Friday, May 12, 2006

بلد تماثيل صحيح!

شر البلية ما يضحك ، وكلما كانت البلية أكثر شراً كلما حصلت على ضحك أكثر في نهاية المطاف ، وهذا ما يفسر بقاء الشعب المصري قادراً على الضحك حتى الآن .. ما هو من اللي بيشوفه..

هناك قصتان ظريفتان جداً أبطالهما تماثيل ، القصة الكوميدية الأولى بطلها تمثال الملك فؤاد في بورفؤاد - هذا الحي الجميل الوادع في بورسعيد.. حيث قررت المحافظة ذات يوم في العام 2002 نصب تمثال للملك فؤاد في ساحة الميدان الرئيسي بالحي ، وهنا قامت قائمة الناصريين ولم تقعد ، مطالبين بأحد العبارات ، وفي حملة كانت جريدة الأسبوع طرفاً فيها ، وانتهى الأمر ببساطة شديدة بنزع التمثال بعد أن بقي لمدة لا تزيد على اليومين على قاعدته.. والطريف أن أهل بورفؤاد الرافضين للحملة الإعلامية الناصرية قد أطلقوا تعبيراً ساخراً جداً على مبرر نزع التمثال : أصله يندرج تحت بند "الأصنام"!.. خاصة وأن التمثال على غير مبعدة من أحد المساجد الكبيرة في الحي..

من أطلق هذا التعليق أطلقه بسلامة نية شديدة ، ولم يكن يعلم أن الجدل حول التماثيل والأصنام سيثور إلى هذه الدرجة..

وهنا تأتي المسخرة الثانية..

في مجلة التصوف الإسلامي عدد ربيع الآخر ، والذي أنا محظوظ بوجوده على النت ، نرى موقفاً غريب الشكل من المسألة التمثالية ، ففي الوقت الذي يؤكد فيه
شيخ المشايخ على عدم حرمة التماثيل ، مظنة أنها قد تُعبَد.. نرى تحقيقاً صحفياً في قلب المجلة يصف الانتقادات الموجهة إلى فضيلة المفتي بشأن الفتوى ، أو بشأن نقله للفتوى القديمة على أنها "هجمة علمانية".. العلمانية هذه الأيام صارت شتيمة واحنا مش عارفين.. وليتهم يحاولوا معرفة معنى الشيء قبل ممارسة السب أصلاً!

أعرف أن البعض قد يقول أن التحقيق الصحفي مجرد تحقيق ، لكننا عندما نتحدث عن صحيفة أو مجلة أيديولوجية تصدر من حزب أو جماعة ، فإن كل ما في الجريدة أو المجلة يمثل الخط الفكري لمن وراء الجريدة أو المجلة..ولو قيل أن ذلك الاختلاف هو دليل على الديمقراطية ، فإن الكل يعلم أن هامش الديمقراطية سواء داخل الطرق الصوفية أو جماعة الإخوان المحظوظة (المحظورة سابقاً( ليس على الوسع المطلوب!..وربما كان هذا التناقض رداً لجميل فضيلة المفتي على تصريحه الذي هاجم فيه معارضي الفكر الصوفي ووصفهم فيه بالمنافقين كما نشرت المصري اليوم!
صحيح أن كلا من المفتي والصحفيين جانبهما الصواب تماماً في تلك القضية برأيي الشخصي المتواضع ، ولكن ما حدث ليس في الواقعة الثانية فقط بل في الأولى أيضاً يثبت أننا عشاق للشكليات بكل أشكالها بشكل غريب الشكل.. فلا تمثال الملك فؤاد إهدار للوطنية المصرية ، ولا فتاوى التماثيل تستحق كل هذه الضجة العنيفة خاصة وأنه يبدو أن فضيلة المفتي قد اكتشفها فجأة ، ولا أي مذهب إسلامي صنم يصنف المختلفون معه على أنهم من عائلة البوبي!
ما حدث في الواقعتين يثبت أننا بلد لا يزال يعيش على أصنامه الفكرية ، ويتشطر على أصنامه المنحوتة.. بلد بتاعة تماثيل صحيح!

1 comment:

قلم جاف said...

وأنا أسعد بوجودك وبتعليقك وبوجود الكل في "الدين والديناميت"..