كنت أعد لكتابة مقال سيثير فرقة "الهيلا هيلا هوو"* المتحدة والتي نشطت مؤخراً بأدبها الرفيع وشتائمها المهذبة في موضوع قديم نسبياً عن "قناة الناس".. إلا أن تصريحاً واحداً لفضيلة مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة نشر قبل أيام على موقع الجزيرة نت كان كفيلاً بإثارة بعض التساؤلات الشريرة ثقيلة الظل..
طرح فضيلة المفتي فكرة بسيطة جداً .. أن "يقدم السنة والشيعة اعتذارا بعضهم لبعض في بيان موحد، وقال "أظن أن هذا الاعتذار قد يهدئ الحال"، وطالب بتجاوز التاريخ "لأننا لم نكن سببا فيه"..
قد يرى البعض تلك خطوة طيبة وبادرة مقبولة على خلفية إنهاء الصراع المذهبي ، ولكني أراها على المستوى الشخصي تسطيحاً للمسألة أكثر من أي شيء مضى..
نفس قصة الاعتذار تلك تذكرني بالتوتر الطائفي في مصر بين المسلمين والمسيحيين العام الماضي .. اعتذار على طريقة "كل واحد فيكم يقول للتاني أنا آسف ويبوس راسه ويلعب معاه"! .. ويبدو أن هذا المنطق سيفرض نفسه أيضاً حتى على الصراع المذهبي داخل الإسلام نفسه..
السيناريو في الوضعين واحد : اعتذار وابتسامات صفراء ومصافحات ، ثم احتقان وشجار ومشاحنات.. ثم تتساءل النخبة المثقفة ومعها رجال الدين في تناحة : لماذا عادت ريما لعادتها القديمة؟
والجواب لأن المشكلة الأساسية لم تعالج أصلاً ، و"بلبعة" المسكنات لن تغني عن مواجهة المشكلة نفسها قبل أن تستفحل ولا ينفع الندم..
الأولى من الاعتذار و"بوس الرأس" هو مراجعة الأفكار نفسها ، الأفكار الدخيلة على الدين الذي تصنع المذاهب بها شخصيتها الخاصة ثم تثبت في عقول العامة مع الوقت واضعة علامة "يساوي" بين المذهب والدين كله ..أفكار صنعتها مصالح سياسية واختلاط فكري مع ثقافات البلاد التي فتحها الإسلام أضر به أكثر بكثير مما نفعه ، وأبعدت فهمه عما كانت عليه الصورة بعد وفاة الرسول الكريم.. بل وتصطدم بالواقع وتثير مخاوف مشروعة لدى كثيرين بمن فيهم من يؤمن بأن لا تناقض بين الإسلام والدولة الحديثة..
وبالله عليكم ، لا أريد سماع اسطوانات نظرية المؤامرة ، ومؤامرات الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر والأخطار التي تتهدد الأمة إلى آخر هذه الهراءات المحفوظة الحقوق لبعض عشاق الحنجوري وهتيفة المظاهرات وأدعياء "الفكر الإسلامي"، هذه الأفكار لا تحتاج لأمريكا ولا لإسرائيل لأن ينفخوا فيها فيشتعل الحريق هنا أو هناك ..
أتمنى أن يستفيد المفتون والمشايخ والمرجعيات وآيات الله من درس الجماعات المتطرفة في مصر ، لقد جاء الوقت على من رفعوا السلاح في وجه أبناء دينهم وبلدهم وقرروا عمل مراجعات فكرية للعديد من الهراءات التي ارتكبوا بها سجلاً طويلاً من الجرائم وكانوا يعتقدونها من صميم الدين (أياً كانت درجة التشكك في مصداقية تلك المراجعات.. على الأقل قالوا أنهم راجعوا)، لماذا لا يسير رجال الدين في كل مذهب والذين يعطوننا محاضرات طويلة في الاعتدال بنفس الاتجاه الذي سار فيه المتطرفون؟
أيهما أولى يا فضيلة المفتي؟ المراجعة أم الاعتذارات؟ العلاج أم الأسبرين؟.. عن نفسي أعتقد أن الأسبرين وحده لا يكفي..
ذو صلة:كتب الزميل المختفي نبيل هلال في الموضوع مبدياً وجهة نظره..وأتفق معها في كثير..
* هتاف كروي مصري بذيء شهير..
* هتاف كروي مصري بذيء شهير..