة عريضة تتضمن من "المفكرين الإسلاميين" من أمثال جمال البنا وشركاه من هم رموز للضبابية الفكرية والأفعوانية السياسية والتناقض الذي يتهمون به كل مخالفيهم وينتقدون سيطرة رجال الدين على الاجتهاد بينما يستحلون ذلك لأنفسهم ، وليس كل من توجه إليه بنادق المتطرفين ببطل أو شهيد ، فالمتطرف أعمى يوجه بندقيته لمجتمع بأكمله بمعتدله ومتطرفه طالما أنه لا توجد بينه وبين ما يؤمن به علامة يساوي..

كما نقول في مصر : عقلك في راسك تعرف خلاصك.. لنحكم بالعقل على صحة الأفكار من عدمها ، دون الانخداع بحنجوري بعض "المفكرين" أو الشعارات العاطفية أو بريق الصفيح .. الذي قد نصدق أنه فضة!